• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح85 سورة الانعام .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح85 سورة الانعام

بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{54}
لعل ابرز ما يجذب انتباه المتامل في الاية الكريمة امرين هما : 
1- (  وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) : وفيه ثلاث مسائل : 
أ‌) وافدين من ذوي الايمان , يفدون على الرسول الكريم محمد (ص واله) , يلقون عليه السلام , فيأمره النص المبارك برد السلام , اكراما لهم .  
ب‌) يأمر النص المبارك الرسول الكريم (ص واله) على نحو التوجيه , بما يكون عندها (ص واله) هو السباق لإلقاء التحية , وبعبارة اخرى , انه (ص واله) لم يكن جالسا في مكان , ينتظر قدوم الوافدين , والقاء التحية , بل ان ما عرف من سيرته (ص واله) انه كان السباق والمبادر الاول لإلقاء التحية ولو على الاطفال . 
ت‌) (  فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) خاص منه عز وجل الى فئة خاصة , وفدوا على الرسول (ص واله) في ذلك الموقف , وكانوا على قدر كبير من الايمان , عندها يكون ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) منه عز وجل اكراما لهم على نحو الخصوص , كان ذلك في زمانه (ص واله) , اما اليوم فقد رحل الرسول الكريم (ص واله) , فهل تعمم  ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) على جميع المؤمنين في كل عصر ومصر ؟ , للجواب عدة نواح نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : 
ت1- ان كل من اتى الله بقلب سليم , ويقين صادق , وايمان واقع , واخلاص واع , يكون مشمولا بــ ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) في كل زمان ومكان . 
ت2- لا تخلو الارض من حجة , وكل من عرف وادرك حجة الله تعالى , فأتاها بقلب سليم , سيكون عندها مندرجا ومشمولا بــ ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) وسياق الاية الكريمة , مقتضى القاعدة ( ان الله عادل ) , وقد حضي المسلمون الأوائل بلقاء الرسول الكريم (ص واله) وجها لوجه , يكلمهم ويكلمونه , فنالوا بذلك المناقب والدرجات الرفيعة , اما المسلمون المتأخرين فقد فاتهم ذلك , وفاتتهم فرصة لقاءه (ص واله) , عندها يكون من مقتضى عدله عز وجل ان يترك الفرصة مفتوحة للمسلمين المتأخرين , ولا يكون ذلك , الا بحجة لله تعالى تـنوب عنه (ص واله) ! .              
2- قوله عز وجل (  كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) , تحننا وتفضلا منه جل وعلا على عباده المؤمنين , مهما بلغ العبد من الايمان , ودرجات اليقين , لابد ان يكون قد اقترف شيئا من الذنوب , وجنى حصادها , عالما كان او جاهلا بها , ساهيا او غافلا , يبقي الله جل وعلا باب التوبة مفتوحا في كل الاحوال , لكن بشرطين : 
أ‌) (  أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ ) : تشخيص الذنوب والمعاصي , ما ظهر منها وما بطن , معرفتها وادراكها , والوقوف عليها , ثم تركها واجتنابها , والعزم على عدم الركون اليها , والرجوع والانابة الى حضرة الايمان , والعودة الى الله الغفور الرحيم , وذلك لان الذنب يبعد العبد عن ربه ! . 
ب‌) (  وَأَصْلَحَ ) : الفقرة ( أ ) اولا , الا انها لا تكفي , بل ينبغي بعدها الصلاح والاصلاح , صلاح السر والعلن , القول والفعل , الحركة والسكون , ومن ثم اصلاح التوبة نفسها بما يوجب ويلزم اتمامها , عندها (  فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ! .
           
وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ{55}
تسلط الاية الكريمة الضوء على سبيلين : 
1) (  وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ ) : توضح وتبين اياته عز وجل سبيل الهدى , وطريق الحق , وسفينة النجاة , ومنهاج الرقي , المتمثل بالرسل والانبياء , وخاتمهم محمد (ص واله) , وهذا السبيل يسمو ويرتفع بالانسان , ليضعه في مصاف ومراتب الملائكة واعلى .
2) (  وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) : السبيل المعاكس , والطريق المغاير والمتقاطع , وسفينة الهلاك , ومنهج التسافل , ويتمثل بالمجرمين , وكل من وقف ضد خط الرسل والانبياء , وتربص بهم الدوائر , ونصب لهم الكمائن , وهو سبيل يتسافل بالانسان الى مراتب الحيوانات واقل , واقل من مراتب الشياطين ! .        
بعد هذا البيان , يترك للانسان حرية الاختيار , {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }البلد10 , ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً{3} الدهر (الانسان)
 
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ{56}
بعد ان بينت الاية الكريمة السابقة سبيلين , ينبغي للانسان العاقل اختيار احدهما ( الافضل ) , وبما ان الرسول الكريم (ص واله) القدوة الاولى للمسلمين , تأمره الاية الكريمة ان يصرح بمنطوقها , الذي تضمن نكتتين ينبغي التأمل فيهما : 
1) (  قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ ) : ويقابلها (  قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ) , عبادة غير الله تعالى ضلالة , وتيه وبعد عن الصراط المستقيم , والطريق القويم . 
2) (  قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ ) : ويقابلها (  وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) , اتباع منهج الكافرين ( المجرمين ) لا يزيد سالكيه الا بعدا عن منهج الهدى , و مسلك الحق والحقيقة .    
 
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ{57}
توجه الاية الكريمة كلامها للرسول الكريم محمد (ص واله) , ليوضح ويبين عدة امور للكافرين : 
1) (  قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ) : أي ان الرسول الكريم (ص واله) على بصيرة تامة في سنن الله تعالى وشرائعه . 
2) (  وَكَذَّبْتُم بِهِ ) : لكنكم ايها الكافرون كذبتم وكفرتم بكل ما جئتكم به من عنده جل وعلا . 
3) (  مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ) : وذلك قد يكون في امرين : 
أ‌) استعجال الثواب . 
ب‌) استعجال وقوع العذاب .  
4) (  إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) : ان موضوع استعجال حلول العذاب والعقاب , وكذلك استعجال حلول النعمة والثواب , بـيده سبحانه وتعالى , ولا يمكن ان يكون الا وفقا لمشيئته وحكمته عز وجل .  
5) (  يَقُصُّ الْحَقَّ ) : الفعل ( يقص ) بدلا من الافعال ( يقول – يخبر – يبلغ – يبين ) , ويرجح الى ان الاخبار التي يرويها القرآن الكريم عن الامم السابقة على نحو القصة , {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }يوسف3 , {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176 , {إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران62 . 
6) (  وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) : القضاة يميزون بين الحق والباطل , ويفصلون بينهما , وذلك بالاعتماد على بعض الاحكام المتعارفة لديهم , لكنهم لا يصيبون دائما , بل يخطئون في احيان كثيرة , ويمكن للماكرين التحايل عليهم بواسطة تزوير الادلة وشهود الزور وغير ذلك , فيميلوا من جانب الحق الى جانب الباطل , لكن الله عز وجل خير من يفصل بين الحق والباطل بعلمه واحاطته بخفايا الامور .    
 
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ{58}           
توجه الاية الكريمة الرسول الاكرم (ص واله) ان يصرح (  قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) , لانزل (ص واله) العذاب بالمسيء , ووهب الثواب للمحسن , عندها يقضى الامر , لكن (  وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ) , لتحديد زمان ومكان حلول العذاب والعقاب عليهم .    
 
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{59}
نستقرأ الاية الكريمة في نقطتين : 
1) (  وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ) : يصف النص المبارك علمه عز وجل , بشكل موجز ومختصر .
2) (  وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) : يسلط النص المبارك الضوء على (  كِتَابٍ مُّبِينٍ ) , الذي يرى المفسرون انه ( اللوح المحفوظ ) , ( السيوطي في تفسيره الجلالين , علي عاشور العاملي في مصحف الخيرة ) .     



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=26698
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13