بعد فشل محاولات استنساخ تجربة الربيع العربي في الجزائر , أين نجح النظام الجزائري في كشف سوءة الاسلام السياسي أمام الشعب أولا وأمام الدول الراعية للربيع العربي ثانيا بأن الاحزاب الاسلامية التي قدم زعماؤها أنفسهم كبديل للنظام , سرعان ما انتقل الصراع بين الاحزاب الاسلامية الى صراع داخل الاحزاب نفسها عن طريق انشقاقات وحركات تصحيحية وتهم بالخيانة والعمالة للنظام , جعلت المجتمع الجزائري يفقد الثقة فيهم ويعاقبهم بعدم الانتخاب على قوائمهم سواء في الانتخابات المحلية أو النيابية
وبدل مطاردة النظام الجزائري للإسلاميين واضطهادهم وتضييق الخناق عليهم , ترك لهم حرية العمل السياسي واعتمد احزابهم , بل أشرك جزء مهم منهم في تسيير الدولة ووصلوا لمناصب وزراء وسفراء كما قام حتى بتحالف حكومي معهم
بالتالي فان نظرة المطاردة والاضطهاد التي اكتسبها الاسلام السياسي تعاطف الجماهير في دول أخرى وجعلها تنتخب عليه وتلتف حوله كبديل لأنظمتها الحاكمة كما حدث في تونس ومصر حتى ولو لم يكن عن اقتناع ببرامجها بل كوسيلة لمعاقبة الأنظمة الحاكمة كنوع من نصرة المظلوم على الظالم
حرمت الاحزاب الاسلامية في الجزائر من هذه الميزة لأن النظام لم يضطهدها وترك لها حرية المنافسة السياسية كما فتح لها باب المشاركة في التسيير وبذلك وضعهم امام المحاسبة الشعبية مقدما الفرصة للشعب ليقيم أداؤهم في التسيير بعيدا عن خطبهم الرنانة والمبادئ الاسلامية السياسية الفضفاضة البراقة من خلال حقائب وزارية وتسيير بلديات وترؤس مجالس شعبية ولائية ونواب في المجلس التشريعي , اينما أثبتوا للشعب بأنهم جزء من المشكل لا جزء من الحل كما كانوا يقدمون أنفسهم
كما بين ذلك للدول الراعية للربيع العربي بأن الأحزاب الاسلامية في الجزائر وعكس ما تدعي لم تنضج بعد لتكون في مستوى البديل في حالة تغيير النظام الجزائري لأجل الصراع غير الحضاري بين قادة الاحزاب الاسلامية وانحطاط مستواها لدرجة اعتماد أسلوب العنف بالعصي والأسلحة البيضاء لأجل حل مشاكلها الداخلية كما حدث بين جناحي حركة الاصلاح أو تمرد وزراءها على قرارات الحزب كما حدث مع حمس دون نسيان الحركات التصحيحية والتي هي في حقيقة الأمر انقلاب وان لم تنجح تكون هناك انشقاقات
كما أن النظام الجزائري سمح بحرية سياسية وان قيل عنها انها شكلية لكنها سمحت للشعب بالتنفيس والتعبير عن معاناته وأحلامه السياسية ونقده للسلطة , عكس الدول العربية الأخرى , ففوت النظام بذلك قاعدة: كثرة الضغط تؤدي الى الانفجار , خلاف الدول الأخرى التي زادت من الكبت وصعدت الضغط حتى انفجر الشعب والذي كان انفجاره وقود للربيع العربي...
