ثمة أمر غريب وعجيب في منظر الجد اليوم، فهو فعلا يوحي بالغرابة، فقد توسط الغرفة واحتضن أوراقه، وهو يتحدث بصوت مسموع: تمكّنت (بير سيفوني) الانتقال من عالم (هاديس) السفلي الى العالم الخارجي، عبر ست حبات من الرمان.. سألت نفسي: ما الذي يجري الآن في عقلية الجد ليتذكر اسطورة (بير سيفوني) اليونانية؟ مسكين فعلا جدي، فهو على مايبدو يتصور نفسه، وكأنه بين تلاميذه يكلمهم وينهرهم وينبههم أحيانا بكلمات توبيخ حادة... ومن ثم يعود لهدوئه، ويقرأ لهم من قوله تعالى: (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخلٌ وَرُمانٌ). سألته عن الفوائد، لكنه لم ينتبه الى وجودي اطلاقا، رغم انه أجاب سؤالي بعد برهة من الشرح والتفصيل...
لقد ذكرت (الأوديسة) الشهيرة الرمان، وفي التوراة يمثل الرمان الخصوبة في أغنية سليمان، وفي أغلب الأديان السماوية يؤمنون بأنها من فاكهة جنات عدن، وذكرها (كولمبس) في رحلاته و(شكسبير) في مسرحياته... وكان الرحالة العرب يحملون الرمان بدل الماء، ففيه مايكفي لدعم المسافر بالغذاء... واليوم يستخدمون المواد الكيماوية لاستنهاض رجولتهم، والرمان له امكانية التعويض عما تقدمه تلك المواد، وقد يفتك بهم السرطان، دون أن يدركوا أهمية الرمان لمحاربته فهو يقتل جميع خلاياه...
برهة صمت وكأنه يريد أن يتأكد من انتباه التلاميذ إليه:ـ الرمان يطرد الدودة الشريطية، ويستخدم أيضا في علاج التهابات اللثة وتقرحاتها، ويقوّي الأسنان، ويساعد في هضم الأطعمة الدسمة، فهو مليِّن للأمعاء ويظهر الدم، ويعالج الصداع والارهاق، وينشّط الجسم...
وبعد برهة صمت أخرى قال: والرمان يا أولاد يقي القلب والأوعية الدموية من الأمراض، ويمنع تصلب الشرايين، ويساعد على التخلص من السموم، وينظف الجروح المتعفنة...
كذلك يمنع النزيف الحاد وسيلان الرحم ويعالج الوهن العصبي...
ثم صاح وكأنه يريد أن يختم الدرس:ـ يعالج الرمان البرد والرشح، وهو فعّال في عدم تشكيل الحصوات في الكلية... وبعدها مباشرة ران الصمت ودون أن ينظر إلي أو يتحسس وجودي... غطّ في نوم عميق...