الحمد لله الذي هدانا لهذا وما نا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الصادق الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ،وبعد : فهذا بحث تمخض من بركات زيارتي للمراقد المقدسة في الكوفة في أثناء اشتراكي في مهرجان السفير الثاني وفوزي بالمرتبة الثالثة في المقالة فآليتُ على نفسي أن أكتب كتاباً في أحد شخصيات الكوفة العملاقة ،وقد ألححتُ في الدعاء عند هذه المشاهد المشرفة ،ولما علمتُ بالمؤتمر العلمي للصحابي ميثم التمّار دفعني دافع قوي نحو البحث الذي سمّيته ( ميثم التمّار ... عالماً ومفسّراً ) عسى أن يكون بذرة طيبة لكتاب عن ميثم التمّار في المستقبل ،وقد قسمته على فقرات هي المدخل إلى الموضوع وعنونته بـ ( منزلة ميثم عند أهل بيت النبوة ،وشبهه بسلمان ) ثمّ عرّجتُ على إفاضات الإمام علي(ع) على ميثم منتقلاً إلى علمه بعلم المنايا وعلم البلايا فضلاً عن علمه بالتفسير والتأويل مفرّقاً بينهما .
والصحابي ميثم التمار تلميذ أمير المؤمنين (عليه السلام ) كان شأنه مع أمير المؤمنين شأن سلمان مع النبي (ص) فكلاهما كانا مملوكين : ميثم أعتقه أمير المؤمنين ،وسلمان أعتقه رسول الله وصار ميثم من أقرب الناس إلى الإمام علي ،وكذا سلمان إلى الرسول ،وقد أخذ ميثم العلم عن أمير المؤمنين حتى أصبح أعلم أصحابه أومن أعلمهم ،ومن ذلك علمه بتفسير آيات الله المجيد وتأويلها ،والدليل الرواية التي مفادها قوله لابن عباس (( يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن ، فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلمني تأويله ...)).
وقد أثنى عليه أئمة الهدى (عليهم السلام )إذ يقول في حقه أمير المؤمنين (عليه السلام ) : (( يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي ))،ويقول فيه أيضاً الإمام الباقر (عليه السلام) : (( إني لأحبه حباً شديداً )) .
ولعمري لا يكون ميثم في درجة أمير المؤمنين ،ولا يحبه الإمام الباقر ما لم يكن عالماً ربانياً مقتبساً علمه من الراسخين في العلم ،ومنهم أمير المؤمنين (عليه السلام ) لذا يروي ميثم عن أمير المؤمنين قوله : (( إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علمني ألف باب من الحلال والحرام ، ومما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، كل باب منها يفتح ألف ألف باب ، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب )).
ويبدو أنّ ميثم التمار كان قد تعلم علم المنايا والبلايا من أمير المؤمنين لذا نجد ابن عباس على جلالة قدره وعلمه وهو الملقب بحبر الأمة منكراً إخباره بأحداث لم تكن قد وقعت بعد عادّاً إياها من الكهانة فكان حاله حال الأسديين الذين أنكروا على ميثم وحبيب بن مظاهر ورشيد الهجري هذا العلم . قال ميثم : (( يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة ؟ فقال لي : وتكهن أيضا ؟ وخرق الكتاب ، فقلت : مه احفظ بما سمعت مني فإن يكن ما أقول لك حقا أمسكته وإن يك باطلا خرقته ، قال : هو ذلك ، فقدم أبي علينا ، فما لبث يومين حتى أرسل عبيد الله بن زياد فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة ،... )) .
ولو تصفحنا كتب التفسير لوجدنا روايات قليلة لميثم تؤيد مقدرته التفسيرية من ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى ( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ – البروج/4) عن ميثم التمار قال : (( سمعت أمير المؤمنين ( ع ) ، وذكر أصحاب الأخدود فقال : كانوا عشرة ، وعلى مثالهم عشرة ، يقتلون في هذا السوق )) ،ولعل سبب قلة رواياته التفسيرية يعود إلى ظروف الاضطهاد والمطاردة والسرية في العمل والحركة مما أدى إلى اختفاء رواياته التفسيرية التي أدلى بها ،ويرى الطهراني أن ابن عباس قد أفاد من قدرات ميثم التفسيرية . قال الطهراني : ((... وتفسيره بعض ما تعلمه من أمير المؤمنين عليه السلام فأملاه التمار على ترجمان القرآن حبر الأمة ابن عباس ... )).
على أنّ هذه المحاولة جاءت استجابة لدعوة من الأمانة الخاصة لمزار ميثم التمار للتعرف على تراث حواريي أمير المؤمنين – ومنهم ميثم التمار – للتعرف على تراثهم الثر وعطائهم الغزير وأهميته في الأجيال الإسلامية رسالياً وفكرياً وإنسانياً وجهادياً فضلاً عن أثر صحبة أمير المؤمنين ف تربية حوارييه والاقتداء بخلقهم النير وعلمهم الغزير.
|