ما أن تسمع باسمه الخالد تتذكر مجداً وصرحاً إسلاميا فيه من السمو والرفعة وقلماً لاينضب سطر أمالا وأفكاراً بوقائع وإحداث تاريخية,رباطة جأشه وفراسته وكلماته تعزف للخير والأمل بمسامعنا , نوٌر فيها سبل المعرفة وأنتصر للحق مدافعا أمام شبهات أحاكها أعداء الدين والدنيا وهو في بداية الطريق , أزهر الفكر العربي وأغنى المكتب الإسلامية بمنار كتبه النقية الصافية وسعى دوما للتقارب والوحدة الإسلامية , وطاف البلدان من أجل ذلك وله صولات في الأزهر , ولم يتوقف ربيعه في أي محطة لم يخضع لتهديد ولم يكل بادحاض الباطل , ضلت أنفاسه وأنامله تقمع الفتن ويديه البيضاء تحمل المعرفة , أفنى حياته بالمطالعة والكتابة والبحث, كان غزير المعلومات وشديد الثقة يقظ الضمير سهل المعاشرة بسيط العيش, لا يخشى في الحق لومة لائم , يجري على لسانه الصدق مهما كلف ذلك عنده, ويردد باستمرار قوله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ), محمد جواد مغنية عملاق الفكر والبحث ولقب بقلم الشيعة ولد في قرية طيردبا قضاء صور وأسم مغنية هو لنهر ينبع من السفح الشرقي لجبل الشيخ ويجري باتجاه دمشق , هو القائل :أما النقد فلا أخشاه مادمت قادرا على الاعتراف بالحق والواقع ودحض الافتراء والباطل , في أحد أيام الجمعة تجولت في شارع المتنبي كعادتي وعيناي تدور نحو عناوين الكتب المفروشة أرضا ووقع بصري على كتاب عنوانه ( تجارب محمد جواد مغنية ) طبع في لبنان واشتريته وما أن وصلت الى مسكني سارعت لقراءته وأخذت صفحاته مني اشتياق التواصل ومتعة فكرية ومعلومات قيمة ومعزز بصور نادرة , وللأسف الشديد لم أجد كتب هذا العالم الجليل في سوق المتنبي منتشرة , مثلما أجد كتب السياسة وفن الطبخ والكتب الدينية والأدعية والصور والأقراص المدمجة , مع العلم أن كتبه كانت في عهد المقبور صدام لها حضورا متميزا رغم خطورة بيعها واقتنائها ,ولله الحمد قرأت أكثر كتبه واقتنيتها لما تحمله من تحليلات وعبارات مؤثرة صاغت بأسلوب واضح وسلس سريعة الولوج الى الأذهان وعصية النفاذ منه , و كان لهذا الكتاب أثرا كبيراً في الكتابة عنه لما يحمله من طيات وكلمات مؤثرة وتفاصيل حياته المؤلمة والحزينة , وبما أننا نكتب للمواقع الالكترونية وبعض الصحف يتطلب منا الاختصار وعدم الخوض بكافة التفاصيل, عاش الشيخ مغنية كما يقول يتيم الأبويين فهو لم تنطبق عليه نظرية فرويد حول ولادة الإنسان جنسيا ومعشوقته الأولى أمه ويغار عليها من أبيه , ويتمنى موته ليخلفه عليها من بعده , وحالة الفقر والعوز الشديد جعلته أن يذهب الى بيروت ويعمل بعدة مهن من اجل أن يأكل لا لغيره ولم يوفق بجميع الأعمال , ومن شدة فقره كان يتألم ويشمئز حينما تغيب الشمس ويقبل الليل في الشتاء , ويقول كنت أقيم في بيت أبي القديم اجلس على الأرض وأثني ساقي واضعا صدري على فخذي , وساعدي على رأسي أغطي جسدي بعضه ببعض حتى أصبح كالصرة المربوطة , عسى أن تخف وطأة البرد, وأصبت من ذلك بالروماتزم ولازمني لأكثر من 27 سنة ..., ومن أجمل