حياة هي كفاح ورحلة طويلة نحو الحرية ،بدأت في منطقة ترانسكاي في جنوب إفريقيا حيث فتح مانديلا عينيه على أسوا حالة استعمار وتمييز عنصري واضطهاد عرقي اذ يسلب أبناء جلدته الحريات والكرامة على أيدي جلادين قدموا من وراء البحار توهموا ان البشة البيضاء تسوغ إنكار إنسانية الإفريقي واستعباده 0سنوات سجنه الطويلة كانت بدايتها في عام 1916 بعد مذبحة شاربفيل التي سقط فيها عدد كبير من الأفارقة وحظر نشاطات حزب \"المؤتمر الوطني الإفريقي \" الفصيل السياسي المعارض للتمييز العنصري الذي انتمى اليه مانديلا وهو يتابع دروسه الجامعية قاد فيه مع بداية الخمسينيات ماعرف بحملة التحدي التي حض الأفارقة فيها على مقاومة قوانين الفصل العنصري خطيبا ومنظما للتظاهرات والاحتجاجات فصدر ضده حكم بالسجن مع عدم التنفيذ ومنعه من مغادرة جوهانسبورغ لمدة ستة أشهر وعاد للسجن مرة أخرى بعد عودته من الجزائر التي رتب فيها دورات تدريبية للجناح العسكري في الحزب بعد ان حكم عليه بالسجن خمس سنوا تلم تلبث ان تحولت إلى حكم بالمؤبد بعد المحاكمات رينونيا التي أدين فيها بتهمة القيام بأعمال التخريب0ولم تزده السنوات ال27 التي قضاها في زنزانة في سجن جزيرة روبين ايلاند إلا إصرارا لا حدود له بمازجه طول نفس وهدوء وإيمان بالوصول إلى الأهداف ليصبح أسطورة تمتد جذورها عميقا في ارض إفريقيا وتستمد نسغها من نضال شعبه ومعاناته أسطورة تجاوزت حدود بلاده لتجعل منه رمزا إفريقيا بل إنسانيا 0وما يثير في شخصية مانديلا الشخصية الشامخة تلك الروح العالية المليئة بالأمل التي لا تحطمها الصعاب ولا ينال منها القهر فهو ليس مثالا للنضال من اجل الإنسان والحرية بل هو مثال للحب والتضحية000
\"أن يكون الإنسان عاشقا فهذه تجربة رائعة يجب ان يختبرها الجميع لأنها تضفي مزيدا من الإرادة والتصميم على تحقيق الأهداف والمبادئ الكبرى\"
انه الثار الصلب الذي رفض المساومة في أصعب اللحظات وأقساها ولم يقبل عرضا بالخروج من السجن مقابل اعترافه بنظام البانتويتانات التي يعزا فيها السود قائلا \"انه عرض لا يقبله إلا خارج او مرتد \"نجح في خروجه من سجنه منتصرا بعد ان سجل اسمه في كأشهر معتقل سياسي في العالم لكن انتصاره ووصول نظام التمييز العنصري إلى الجدار المسدود لم تجعل الثائر المخضرم يغفل عن حقائق الواقع فزمن التغيير الثوري لم يعد قائما والرومانسية الثورية تكسر كثير من أحلامها فبدا يقود مسيرة التغيير في بلاده التي أصبح رئيسا لها بخطوات وئيدة وتمكن من سحب فتيل توترات كانت توشك على الاشتعال فبدد بجو الملبد بين حزبه وأعضاء حركة أنكاثا امتص ردة فعل المتطرفين البيض الذين هددوا بالانفصال ودقوا طبول الحرب 0ويثبت مانديلا مرة أخرى قامته الباسقة بشموخ ورغم كبر شعبيته ورسوخ مكانته بان ينسحب من السلطة ويغادر كرسي الرئاسة معلنا \"أنا خادم متواضع لكل المظلومين والمقهورين في العالم \"وبعد لحظات من إطلاق سراحه تفوه بعبارات لامست القلوب \"يجب ان يتساوى الجميع ويجب الا نشهد ظلم إنسان لإنسان داخل إفريقيا او خارجها \"استمر وفيا لمبادئه وتؤكد مواقفه من قضية فلسطين وليبيا وسورية والعراق تلك المبدئية التي كانت وراء استنكاره لعولمة تسحق الفقراء ووراء موقفه المشهود من الرئيس الأمريكي بوش الأب الذي كان يتحرك لتأييد حربه العدوانية على العراق0
أخيرا نحن نحتاج لثوار حكماء أمثال نيلسون مانديلا تفتخر به البشرية جمعاء باختلاف أعراقهم وألوانهم وأجناسهم نحن بحاجة لوحدة إنسانية لخلفية ثقافية نستمد منها معنى لحياتنا وبالتالي فان تذويب أي ثقافة خاصة هو تذويب للقيم التي تقوم عليها إنسانيته وتدمير لها وعندما يتداخل الدين مع الثقافة أي عندما يكون الدين مكونا بامتياز او المكون الأساس للثقافة يأخذ الدفاع عن الخصوصية الثقافية بعدا مقدسا على النحو الذي نشهده اليوم في مواقع متعددة من العالم في الثقافة الإسلامية ان الله خلق الناس مختلفين اثنيا واجتماعيا وثقافيا ولغويا ولكنهم في الأساس امة واحدة واختلافاتهم على تعددها لا تلغي الوحدة الإنسانية وتقوم هذه الوحدة على الاختلاف وليس على التماثل او التطابق ذلك الاختلاف أية من آيات عظمة الله ومظهر من مظاهر روعه إبداعه في الخلق وبالتالي فان الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية فهو اختلاف في إطار الأمة الإنسانية الواحدة يحتم احترام الأخر كما هو وعلى الصورة التي خلق عليها
|