عندما نتأمل الصورة التي ظهر فيها الشيخ(عبد المنعم البدراني ) في خطبة صلاة الجمعة ليوم 22/2/2013،وهو محاط بجمع كبير من رجال الدين في الرمادي لا يخالجنا الشك أبداً في أن هذه الخطبة إنما تم الاتفاق عليها بين هؤلاء الشيوخ وبين الخطيب وبينهم وبين من يدعي القيمومة على (التظاهرات) من شخصيات أخرى ،والصورة تدل على هذا المعنى ،فقد أحاط هؤلاء الشيوخ بالخطيب إحاطة السوار بالمعصم،مع أنهم لا يجهلون شروط خطبة الجمعة في أن يجلس المأموم جلسة الصلاة وهو يستمع للخطيب ،لكن الرغبة لدى هؤلاء في تسجيل الموقف الذي قدمه البدراني جعلتهم يتخطون هذا الشرط الفقهي ،والموقف القائل والداعي لأخذ حق أهل السنة من حكومة الاحتلال الإيراني كما ادعى .هذا من ناحية الحضور في الصلاة .أما من ناحية الموقف من خارج المكان ،فأسجل الآتي ،عجز الحكومة على اتخاذ موقف سريع وفعال تجاه ما صدر ،وهو شديد الخطورة كما سيتبين ،وأقول عجز وليس ضعف ،ولعدة أسباب تكمن في قضية واحدة هي ارتباط حركة الحكومة خارجيا وليس داخليا ،كما أن ارتباط الحركة في المناطق الغربية ليس داخليا ،وإنما خارجيا أيضا مرتبطة بما يدور في الإقليم المحيط بالعراق ،والمرتبط أيضا برباط وثيق بالمنظومة الغربية المتحكمة بمصائر العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ،التي وجدت في الفكر الذي يتحكم بقادة التغيرات الجارية في المنطقة خير من يحقق لها منطلقاتها في تدمير المنظومة الإسلامية الحقيقية والتي نظر لها صموئيل هنغنتون في كتابه (صدام الحضارات) هي الخصم الرئيسي في حقبة ما بعد الحرب الباردة ،فالولايات المتحدة الأمريكية هي المؤسس الحقيقي لفكر القاعدة بعد احتلال السوفيت لأفغانسان أواخر 1979 .وأسجل موافقة الوقف السني على هذا الموقف والخطاب لحد هذه الساعة ،كما أسجل موافقة كل من الشيخ عبد الملك السعدي ،وأحمد الكبيسي وإن لم يصرحا بالموافقة لكن السكوت عمّا صدر أبلغ من الموافقة الصريحة ،إذ لم يصدر عنهما ولحد هذه الساعة .وأسجل سكوت زعيم القائمة العراقية عن هذا الموقف الخطير ،وهنا يجب أن نناقش هذا الموقف من قبل الدكتور إياد علاوي الذي تحالف في كيان سياسي باسم (العراقية) شارك فيه بانتخابات الدورة الحالية لمجلس النواب العراقي مع سياسيين ينتمون في الأصل إلى تيار إسلامي سني (الحزب الإسلامي) وهو بمثابة فرع للاخوان المسلمين في العراق ،وهنا نطرح سؤالا مفاده ،هل أن تحالفه مع تيار إسلامي يمنعه من أن يصرح (لهذه الساعة) ضد خطاب أقل ما يقال عنه تكفير لمكون يمثل الأغلبية في سكان العراق ،علما أنه ينتمي لهذا المكون ذي الأغلبية السكانية ،وأعني به المكون الشيعي ،وللإجابة على ذلك أن إياد علاوي ينتمي إلى فكر يدعا (الفكر القومي) الذي على الرغم من ادعائه العلمانية إلا أنه ينهج النهج الطائفي بأوضح صوره ،وقد ورث آبائه الأوائل وهم في أغلبهم من الضباط الشريفيين الذين جاؤوا مع الملك فيصل الأول وقد كانوا قد خدموا في الجيش التركي وأكثرهم ينحدرون من أصول تركية ،ونعلم أن الدولة العثمانية مارست النهج الطائفي على مدى وجودها على الساحة الدولية ومنها الساحة العراقية ،وهؤلاء الضباط عندما انقلبوا على أسيادهم الترك ومنحوا ولائهم للسادة الجدد وهم الإنكليز وقد وجد هؤلاء الضباط الأسياد الجدد أنهم ينظرون إلى المكون الشيعي ،نظرة لا تقل عن نظرة العثمانيين ،وذلك بسبب أن الشيعة هم أول وأكبر مناهض ومجابه للغزو البريطاني للعراق في عام 1915وكذلك قيادتهم لثورة العشرين ،ولذلك تؤكد المس بيل التي ذكرنا أنها قررت أن لا يسلم الحكم في العراق إلا للسنة ،وكما ذكرنا ذلك في مقالنا بعنوان "حقائق تاريخية يجب أن تذكر" إذ ذكرت المس بيل في كتابها فصول من تاريخ العراق ص87إذ تذكر"وقد أدخل تسرب الدم الإيراني إلى البلاد ميولا فكرية فارسية في ممتلكات الساسانيين السابقة ،لتغذي الباطنية البعيدة عن