أمام فشل قيام ربيع عربي في الجزائر ولأهمية ما تملكه الجزائر من ثروة طاقوية وأرصدة مالية في بنوك الدول الغربية , ومع مرور القوى الغربية بأزمة اقتصادية ومالية جعلت دولا منها تعلن افلاسها اقتصاديا , كان الحل وضع اليد على ثروات الجزائر بأي طريقة وكان البديل للربيع العربي هو حلول شتاء عربي في الجزائر
بدأ ذلك بتحول كل من تونس لبؤرة توتر غير مستقرة أمنيا ثم ليبيا ثم مالي وقبلها موريطانيا كقاعدة خلفية , لتصبح محضن خصب لتفريخ الجماعات الاسلامية المسلحة
ان الجماعات الاسلامية المسلحة , هي جماعات تخدم أجندة غربية , فهي تسعى لأجل قيام امارة اسلامية بالقوة معلنة بذلك الجهاد الفريضة الغائبة , لكنها في حقيقة الأمر هي مخترقة , انشئت في الأصل لأجل التوسع الاقتصادي الامريكي ولأجل الاستيلاء على مناطق جيو استراتيجية جديدة كان من المستحيل الحصول عليها بالصور التقليدية ,فأمريكا لو طلبت من ليبيا على سبيل المثال الموافقة على اقامة قاعدة عسكرية لها في ليبيا واستفادة الشركات البترولية من عقود امتياز في مجال النفط لقوبل طلبها بالرفض ولو ارادة امريكا تنفيذ طلبها بالقوة لما سمحت لها روسيا والصين وان اقتضى الأمر نشوب معركة كونية , لذلك جاء الربيع العربي الاصطناعي ليقدم الثروة الليبية على طبق من ذهب وبالمجان لأمريكا وعصابتها ...
ان الجماعات الاسلامية المسلحة هي فرق مرتزقة أنشئت خصيصا لأجل تمديد عمر الأزمات ولأجل العمل على عدم استقرار وزعزعة المناطق المراد استنزافها أو السيطرة عليها دون تورط معلن لأمريكا حامية الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم المتحضر , لأجل تعكير المياه لان امريكا تهوى الصيد في المياه العكرة دون لومها على عملية التعكير التي قامت بها الجماعات الاسلامية المسلحة
كيف لجماعات مسلحة مهما كان عدد اتباعها ان تقيم امارة أو تسقط دولة وهي امام التطور العسكري الهائل لا تمتلك لا قمر صناعي ولا سلاح نووي أو ذري أو جرثومي أو فيروسي ولا منظومة صاروخية أو سفينة حربية أو طائرة نفاثة ولا عمودية ولا استطلاعية , فكيف تحمي الامارة المقامة هل بجند من الملائكة تقاتل معهم أو بمعجزات ربانية يتحول على ايديهم الحجر الى راجمات صواريخ ويقاتل في صفهم الريح والحجر وطير أبابيل ...
ان الجماعات الاسلامية المسلحة وجدت لتحل محل القوات الامريكية في المناطق التي يتعذر عليها التواجد فيها لحسابات دولية ولارتفاع فاتورة النفقات الحربية ,فكانت بذلك الجماعات المسلحة بديل اقتصادي قانوني ممتاز لأمريكا فلا يصرف ولا دولار من الخزينة الامريكية على الحرب التي تشنها الجماعات الاسلامية بالوكالة ولا تقع امريكا تحت المساءلة الدولية وتتخلص من محاسبة الضمير الجمعي للأمة الامريكية عن الجرائم التي ترتكبها قواتها النظامية كما حدث في حرب الفيتنام , بذلك كانت الجماعات الاسلامية المسلحة بحق قوة عسكرية امريكية غير نظامية.
لم ينجح الربيع العربي في الجزائر وأجهض النظام الجزائري عملية توليده القيصرية قبل فترة الحمل , لذلك تحتم احداث شتاء عربي وكان السيناريو المعد له هو اختطاف مئات الرهائن الغربيين وتحويلهم لشمال مالي لأجل اطالة عمر الأزمة المالية وللحيلولة دون القضاء العسكري على الامارة الاسلامية المزمع اقامتها هناك بحجة وجود الرهائن الغربيين , وتدمير القاعدة البترولية بعين اميناس الشريان الأبهر للدولة الجزائرية والذي يؤدي الى زعزعة امنها واستقرارها ومنح ذريعة للتدخل الغربي في صحراء الجزائر بعد ان رفضت الجزائر من قبل اقامة قاعدة عسكرية امريكية في صحرائها , لكن تفطن النظام الجزائري لهذا المخطط اجهض المحاولة في بدايتها , ليفشل الشتاء العربي كما فشل الربيع مع البدء في نسج سيناريو لفصل آخر ربما يكون الخريف أو الصيف . |