• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح76 سورة المائدة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح76 سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{75}
تضمنت الاية الكريمة تعريفين :
1)    المسيح (ع) : (  مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ) , ويلحق به (  كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ) .
2)    مريم (ع) : (  وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ) .       
وتضمنت ايضا لفت النظر الى موردين :
1)    (  انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ) .
2)    (  ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) .     

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{76}
تضمنت الاية الكريمة استفهام استنكار , تأمر الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يوجهه الى اهل الكتاب وعامة الناس , جاء فيه , وصفا موجزا  لكل الالهة التي يتخذها البشر من دون الله تعالى , في نقطتين :
1-    (  مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً ) .
2-    (  وَلاَ نَفْعاً ) .    
بالتأكيد , الضر والنفع لا يمكن ان يكون , الا بأذنه عز وجل .
الملفت للنظر , اختتام الاية الكريمة بــ (  وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) , الله عز وجل لا يسمع بواسطة الجارحة , بل يسمع بالنحو الذي يليق بجلاله , ويعلم بشؤون خلقه .    

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ{77}
تخبر الاية الكريمة الرسول الكريم محمد (ص واله) , ان يخبر اهل الكتاب بأمرين , على نحو النصح والارشاد والتحذير :
1)    (  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) : يتوجب على اليهود ان لا يتجاوزا الحد في تأليه عزيرا (ع) , ويتوجب على النصارى ان لا يتجاوزا الحد بتأليه عيسى (ع) , اما اذا كان الغلو لا يخالف الحق والحقيقة , فلا بأس .
2)    (  وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ ) : ثم ذكرت الاية الكريمة مواصفات هؤلاء القوم انهم :
أ‌)    (  قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ ) .
ب‌)    (  وَأَضَلُّواْ كَثِيراً ) .
ت‌)    (  وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) .          
لم تحدد الاية الكريمة هؤلاء القوم , فيرى السيوطي في تفسيره ( الجلالين ) , انهم اسلافهم ( اهل الكتاب ) .

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{78}
تذكر الاية الكريمة نوعين من اللعن صدرا بحق بني اسرائيل , ثم ذكرت سببين لذلك اللعن , فأما أللعنين :
1)    (  لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ ) : يروي السيوطي في تفسيره الجلالين ان داود (ع) ( دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة ) .
2)     (  وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) : كما ولعنهم عيسى (ع) , ويروي السيوطي ايضا في نفس المصدر ( بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة ) .      
يلاحظ في النص المبارك , امرين جديرين بالتأمل , والوقوف عندهما :
1-    صدور اللعن (  عَلَى لِسَانِ ) , يستفاد من تفسير الجلالين , انه الدعاء عليهم .
2-    في ايات الكريمة السابقة , ورد (  الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) , اما في الاية الكريمة فجاء فيها (  عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) , لابد ان يكون لذلك حكم ومعاني , يجب على المتأمل ان يبحث عنها وفيها ! .   
اما اسباب اللعن :
1)    (  ذَلِكَ بِمَا عَصَوا ) .
2)    (  وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) .   
ينبغي الاشارة الى ان اللعن الحاصل في بني اسرائيل , لا يشملهم جميعا , بل يشمل العاصين والمعتدين فقط , اما من اتبع الرسل والانبياء (ع) , فبعيد عنهم .

كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{79} تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ{80}
ذكرت الاية الكريمة السابقة سببين لوقوع اللعن على بني اسرائيل , فذكرت الايتين الكريمتين سببين اخرين , مع توبيخ وتعنيف بحقهم :
1)    (  كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُ ) : لو تأملنا في النص المبارك , نجد ان فيه معصيتين لا واحدة :
أ‌)    كانوا يرتكبون المنكر .
ب‌)    لا ينهي بعضهم البعض عن تلك المنكرات .
اما التوبيخ الذ استحقوه بجدارة (  لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) ! .    
2)    (  تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) : كان كثير من اليهود يتولون مشركي مكة , بغضا ومعاداة لرسول الله (ص واله) , فكانت حصتهم من التوبيخ والوعيد (  مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ ) , ويلحق به امرين :
أ‌)    (  أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ) .
ب‌)    (  وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) .           

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{81}
طرحت الاية الكريمة , ما يجب ان يؤمن به هؤلاء اليهود :
1)    (  يُؤْمِنُونَ بِالله ) .
2)    (  والنَّبِيِّ ) .
3)    (  وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ ) .      
عند ذلك (   مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء ) , لكن المشكلة كبيرة جدا (  وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) , خارجين عن الايمان جملة وتفصيلا .   
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ{82}
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , انها نزلت بحق وفد النجاشي القادمين من الحبشة ( تفسير الجلالين للسيوطي ) , اما علي عاشور العاملي في مصحفه , فيرى انها نزلت بحق وفد النجاشي , لكنه يلحق بها الايات الكريمة ( 83 – 84 – 85 – 86 ) .
جاء في الاية الكريمة امرين جديرين بالتأمل :
1)    العداوة : (  لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) .
2)    المودة : (  مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) , ثم تذكر ثلاثة اسباب للمودة :
أ‌)    (  ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ) : علماء , وهي مرتبة من المراتب عند النصارى .
ب‌)    (  وَرُهْبَاناً ) : عبادا , زهادا , والرهبانية الغلو في التعبد .
ت‌)    (  وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) : لا يستكبرون عن اتباع الحق , كما هو الحال عند اليهود ومشركي مكة .         

وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{83}
تذكر الاية الكريمة , ابرز خصال ومواصفات وعلاماتهم , انهم (  وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) , مما يدل على صدق معرفتهم (  مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) , عندها يتوجهون بالتضرع الى الباري عز وجل (  يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) .     

وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ{84}
تروي الاية الكريمة على لسانهم , ما اجابوا به لائميهم  بثلاثة نقاط :
1-    (  وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ ) .
2-    (  وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ ) .
3-    (  وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) .       

فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ{85}
تروي الاية الكريمة , ان الله عز وجل منّ عليهم بامرين :
1-    (  فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ) .
2-    (  وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ) : ان جعلهم عز وجل في ( المحسنين ) .     
الملاحظ في الاية الكريمة وسابقتها , ان هؤلاء القوم كانوا يطمعون ان يدخلهم عز وجل مع القوم الصالحين (  وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) , للمؤمن ان يطمع ان يدخله عز وجل في أي قوم يشاء , لكن القرار بيده وحده جل وعلا , فكان (  وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ) , للمتأمل ان يتأمل الفرق بين ( الصالحين ) و ( المحسنين ) ! .    




 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=25236
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 12 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13