لم يخطر ببال المواطن التونسي البسيط محمد البعزيزي ولا ببال غيره، أن يكون إشعاله للنار في جسده سبباً لإشعال ثورة جماهيرة في تونس أنهت معها فترة حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.. ما حدث في تونس لم يكن ليتصور لولا أنه حدث فعلاً، إذ كيف يُتصور أن تكون مصادرة عربة خضار لمواطن بسيط لم يجد عملاً آخر، هي السبب في إشعال ثورة تسببت في مصادرة وتغيير نظام حكم بأكمله استمر في الحكم لمدة ثلاثة وعشرون عاماً.
إن ما حدث في تونس حقاً أمر عجيب، ليس فقط في سبب اندلاع الثورة، بل حتى في كيفيتها، فالثورة التونسية تختلف عن غيرها من الثورات الأخرى، فهي ثورة شعبية جماهيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي شعبية في تحركاتها وامتداداتها على الأرض، وشعبية في قياداتها، فالقائد والمحرك والموجه للشعب التونسي في هذه الثورة هو الشعب ذاته، فطوال فترة الثورة والاحتجاجات لم تعرض خطابات لشخصيات أو لقيادات بارزة على أنها هي القيادات المحفزة والموجهة الفعلية لهذه الثورة، فلم تكن هناك قيادات أو أحزاب أو تكتلات –على الأقل ظاهراً- ينسب إليها قيادة الجماهير وتوجيههم، لأن الظاهر أن حركة الجماهير التونسية لم تكن تلبيةً لأوامر أو نداءات جهة معينة أو شخص معين، وهذا ما يميزها عن غيرها من الثورات الأخرى، ففي الثورات عادةً ما يُنسب ذلك –أي قيادة الثورة والتأثير على مسيرتها- لأحد القيادات أو الأحزاب أو التيارات، كما حدث في الثورة الإسلامية في إيران، إذ أنها تنسب للسيد الخميني رحمه الله، أما الثورة التونسية فإنها إن نسبت لشخص فهي تنسب لمواطن بسيط انتحر دون أن يكون في عزمه وتخطيطه حدوث ما حدث.
وهذا ما يعطينا درساً بالغ الأهمية، وهو أنه بالإمكان أن تقوم وتبدأ الجماهير بعمليات التغيير دون انتظار أوامر وتوجيهات أو حتى تحركات ما يسمى بالنخبة، بل ربما تقود الجماهير حتى النخب في عمليات التغيير كما حدث في تونس، إذ أن التحرك كان من الجماهير أولاً ومن ثم تحركت النخبة لدعم وتشجيع هذا التحرك الجماهيري.
وأقول التغيير هنا ولا أقصد به فقط التغيير السياسي، ولكن أريد به التغيير بمعناه الواسع والشامل، الذي يشمل التغيير الديني والإجتماعي والإقتصادي وغيره، فالبعض في مجتمعاتنا يتقاعس عن القيام بمسؤولياته تجاه ما يجري من أحداث –دينية أو اجتماعية أو اقتصادية- بحجة أنه إنسان بسيط لا يستطيع عمل شيء تجاهها، ولهذا نجده ينتظر الأوامر والتوجيهات أو التحركات من القيادات الكبيرة التي لها وزنها والتي يحسب لها حساب كما يقول بعضهم.
ولا شك بأن للقيادات دور كبير في قيادة عمليات التغيير، ولكن ينبغي أن يكون في أذهاننا بأن لكل فرد منا دوره وتأثيره أيضاًٍ، فعلى الكل أن يحمل هم التغيير نحو الأفضل في كل شيء، وأن لا يستسلم ويرضى بما هو كائن، لأنه عادةً ما يكون في الإمكان أفضل مما كان، وفي الإمكان أيضاً أن يكون أفضل مما هو كائن الآن، ولكن بشرط أن نسعى لذلك. |