والسقوط أيضًا... إنسانيّ
تسرد الكاتبة في روايتها، الانجرار وراء التجربة، هذه الحالة الإنسانيّة التي تعرض للضعف في الكائن البشريّ، وتؤدّي به إلى الانزلاق في المهاوي التي لا عودَ منها إلاّ بخسائرَ وأثمان... الله ما أقساها!
وما أدراك ما التجربة؟ وهي التخبّط خارج الواقع السليم، يقود إليه واقع الحال يبان مزيجًا من تخلّصٍ من ظروف تذيق مرًّا، و"سعيٍ" إلى تذوّق حلاوةٍ هي في الحقيقة سرابٌ واهم.
"دخلتُ في التجربة" رواية تسرد لنزَقٍ عائليّ بطلاه منهمكان، بل عالقان في أمور الحياة الرتيبة، ظنًّا منهما، كلٍّ من منظاره، أنّه يؤدّي واجبه الزوجيّ تجاه شريكه، ودوره تجاه العائلة، وكفى! وإذا بالواقع المسنود إلى المفاهيم الموروثة يصطدم بانعزال كلّ من الزوجين إلى حدٍّ تملّكت به شهوة إثبات الذات في وجه الآخر، على حساب العائلة التي راحت تدفع باهظًا، وتعاني سكراتٍ حرّى، التداعيات المتوجّبة.
والتجربة وليدة الشهوة التي سيطرت في الرواية على مجرى الأحداث، حتى خضعت لها شخصيّات القصّة، فسقطوا كلّهم بنسبٍ متفاوتة، في تجاربَ طالت مواطن الضعف في كلٍّ منهم. وتنوّعت أشكال التجربة بتنوّع الضعف الذي طالته شهوة الشخصيّات في السياق. وقد تفاعلت الشخصيّات انحدارًا، متهاويةً في الوحول العلائقيّة الدنيئة، حتى انتفت في "عُرفها" الحرُمات التي تربط أفراد العائلة الواحدة. هذا الانجرار من مطبٍّ إلى آخر أدّى بالناظر إلى أشخاص الرواية ألاّ يستثني واحدًا بقي "واقفًا".
لكنّ عودًا إلى بداية، قصدتُ إلى أصولٍ خرجوا منها، أعادت رويدًا رويدًا كلّ واحدٍ من الشخصيّات الأساسيّة إلى جادة صوابٍ أعانته على بلوغ الميناء، لتنتهي القصّة على احتمال عودةٍ في سفينةٍ ترسو باطمئنان. أمّا الذين لعبوا أدوارًا "رذيلة"، فكأنّي بالمؤلّفة عمدت إلى إخفائهم من سياق العبور إلى برّ الأمان، لتخرجَ بعائلةٍ تنجو برُكبها إلى ما كانت فيه، وما يجب أن تعود إليه.
هي العائلة أوّلاً وأخيرًا خليّة المجتمع الشرقيّ عمومًا واللبنانيّ خصوصًا. بل هي ميزة إنسان هذا المجتمع وإطاره الطبيعيّ حيث ينشأ بعاديّةٍ تأمن له السلام وتقيه الشطط. أليس هذا ما أدّته راشال، الابنة الثانية، تجاه شقيقتها الكبرى رنيم؟
من ناحيةٍ أخرى، وفي معالجة الدخول في هكذا تجربة اجتماعيّة بامتياز، رحتُ أتساءل أيّة جرأةٍ حدَت بالكاتبة ولوج هذا العالم المغمور، بل قل، الغامر قضيّة المرأة في مجتمعنا الشرقيّ التي يغلب على المفاهيم التي تطالها، التسلّط الذكوريّ، وخنوعها في الاستسلام له والمساهمة فيه. هل أرادت مهى جرجور أن توصل للرجل مرسلةً يرفض الاقتناع بها: إنّ المرأة إذا أرادت، سيّرت حياتك وتحكّمت بعالمك؟ هل أرادت مهى جرجور أن تنبّه المجتمع الذكوريّ من خطورة تماديه في ما يعتقده صحيحًا أو واقعَ حال؟ إنّي هنا أقرأ ثابتةً يجب أن تسطع: لا يمكن للرجل أن يحلّ محلّ المرأة في أنوثتها وأمومتها. كما لا يمكنه أن يتنكّر لحقيقة أنّ المرأة كائنٌ بشريّ مستقلّ لا يملكه هو. بل لها أن تعي وتثق أنّها أساسٌ في التركيبة البشريّة، وأن تثبت نفسَها بالقدُرات الإنسانيّة التي تتمتّع بها، والشخصيّة الأنثويّة التي تكوّنها.
"دخلتُ في التجربة"، دخولٌ روائيّ أدبيّ من واقع المُعاش إلى عالم الإنسان، يحاكي الداخل البشريّ في حالاته النفسيّة والأنتروبولوجيّة الاجتماعيّة. كما يشكّل وقفة ضمير طارحةً ألف سؤال على المبادئ والقيم السائدة، مُظهرةً مفاهيمَ بائدة، بل مفجّرةً ثورةً في العقل المجتمعيّ على المستويات كافّةً!
في 30 كانون الأوّل 2010
|