أقواله التي تتردد في ذهني ولأتغيب عن ذاكرتي هي: ( خذو من ممركم لمقركم ) و ( البلد الخبيث بحكامه وقادته هو شر وبلاء على العلماء والأبرياء ونعمة ورخاء على الجهل والأدعياء , ويعتبر مغنية أن أسباب المعرفة ثلاث التجربة الحسية وهي المعنية بكلمة علم , العقل والمراد به كلمة هدى , والوحي المقصود الكتاب المنير , واهتم بدراسة تاريخ أهل البيت وألف بهذا المجال روائع الكتب أهمها الشيعة والحاكمون والذي احدث صدى واضحا بين فيه مساؤى خلفاء العصرين الأموي والعباسي وارتكابهم الجرائم بحق أئمة أهل البيت عليهم السلام وطبع لأكثر من مرة , وعناوين كثيرة في حقل التأليف , قيل انه كان يعمل في الليل والنهار بين 14 ــ 18 ساعة واستمر على ذلك طويلا, وتسلم القضاء وأصبح قاضيا للمحكمة الشرعية وسل سيف الحق والعدل في وجه الزعماء وارتقى الى رتبة رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية عام 1951 في لبنان ( ويعتبر أعلى مركز رسمي وديني ) , ثم بعد فترة من ممارسته للمهنة التي كلف بها وأحسن على أتم الوجه باتخاذه قرارات صائبة وجريئة لحل النزاعات والحكم بالحق والعدل أقصى من منصبه كرئيس للمحاكم الجعفرية لصلابة موقفه وعدم تنازله من اتخاذ اي قرار عادل, حتى بقى الى سن التقاعد دون أن يتدخل في شؤون المحكمة , واستقال من كافة المناصب ليتفرغ للتأليف والقراءة , لقد أفنى عمره بالمطالعة والكتابة وقراء ألاف الكتب والمجلات والصحف وكتب ستين مولفا بعضها بعددة مجلدات وطبع أكثر من اثنين وخمسين كتابا , اذكر منها فقه الأمام جعفر الصادق عليه السلام بست أجزاء وتفسير الكاشف عن القران الكريم وفي ظلال نهج البلاغة بثلاث أجزاء وكتاب الشيعة في الميزان وهذه الوهابية ...........الخ , محمد جواد مغنية وصل الى النجف الاشرف عن طريق رحلة لم يمتلك فيها جواز سفر في نهاية العشرينيات من القرن الماضي رافقته أحداث لايتسع الوقت لذكرها , فهو خريج مدرسة الأمام علي عليه السلام التي هي روضة العلم ودوحة الفكر ومصنع العلماء وتنافس الجهاد ورحل منها الى بلده لبنان عام 1936 ليستقر هنالك حتى وافته المنية لينتقل الى جوار ربه صانعا مجدا وعزا لايقهر واسما لايغيب عن اذهاننا دوما, توفي يوم 28/12/1979 والحديث يطول عنه ولأجل أن لانبخس عطائه الجليل الذي قدمه خدمة للإسلام والمسملين ورفع راية الله واكبر في مشارق ومغارب الأرض ليبقى اسمه عالقا في ثنايا قلوبنا دون استئذان ومن خلال كتابته فقد أبصر وأهدى الملايين ووهج طريق النور والمعرفة لهم , كافح من لاشيء ووصل الى الثرى بعقله وقلمه المبدع وهو القائل (( وأغلى أمنية على قلبي أن يفاجئني الآجل وأنا اكتب داعيا الى الله والحق والعدل ... بل أسمى الرغائب لدي ان ادخل الجنة لأقرأ واكتب خالي البال متحررا من الأشغال وهموم العيال فرحم الله محمد جواد مغنية يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ويحشره الله من أحبه وكتب عنه باستمرار بحق محمد واله الطيبين الطاهرين .
sadikganim@yahoo.com
|