بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله كما يحمده محمد وأكثر والشكر لله كما يشكره محمد وأكثر، الحمد الله الذي جعل الجنة لمن خاف مقامه.
أبدأ هذه الكتابة بنقطة في وسط الكتابة السابقة مفادها إنه قد لا يرى البعض إن موضوع مقام الله تعالى والحوار في دينه يعد موضوعاً مهملاً،وتعليل ذلك بأن المحاضرات و النقاشات وغيرها في الحراك العام لا تعدو عن الحوار في دينه تعالى،أما بالنسبة إلى مقامه تبارك وتعالى فهو فوق كل اعتبار ولم نختلف ولن نختلف في هذا الأمر.
وهذا الجواب ليس رداً بل ردة فعل، وأكثر ما يَصدُر مثل هذا الجواب من بعض خطباء المنابر،لإدراك أنفسهم أن الحديث عن الله تعالى قليل ما لهج به لسانهم أين ومتى ما اعتلوا المنبر.
إن الإفراط العاطفي يتسيد فكر أكثرهم وإليه صعدوا المنبر وعنه نزلوا، حتى أصبح الشعب الشيعي في العالم منذ القدم أسير قلبه في فهمه لأهل البيت عليهم السلام، و كثير من يتجرع المتناقضات عند تلقيه الكلمات العاطفية الحزينة، وقد أخذ ما يسمى بـ(لسان الحال) عند النواعي، يتخبط أي لفظ عشوائي لائق هو بفكر أهل البيت عليهم السلام أو غير لائق، لا هدف إلا نزيف من النياح، كما للرؤية المنامية الخرافية المتناقضة نصيب في ذلك، إلى درجة إن بعضهم لا يتحرج من أن يستعين بالكذب في سبيل هدر الدمع، والطامة الكبرى تمادي الشعراء و الرواديد في تناولهم قضايا أهل البيت عليه السلام،سواء من حيث الكلمات أو اللألحان المشابه في احيان كثيرة للألحان الغنائية، و إليك ما يعرض على القنوات الفضائية ويبث على أسماع الناس دون حدود و قيود،وكل من فعل أو رضي بهذا هو مشرعناً لنفسه جواز ذلك، مادام أعتبره عملاً يصب في خدمة أهل البيت عليه السلام فلا إشكال فيه على حد رأيه، فبالجهل المطعم بالحزن ألبسوا الإسلام لباس المهزلة و المسكنة ما تمكن الهوى، لقد أنتج الإفراط العاطفي من عادات وطقوس، حتى أصبحت عقيدة يعتقد بها ومنسوبة إلى دين الله تبارك وتعالى والمستقبل ينبئ عن الأسوأ.
اليوم استصعب على الكثير أن يفصل، أهذا العمل يعد دين يليق بمقام الله تعالى؟ أم يعتبره جهل أتى به الهوى؟ فيبدأ الصراع النفسي، إن ظن إنه جهل خاف أن يُؤثم، وإن أعتبره عقيدة، فكيف ينسب هذا إلى دين ومقام الله تعالى؟!
سلام الله على أمير المؤمين إذ يقول:
(إنَّ المُؤْمِنَ لَمْ يَأْخُذْ دِينَهُ عَنْ رَأْيِهِ، وَلَكِنْ أَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ فَأَخَذَهُ)
نداء إلى كل مرجع أو وكيله و إلى كل من مُعلم في حوزة أو طالباً فيها، نداء إلى كل من يعتلي المنبر من خطيب أو رادود و غيره و إلى كل من يتناول مثقال ذرة عن دين الله تعالى، إياكم و الغفلة، أذكركم و نفسي أن لا نغفل عن استحضار مقام الله تعالى إلى وجداننا حين نتعامل مع دينه، فربما يأخذنا الهوى في أعمالنا و نحن نحسب إننا نحسن صنعاً.
قال جل جلاله
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف
أيها المؤمنون لنتذكر دائما إن الله تبارك و تعالى (مُشرع) ومحمد صلى الله عليه وآله سلم (مُبلغ) وأهل بيته عليهم السلام (حاملين لهذا التبليغ) على امتداد الزمن، هذه قاعدة يجب أن يفتح المُكلَف عليها عين اعتقاده.
ولبالغ أهمية مقام الله تعالى و تفرده جل جلاله في تشريعه لدينه، فإنه يقول في كتابه الحكيم قاصداً خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، هذا وهو أفضل وأحب خلقه إليه فيقول جل جلاله:
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)الحاقة
استحضر مقام الله تعالى أولاً عند قرأتك(تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) و أدرك إن هذا الدين تشريع من رب العالمين و إن محمد صلى الله عليه و آله رغم مكانته عند خالقه لا يتجرأ بقول شيء في دين الله تعالى من نفسه، وحاشاه ذلك صلى الله عليه وآله.
يا أصحاب الألباب هل خصه الله تعالى خطيب المنبر أن يشرع في دينه دون محمد صلى الله عليه وآله و سلم؟
لماذا و إلى متى سيبقى مستمعين المنبر يسلمون بالتصديق على كل ما يتلقونه من الخطيب؟
أم قداسة الخطيب لها دور في ذلك؟
لماذا عبر تاريخ المنير في الوسط الشيعي لم تكن هناك آلية و رقابة على من يعتلي هذا المنبر من خطباء و رواديد و غيرهم؟
الخطيب و غيره، ممن يلفظ حرف في دين الله تعالى أين هم عن قول الله جل جلاله:
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) 18 ق
إني في هذه الكتابة لا أجرد المنبر من أهميته و دوره الرسالي، فهو ناقل التراث و الثقافة والتعليم عبر الزمن،ويكفيه إنه مركز التجمع و الترابط والحديث عن محاسنه يطول، لكني أشير إلي سوء التعامل معه كمنبر يحمل قدسية خاصة مما يجعل المتلقي(المستمع)يرى كل مايصدر من هذه القداسة صحيح وعلى ضوء ذلك يتهجه.
يقول الإمام علي عليه السلام:
(ومَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ)
(إِنَّ كَلامَ الْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وإِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً)
(الْكَلامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ ووَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وجَلَبَتْ نِقْمَةً)
كما إني لا أطلب من الخطيب أن يكون معصوماً، لكن ليتذكر هذه القاعدة: إن مقام الله تعالى والهوى لن يجتمعا على خط واحد، وعليه فإن اللفظ و الفعل في دين الله تعلى، إما هو دين يليق بمقام الله تعالى و إما إنه الهوى لا محال، و قد حصن الله دينه وعصم المبلغين عليهم السلام عن الهوى.
قال جل جلاله:
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)النجم
إن أهل البيت عليهم السلام لهم أريحية وخلق عظيم في ترسيخ دين الله تعالى لدى البشرية,سواء من حيث اللفظ أو الفعل,و هم أحرص أن يتعلم الإنسان هذا الدين و يتعامل معه بهذه الأريحية و هذه الأخلاق.
(أهل البيت عليهم السلام قتلوا الجهل فلا بالجهل نقتلهم)
الكتابة القادمة إنشاء الله أنتناول فيها موضوع الألفاظ و الأفعال بإشباع قدر المستطاع.
في الختام أتمنى أن تظهر علينا نعمة تربية أمير المؤمنين عليه السلام .
إنشاء الله يتبع فيما بعد....
|