الاهوار فنيسا العراق ، البحيرة الكلدانية الخالدة في جنوب العراق تعبق بميثلوجيا الطبيعة والانسان . ورغم الكم الهائل من الدراسات الطبوغرافية والاركولوجية لازال هناك الكثير من الاسرار والاثار مدفونة تحت هذا الخزان الهائل وهذه البطائح المترامية المليئة بالخير والعطاء والرجولة والاساطير على مر التاريخ ، منذ فجر الحضارات القديمة { سومر وبابل } ليومنا هذا . لقد بقيت منطقة الاهوار التي تشترك بها مناطق {العمارة - الناصرية – البصرة} عصية على كل الاحتلات وحكام الاستبداد والطغاة الذين حاولوا ان ينالوا من جمال طبيعتها وفطرتها والنيل من سكانها الراسخين فيها منذ الاف السنين والشواهد والوقائع التاريخية جلية وواضحة وتحتاج الى فرق من الباحثين والمتخصصين ، والذاكرة الشعبية لابناء الجنوب تحفظها عن ظهر قلب عبر الاجيال
لقد التصق اهل الاهوار وانغرسوا في اعماق اعماقها لم تستطع كل محاولات النظام السابق في تجفيفها او حرقها بفضل رجالاتها الامناء الذين نذروا كل شيء من اجل حراستها وبقيت طاهرة وطهرها من طهر اهلها الصافي مثل حليب دوابهم وخبز تنانيرهم ومواقد دلالهم المتوهجة وغناءهم العذب الممزوج بهديل القصب والطيور المهاجرة التي تشد لها الرحال من الجهات الاربعة في كل المواسم
لقد بقيت هذه الاهوار او البحيرة الكلدانية الخالدة هبة مقدسة لاهل الجنوب منذ الازل بحيرة معطاء مثل رجالاتها ومجاهديها الذين كانوا حراس اوفياء ومؤمنين لاينحنون الا لله الواحد الاحد عبر اجيال واجيال . فكانت دماءهم قربانا لمناطقهم وقراهم بعيدا عن استبداد الانظمة المتعاقبة والحكومات الظالمة التي تربصت بهم من اجل اخضاعهم واستعبادهم لكنها بقيت عصية ابدا على كل من اراد ان يدنسها او ينال من كرامة وعزة اهلها
وللاسف ان في ظل ماحدث بعد سقوط النظام لم يسلط الضوء على هؤلاء الرجال المجاهدين الاشداء ولم تفي حقهم اشارة اوقفة عابرة لانهم شكلوا علامة فارقة ونقطة تحول في تاريخ النضال والجهاد ضد دكتاتورية قاسية لم تتردد باستخدام ابشع اساليب القتل والتهجير وصلت لحد الاسلحة المحرمة وتجفيف الاف الكليومترات من مسطحات الاهوار الخالدة وارتكب نظام البعث الفاشي كل انواع الجرائم وحاولوا تغيير الجغرافيا واليدموغرافيا وارتكاب جرائم ضد الانسانية ومع كل ذلك بقيت الاهوار علامة فارقة ومحطة لايمكن تجاوزها في نضال الشعب العراقي
كل هذا حدث بفضل نضال وجهاد اهل الاهوار وصلابتهم وهناك رجال شكلوا مدارس في التضحية والثبات وكان السيد جبار الموسوي احدهم ، علم من اعلام الجهاد ضد الطاغية فاطلق عليه ابناء الناصرية { مركز تدريب المجاهدين} او { مصنع المجاهدين الاحرار }
سيد جبارالموسوي سرق الجهاد ومحاربة الاستبداد ربيع شبابه فبعد ان اكمل الدراسة وتخرج معلما بدا النظام العفلقي مطاردته مثله مثل كل احرار العراق فلم يعرف اللهو واللذات والنوم الهنيء وقضى جل شبابه بين القصب والبردي ، سبر هذه المناطق النائية بقلق المحارب وعاش لحظات زمن التوجس من الكمائن والوشاية فحفظ هذا العالم المائي المترامي مثل محيط وخبره شبرا شبرا فكان الدليل والقائد الذي يمنح الاخرين العزيمة والامان والطمأنينة والثبات والمناورة . لكل من التحق وتحصن خلف متاريس القصب والبردي من مختلف المشارب والاتجاهات السياسية دون تمييز يظللهم سقف الحرية والخلاص من الاستبداد والظلم
سيد جبار الموسوي استبدل كل ملذات الدنيا الرخيصة والعيش الرغيد بالسهر ومناجاة لله عز وجل ومحاكاة النجوم وتحمل البعوض والضواري والوحدة واختار منفى مختلف مع رفاقه يؤمن لهم المواجهه من اجل مقارعة واسقاط الديكتاتورية وتحرير الشعب العراقي من قبضته الذي ادخل البلاد والعباد في حروب لا ناقة ولاجمل لهم فيها وسبب للشعب العراقي ابشع حصار في تاريخ البشرية وفتح الحدود لاحتلال وخراب مدمر لم يصمد جرائه حجر على حجر ولن يبقي ولن يذر .
وبعد احتلال بغداد وسقوط الصنم {عام 2003 } عاد الرجل مع رفاق الجهاد الى مدينته الناصرية التي عرفها وعرفته ووجدوا انفسهم في معترك جديد لايقل ضراوة عن مقارعة النظام الظالم الا وهو معترك بناء عراق مابعد الطاغية وقد شاع به الخراب وتسللت اليه ضباع الارهاب والتكفيريين وارهاط الانتهازيين من تجار السياسة وحكام الصدفة فكانت وقفة مجاهدي الاهوار لهم بالمرصاد في اعاقة احلامهم المريضة التي تتربص بمقدرات العراق واليوم يساهم سيد جبار الموسوي ورفاقه في كل الفعاليات السياسية ودورهم في منظمات المجتمع المدني والبناء بات حقيقة ترسمها صورة الواقع الجديد في العراق ويعرفها القاصي والداني
ولكن هل حقا نستطيع ان ننصف هذا الفصيل المجاهد من ابناء الجنوب والمرجعية بمقال اوبضعة سطور وهل انصفهم الزمان وان كان لسان حالهم وايمانهم يقول
{ فاما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض . كذلك يضرب الله الامثال } سيد جبار ورفاقه فتية وشيوخ احبوا الله والناس فذابت ارواحهم في عشق الهي فاحييوا ليلهم ليصلوا في محراب رحمته ويمضون نهارهم من اجل خدمة ابناء الوطن والمظلومين .
حاولنا محاورة السيد جبار الموسوي واخرين لفتح هذا الملف الطويل العريض لكن ظروف ( الانتخابات للمجالس البلدية 2013) حالت دون ذلك . والواقع مع مجاهدي الاهوار اغرب من الخيال لما سطره هؤلاء الرجال من بطولات وصولات وجولات سنحلق في افاقها مستقبلا وسنسلط الضوء على دورهم في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والعملية السياسية بعد 2003 وانجازاتهم التي نادرا ما يتناولها الاعلام لاسباب نترفع عن ذكرها في الوقت الراهن .
لقاءنا يتجدد .
عباس داخل حسن
مركز التنور الثقافي
|