خرجت في صباح بغدادي مشمس دافئ.. لأتمشى في شارع أبي نؤاس فتعجّبت مما وقعت عليه عيناي.. رأيت رصيف يلمع من شدة النظافة وشارع سلس البلاط بقيره الناعم بلا (طسات) وحدائق نظرة تفوح من أزهاره عطرا زكيا وزقزقة عصافير تملأ المكان.. فكان المنظر فعلا.. يسر الناظرين..
انتقلت بعدها إلى شارع طالما سجلت فيه ذكريات الشباب عندما كنت أذهب إليه برفقة الأصدقاء لشراء ألبسة أنيقة من محلات (إلياس حسو).. واحتساء القهوة من مقهى الرشيد.. ومرورنا بـ(أورزدي باك).. فأذهلتني نظافة شارع الرشيد واتساع الأرصفة للمشاة بعد اختفاء (البسطيات) المبعثرة هنا وهناك..
ولم يغب عن بالي الذهاب إلى مكان تملأ أجواءه رائحة الورق القديم وعبق أحبار الطباعة وعناوين الكتب المتنوعة بألوان أغلفتها الجميلة.. فسررت بنظافة شارع المتنبي وانتظام سير الناس فيه.. فلم تضايقني عربات حمل البضائع وعبارات (بالَك عيني.. بالَك أخوية).. فوجدت نفسي عند مطعم كبة السراي فولجت فيه لأتناول وجبة لذيذة مع أشخاص ألفت وجوههم.. منهم المثقف والخطاط والرسام.. وكل واحد منهم قد تبضع ما يحتاجه من مطبوعات وقصب الخط العربي وفرش رسم وألوان زيتية..
فساورتني رغبة للذهاب إلى ساحة الميدان.. تلك الساحة التي تشرف على سوق الهرج ومحلات الأنتيكات والمواد المستهلكة القديمة كالطوابع والمسكوكات والعملات الورقية.. ما أجملها ما أنظفها.. هل هذه ساحة الميدان؟!!
وقفت مندهشا للنظافة المفاجئة التي شملت شارع الرشيد بطوله وواجهات محلاته و(دكاكينه) وعماراته على الجانبين.. خالية من الملصقات والدعايات الانتخابية والإعلانات الترويجية..
فرحت جدا لأناقة الأرصفة التي اصطبغت حوافها باللونين الأسود والأصفر المتعاقبين..
أسعدني انتشار نباتات الزينة وانتهاء مشروع التشجير الذي أعاد للشوارع حياتها ورونقها..
وفي اللحظة التي أردت أن أنطق بقولي: (بارك الله بأمانة بغداد ومجلس محافظتها لأنهم أعادوا لبغداد وجهها الحضاري وأنعشوا فيها الحياة)..
استيقظت فزعا على صوت انفجار مدوّ.. فتيقنت أني كنت أحلم بعد أن غططت في نوم عميق.. فرأيت غطائي قد سقط عني.. عندئذ فقط.. عرفت لماذا يقال لمن يحلم أحلاما غريبة: (تغطى زين من تنام).. |