بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ{111}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ولو انه جل وعلا اجاب اقتراحاتهم في :
أ) ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ ) : هناك فرق بين كلمة ( نزلنا ) و ( انزلنا ) , ينبغي للمتأمل الالتفات لذلك .
ب) ( وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ) : كلموا الموتى , وذلك يقضي بأحيائهم ثم الكلام معهم .
ت) ( وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ) : ( قُبُلا) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( الجلالين / للسيوطي ) .
2- ( مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ ) : يتوقف الايمان على مشيئته عز وجل , وكذلك ضده ,
3- ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) : اكثر القوم يجهلون الحق .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{112}
تشير الاية الكريمة الى ان لكل نبي نوعين من الاعداء ( شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ) , وتذكر عملهم ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) , ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) ذلك الايحاء ( الوسوسة ) , ( فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) فدعهم واتركهم وما يختلقون من الكذب والزور .
وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ{113}
الاية الكريمة تأتي مكملة لموضوع سابقتها الكريمة وفيها ثلاثة محاور :
1- ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) : تصغي وتميل الى تلك الوسوسة قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة .
2- ( وَلِيَرْضَوْهُ ) : يحبوه ويقبلوا عليه .
3- ( وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) : يكتسبوا ما اكتسبوا من الذنوب والمعاصي , وكلما ازدادوا منها , تضاعف العذاب الذي ينتظرهم .
أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{114}
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة ( ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً ) " الجلالين / للسيوطي " و فيها ثلاثة محاور :
1- ( أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) : قل لهم ايها النبي الكريم , اغير الله جل وعلا اطلب حكما بيني وبينكم , وهو الذي انزل القران الكريم , مبينا فيه الحق والباطل .
2- ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ) : يكشف النص المبارك عما يضمره اهل الكتاب ويخفيه ، فهم يعلمون ان القران الكريم منزل من قبله عز وجل .
3- ( فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) : الشاكين , وهذا النص المبارك وان كان من سياقه انه موجه له (ص واله) , الا انه لا يعينه , فمن المستبعد والمستحيل ان يكون ( ص واله) من الشاكين به ، لذا نطرح ما يلي للتوضيح :
أ) ان يكون النص المبارك موجه لبعض المسلمين الذين انتابهم الشك , وتسلل الى قلوبهم الريب , بسبب ما يبثه القوم من تشكيك , فيكون موجها لهم بطريقة ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) .
ب) ان يكون النص المبارك موجها للمشركين والمشككين من اهل الكتاب كافة , بطريقة التقرير الحازم .
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{115}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف :
1- ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ) : بالأحكام والمواعيد ( الجلالين / للسيوطي ) ، وتمام هذه الكلمة في :
أ) ( صِدْقاً ) .
ب) ( وَعَدْلاً ) .
2- ( لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ) : بزيادة او نقصان او غير ذلك .
3- ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) : السميع لكل صوت , العليم بظواهر وبواطن الاشياء , ويلاحظ تقديم اسمه الشريف ( السميع ) على اسمه الشريف ( العليم ) ، السمع ثم العلم , في ذلك مباحث لدى ارباب الشأن ! .
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{116}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) : في كل زمان ومكان , يشكل اهل الضلال الاغلبية , ويشكل اهل الايمان الاقلية , وعند اتباع اراء الاغلبية , فليس فيها الا الضلال ! .
2- ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ) : الاغلبية الضالة يتبعون الظنون والاهواء , يتمسكون بها , وبها يقتدون .
3- ( وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) : لكن في واقع امرهم , انهم يكذبون , على انفسهم وعلى اتباعهم , بعلم وادراك , او بدونهما ! .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{117}
تشير الاية الكريمة , انه جل وعلا اعلم بمن ضل سبيل الرشاد , وهو عز وجل اعلم بالمهتدين , وفيها نلاحظ امرين غريبين :
1- الاية الكريمة قدمت ( مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ) على ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) , لا يخلو ذلك من حكمة ! .
2- انها اوردت ( مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ) مفرد , اما ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) جمع , في ذلك العديد من الاراء , نذكر منها لا على سبيل الحصر :
أ) الافراد للتحقير , والجمع للتعظيم .
ب) الجمع للموجود الحقيقي , وهو المؤمن ( المهتدي ) , والافراد للموجود الوهمي ( العدم ) , وهو الضال .
ت) المؤمن ( المهتدي ) الوارث الشرعي للارض , { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105 , اما الضال فلا ميراث لهم , فهم لاشيء , ومن ليس له شيء يفرد للتحقير والتصغير من شأنه ! .
فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ{118}
تتضمن الاية الكريمة اباحة الاكل مما ذكر اسم الله تعالى عليه , كالذبائح وغيرها مما يتطلب ذكره جل شأنه عنده .
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ{119}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) : ما الداعي ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله تعالى عليه , وقصد به وجهه جل وعلا , بعد ان بين جل شأنه موارد التحريم .
2- ( إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) : الاباحة عند الضرورة .
3- ( وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ) : كثير من الناس تتبع الاهواء والاعتقادات الشخصية , يستحسنوا اشياءا , ويستقبحوا اخرى , بغير علم , فيكون ذلك سببا لضلالتهم ! .
4- ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) : هو جل وعلا اعلم بمن تجاوز الحدود ( الحلال والحرام ) .
وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ{120}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين :
1- ( وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) : امر مباشر بترك ظاهر كل ما فيه ذنب في ما يعلن ويسر .
2- ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) : تهديد ووعيد .
وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{121}
تنهي الاية الكريمة عن الاكل مما لم يذكر اسمه تعالى عليه , او لم يقصد فيه وجهه عز وجل , لما فيه من خروج عن حكمه تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) , ثم تكشف الاية الكريمة عن امرا غيبيا ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) , الشياطين يوسوسون الى اتباعهم من الكفار , كي يجادلوكم في حلية اكل الميتة وغيرها من الامور المحرمة , ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) , وفي حالة اطاعتكم للكفار , واكلتم مما حرمه الله تعالى , اذا انتم معهم في الشرك سواء , اليوم نرى الكثير من المسلمين يطيعون الكفار , ويأكلون مما حرمه جل شأنه في ديارهم , تحت مسميات وعناوين خاصة , فيأكلون لحم الخنزير , ويشربون الخمور ! .
|