الفكر السامي ،التي تستند عليها العقائد الشيعية ،كما جاءت مستوطنات الإيرانيين الدينية للمتوطنين في المدن المقدسة معها بروحية التمرد والجموح السياسي التي كانت تثير الإيراني الاعتيادي على الدوام وتدفعه إلى القيام في وجه السلطة الزمنية القائمة" ويتبين من كلام المس بيل أن روح الثورة والمقاومة التي أبداها أبناء الشيعة هو الذي رسخ هذا المفهوم لديها ،والتي ينقل عنها الدكتور عبد الله النفيسي في كتابه المهم دور الشيعة في العراق" " أما أنا شخصيا فأبتهج وأفرح أن أرى الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج .فأنهم من أصعب الناس مراسا وعنادا في البلاد"،وهنا يجب أن نضع خطا عريضا تحت مفردة ،الشيعة الأغراب ،والتي ستكون نظرية أو قل بديهية سياسية لها أنصارها ومروجوها والتي تقول إن الشيعة في العراق ما هم إلا أغراب ،ومثلها كان الحاكم البريطاني برسي كوكس أشار واستخدم الفكرة نفسها عندما عزم السيد محمد الصدر مع بعض الأشخاص تأسيس حزب باسم حزب النهضة يكون مقره في الكاظمية، أصبح موضع نقاش في مجلس وزراء عبد الرحمن النقيب ولما لم يُتفق بشأنه رفع الأمر إلى الحاكم الفعلي في العراق السير برسي كوكس وكما يذكر النفيسي"وكان كوكس يرى إن هناك دلائل تشير إلى إن الخط السياسي الذين أولئك ((الأفاضل)) يتبعونه هو إقامة تعاون وتحالف بين العراق وإيران ،وبواسطة إيران،والتعاون مع البولشفيك يتقلص النفوذ البريطاني"،والذي تحول إلى منهج في الحقبة البريطانية بعهديها الملكي والجمهوري ،وقد كان الملك فيصل قد اتخذ هذا المفهوم منهجا في عمله السياسي برز عندما دعا رجال الدين الشيعة إلى مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي والذي كان من واجباته التصديق على معاهدة 1922فكان أحد أبرز أعماله أنه وجه الصحافة المقربة منه أن تبرز بأن فكرة المقاطعة للانتخابات هي فكرة دخيلة تقف ضد القومية العربية ،وأن القائلين بالمقاطعة دخلاء لاحق لهم بالتدخل في أمور القوميين العرب ،علما أن أبرز هؤلاء المقاطعين هو الشيخ مهدي الخالصي الذي ينحدر من أصول عربية .كما أصدرت حكومة عبد المحسن السعدون بيانا وصفت الذين دعوا لمقاطعة الانتخابات بأنهم نفر من الدخلاء ،ووصفتهم بأن لا علاقة لهم بالقضية العراقية والذين لاتهمهم مصالح الشعب والبلاد الحقيقية باختلاقهم أقوالا زاعمين أنها مستنبطة من الشرائع الدينية .أن هذه المفاهيم هي نفسها التي سجلها عبد المنعم البدراني عندما دعا أمريكا وتركيا ومسعود البارزاني ولاسيما بلدان الخليج العربية والذي خاطبهم بأن لا تجعلوا كسر أهل العراق جسرا للوصول إليكم بعد أن وصف أهل الجنوب والوسط العراقي بأنهم العمود الفقري للأفعى الرقطاء التي رأسها في قم وطهران والذين جاؤوا بدين جديد غير الدين الإسلامي ،هنا اكتملت لنا صورة مثلث التحالف التاريخي وهم الإنكليز ،دعاة القومية العربية ،المتصدون للمشهد الديني السني ،وعليه أن خطاب عبد المنعم البدراني لم ينطق عن الهوى ،لو صحت العبارة ،بل هو منهج فكري وتراكم ثقافي عبر عنه الشيخ البدراني ، ومن نتائج هذا الخطاب هو مما سجلته وأنا أكتب هذه السطور أن أحد أعضاء قائمة إياد علاوي من كتلة الحل أعلن أن المهلة التي أعطيت لسياسيي العراقية في حل قضية التظاهرات أوشكت أن تنتهي ،ليوكل الأمر إلى ممثلي المقاومة الشعبية كما وصفها النائب محمد الكربولي.إذاً هي مقاومة شعبية ،ومنهم من بدأ يدعوها بالانتفاضة ،وهنا يجب أن أسجل سكوت وصمت الفعاليات الشيعية بكل أطيافها السياسية وكأنها خجلة من تسجيل موقفها ،أو وهو هذا القريب إلى الفهم أنها ترنوا وفي أغلبها إلى الخارج ماذا يصدر من مواقف هناك ،وأسجل هنا سكوت وصمت العشائر الجنوبية والفراتية والتي طعنت بأعز ما لديها وهو نسبها وأصلها العروبي ،كما طعنت في دينها لا بل أخرجت من دينها وتم تكفيرها وبشكل علني من خلال هذه الخطبة .
|