من المؤسفِ حقاً أنْ يكون الأستاذ مهدي بديرة (المولد بدمشق عام 1933) من الأسماء التي لم تنلِ استحقاقها من التكريم، والاحتفاء بمنجزها وعطائها العلمي والتربوي في مجال تأليف الكتب التعليمية و المنهجية ،التي تعنى بتعليم قواعد اللغة الإنجليزية وتدريسها، باستثناء ذكر بسيط له في معجم المؤلفين للقرن العشرين . وليس بغريب أنْ يكون الجحود والغفلة سبباً في عدم توقف أحدٍ من الكتَّاب المعنيين برصد هذا النشاط المهم أمامَ جهود الأستاذ بديرة في زمن نعيش فيه أزمةَ وفاءٍ كبرى ضَيَّع أصحابُها و يضيَّعون منجزاتٍ علميةً مهمة، وكثيرة .
لقد ارتكزتْ حياة مهدي بديرة العلمية إلى وعي بحيوية اللغة وفاعليتها بوصفها جسراً موصلاً بين الشعوب والأمم لتحقيق التثاقف والتواصل المعرفي. و"لم يعد تعلم اللغات من الأمور التي تتصل بالثقافة العامة للطالب أو مجرد مظهر حضاري يدرس لذاته , وإنما أصبح تعلمها أداةً لتحصيل المعارف، و وسيلةَ تخصص في جميع المعارف والعلوم، وأداة اتصال بالعالم الخارجي في عصر التقدم المعرفي" .
ومن هنا احتلتِ العنايةُ باللغات وتعلّمها أهميةً خاصةً بوصفها مؤشراً على تقدم المجتمعات ونموها العلمي ، واكتسب دورُ المدرس والكتاب التعليمي أهميةً كبيرةً جداً ، شخَّصها (هربيرت كوهل) في كتابه (عن فن التدريس: 91) حين عرَّفَ التدريس بأنَّه: "عملٌ شاق ؛ هو حرفة في جزء منه ، وفي جزء آخر أسلوب و طرائق ، و أساسيات، و يستغرق إنجازه واكتماله وقتاً ليس من اليسر والسهولة تحققه ببساطة".
اتسمتْ جهودُ الأستاذ بديرة في تعليم اللغة الإنجليزية بالتواصل و الغزارة والتنوع ، فقد مارس التعليم في عدة مؤسسات تعليمية وثقافية سورية، منذ حصوله على ليسانس في اللغة الانكليزية وآدابها، شهادة دورة تطويرية /يونسكو، و شهادة ترجمان محلف. وبلغت مدة سنوات تدريسه في المدارس الخاصة والعامة 33 سنة. من تلك المؤسسات : الثانوية المحسنية ، و ثانوية دمشق الوطنية، و مدرسة ابن هاني الأندلسي ، ومدارس أبناء الشهداء، و مدرسة خير الدين الزركلي ، وحوزة الإمام الخميني ، و حوزة الرسول الأعظم (ص) ، والمستشارية الايرانية ، ومركز البحوث العلمية بدمشق. وكان من ثمار هذا العطاء تلامذةٌ أصبح لكل واحد منهم شأنٌ في مجال تخصصه؛ علماء ومتخصصين وممارسين للعمل التربوي منهم: السيد عبد الله نظَّام وكيل المرجعية الدينية في سوريا، د. غسان خضر، المهندس أحمد روماني ، د. ماجد بديري ، والأستاذ عدنان عيسى .
ومن أهم مؤلفاته و أكثرها أهمية (موسوعة قواعد اللغة الانجليزية / في ثلاثة أجزاء، بواقع 1010 صفحة) ، صدرت عن مكتبة الرازي بدمشق سنة 1974 .
اختص الكتاب الأول بـ (مجموعة الاسم): تضمن القسم الأول منه فصولاً تناولتْ تعريف الاسم وانواعه ، والاسماء البسيطة والمركبة ، ومفرد الاسم و جمعه ، وتذكيره وتأنيثه ، وحالته من حيث الرفع والنصب والاضافة والتملك والنداء والمخاطبة ، وأدوات التعريف والتنكير وطرق تشكيل الاسماء ، ثم أشباه الجمل الاسمية . أما القسم الثاني فقد تضمن تعريف الضمير وأشخاصه ، وأنواع الضمائر . وتناول القسم الثالث : الصفة ، تعريفها وأنواعها ، وتوافقها ومواقعها ، ثم تشكيل الصفات ومفاضلتها .
واختص الكتاب الثاني بـ (مجموعة الفعل) واشتمل على قسمين؛ تناول المؤلف عبر فصول عديدة في القسم الأول (الرابع حسب الموسوعة) تعريف الفعل وبيان أنواعه، والأفعال المساعدة واستعمالاتها ، والأفعال العادية بنمطيها : النظامية والشاذة ، وأزمنة الفعل القواعدية واستعمالاتها ، وأسماء الفاعل وأسماء المفعول، والمبني للمجهول ، والكلام المنقول (غير المباشر) وطرق تشكيل الأفعال (الاشتقاق). أما القسم الثاني ( الخامس حسب الموسوعة) فتناول فيه المؤلفُ الظرفَ في فصولٍ منها : تعريف الظرف وأنواعه والظروف البسيطة والمركبة ، والأجزاء الظرفية والأفعال العبارية ، وموقع الظرف وغيرها من المواضيع .
