• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : وجدان الذاكرة .

وجدان الذاكرة

فتحت باب الخزانة لترتب ملابسها فوقع بصرها على ألبوم الصور. أخرجته ثم شرعت تتطلع فيه، تداعب أوراقه بحب وقد اغرورقت عيناها بالدموع. تأوهت حينما وضعته في مكانه وسارت نحو المرآة وهي تحدث نفسها بحرقة تعصر صدرها:
"ها آنذا اقف اليوم على شرفة الماضي، وانظر إلى هذه المرآة لأرى هذه الخطوط والتعاريج التي ملأت وجهي، وأطالع فيها تلك السنين التي مرت وأفلتت من بين يدي من دون أن أشعر بها أو حتى أحقق فيها شيئا لذاتي. لقد تركت عملي وانصب اهتمامي كله على زوجي وأولادي، لأجد نفسي وحيدة بين هذه الجدران وفي هذا المنزل الذي أصبح باردا ومجردا من دفء وحنان الأسرة بعد أن توفي زوجي وتزوج أولادي وشغلتهم عني هموم الحياة. لقد تركوني وحيدة من دون أن يذكروني ولو بكلمة واحدة. آه.. وألف آه!!! أصبحت اليوم كتلك الشجرة الخاوية التي تعلو في وسط الساحة المقابلة لمنزلنا، وقد أكل عليها الدهر وشرب، وتساقطت أوراقها الواحدة تلو الاخرى، وهجرتها الطيور وغدت هيكلا أجوف مجردا من سحر رونقه حينما كانت تدب فيه البهجة والسرور، فاليوم لا فائدة ترجى منها وصار الناس لا يهتمون بأمرها"
جففت دموعها وهي تنظر ما حولها وتابعت:
"لا أعلم إن كان قدري البقاء والفناء وحيدة في هذا المنزل الكبير؟!"
في تلك الأثناء سمعت طرقا خفيفا على الباب. ما دعاها لمعرفة من الطارق، سارت ببطء ووهن وهي تردد:
-         لحظة... لحظة من فضلك.
فتحت الباب وإذا بأولادها الثلاثة يحملون الهدايا وهم يرددون (يا أمي.. عيوني أمي.. محنة وطيب أمي.. وجه يمطر محنه.. كمر ونجوم جنه..).
دخلوا جميعا وقد أحاطوا بها من كل جانب بينما شرعت تعانقهم بلهفة قائلة:
-         تصورت أنني لن أراكم بعد اليوم وسأموت وحيدة في هذا المنزل!
-         نحن نعتذر عما سببناه لك من ألم وفراق – قال كبيرهم وهو يقترب مقبلا يديها - نحن نستمد القوة من عطاءك الذي لا ينضب أبدا. فلا خير فينا إن قمنا بهجرك بعد اليوم.
ثم تعالت الأصوات بالغناء من جديد وأخذت تهز ذاكرتها عائدة إلى ما وراء السنين، إلى صور وذكريات لم تلتقطها سوى مخيلتها.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=28794
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 03 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15