وجاء الكتاب الثالث مختصاً بـ (مجموعة كلمات الوصل) فقد عرض فيه المؤلف ـ عبر أقسام الكتاب ـ حرفَ الجر تعريفه وعمله ، وانواعه البسيطة منها والمركبة والمعقدة ، ثم موقع حروف الجر واستعمالاتها الخاصة . وحرف العطف تعريفه وانواعه ، والتعجب والنداء. وجعل المؤلف في نهاية الكتاب الثالث ملحقاً تضمن أقساماً هي : القسم الأول: تناول فيه تحليل الجمل والاعراب ، والثاني : تناول قواعد الوقفات الكتابية (التنقيط) ، فيما عني القسم الثالث بتعريف علمي البيان والمعاني في البلاغة الانجليزية .
من جانب آخر ألَّفَ الأستاذ بديرة كتابين في قواعد الكتابة والتلفظ ، صدَرا عن مكتبة الرازي ذاتها بدمشق عام 1976. حملَ الكتابُ الأولُ عنوان : قواعد كتابة اللغة الانجليزية ، و تضمن عدة أقسام ؛ اعتنى القسم الأول ببيان قواعد عامة تتعلق بمضاعفة الحرف الأخير للكلمة ، ووصل الكلمات المركبة و فصلها ، تغير نهاية بعض الكلمات ، ثم بعض القواعد المتفرقة. أما القسم الثاني فاختص بالقواعد الخاصة بالأسماء والضمائر والصفات والأفعال وتتضمن : قواعد الكتابة الخاصة بالأسماء ، قواعد الكتابة الخاصة بالضمائر ، قواعد الكتابة الخاصة بالصفات ، قواعد الكتابة الخاصة بالأفعال الشاذة والنظامية. فيما عني القسم الثالث بقواعد التنقيط . والقسم الرابع بعرض الفروق الكتابية بين الطريقتين البريطانية والأمريكية ما يتعلق بالحروف الصائتة والساكنة . وخصص المؤلف القسم الخامس لبيان تشكيل بعض الصفات ومقارنتها وقواعد كتابة الظروف ومقارنتها، ثم يختم الكتاب بقاموس يحوي جميع الكلمات التي وردت في الكتاب.
وحمل الكتاب الثاني عنوان : قواعد لفظ اللغة الانجليزية ؛ وتضمن أقساماً عدة منها: القسم الأول اختص بقواعد لفظ الحروف الصائتة ، و عرض في القسم الثاني قواعد لفظ الحروف الساكنة، أما القسم الثالث فتناول بعض الفروقات اللفظية بين اللهجتين البريطانية والأمريكية، و منح المؤلف للجانب التطبيقي مجالاً فجاء القسم الرابع معنياً بذلك تحت عنوان: تمارين بالرموز اللفظية مع حلولها.
ولم يترك الأستاذ بديرة الجانب المهم في عملية دراسة اللغة الإنجليزية وتعلمها ، وهو مجال الترجمة منها وإليها ، بوصفِ الترجمة فناً لابدَّ لطالب تعلم الإنجليزية من إتقانه، فألَّفَ كتاباً في ذلك أسماه : قواعد الترجمة من الانجليزية وإليها ، صدر عن المكتبة ذاتها سنة 1975 ، واشتمل على نماذج مترجمة من الشعر؛ منها قصائد لشعراء إنجليز هم: كريستوفر مالو ، وولتر رالاي ، ت. س. إليوت . و نصوص لشعراء عرب هم : محمود درويش ، سالم جبران ، توفيق زياد ، سميح القاسم . وفي قسم آخر عُني المؤلفُ بترجمة معاني بعض النصوص القرآنية تطبيقياً ، ثم بعض النصوص الأدبية المختلفة ؛ ( قطعة نثرية من كتب التراث العربي ، قصة قصيرة ، مقاطع من مسرح شكسبير ، ترجمة أمثال و أقوال مأثورة ، ترجمة نصوص علمية ، ترجمة نصوص من الحديث الشريف)
من الواضح جداً أنَّ هذه الجهود العلمية المتميزة للأستاذ بديرة قد عنيت بالدرجة الأولى بتعلُّم طلاب اللغة الانجليزية ـ سواء أكانوا منتمين إلى مؤسسات تعليمية أو اعتمدوا برنامجاً خاصاً لتحقيق ذلك ـ ، واستكمال مؤهلاتهم التي اكتسبوها سابقاً لأجل إثرائها وإنمائها عبر منهجية علمية ، تسعى لتحقيق الفائدة القصوى من موضوعات الكتب ومحتوياتها . ولا شك في أن امتياز هذه الجهود قد جاء نتيجة خبرة أ. بديرة العلمية والتدريسية التي تُعدُّ "الحَكَمَ الفصل في وضع المنهج ، إذ ينبغي أن توضع مناهج اللغات على وفق حاجات المجتمع و حاجات الطلبة ، و أن تكون مناهج المادة مترابطة متماسكة خالية من الفواصل الجامدة بين فروع المواد الدراسية للغة , وأن تكون حيةً، مرنةً، وعرضةً للمراجعة و التعديل".
في ختام وقفة الوفاء والتكريم هذه ، لا أنسى أنْ أشيرَ إلى كتبٍ مخطوطةٍ أخرى للمؤلف تنتظرُ النور بعد هذه الحياة العلمية الطويلة، وهو يعيش محنة الغربة في لبنان، وأنْ أدعو المؤسسات التعليمية والمختصة بتدريس اللغة الإنجليزية وتعليمها إلى تبنِّي إعادة طبع هذه الكتب لفائدتها وأهميتها الكبيرتين. داعياً الله تعالى أنْ يمنَّ على الأستاذ مهدي بديرة بالعافية والعودة إلى وطنه ، لتجد هذه الكتب فرصتها وطريقها إلى القارئ . |