• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : من نافذةِ المَشفى رأيتُ طيفكَ ياعِراق . .
                          • الكاتب : محمود جاسم النجار .

من نافذةِ المَشفى رأيتُ طيفكَ ياعِراق .

من نافذةِ المَشفى..
وبعد أسابيع من غيابٍ ورُقادِ ..
ألمٌ ، أوجاعٌ ، وأكوامٌ من شَقاءْ
أشتقتُ لأهلي لأصحابي ..
لمِساءاتِ دجلةَ ولمّة الأحبابْ
لحُضنكَ ياعراق الجَذر الأول للأنبياء ..
*********
من نافذةِ المَشفى ..
رَفعتُ عيني أبتهلُ للسَماءْ
أدعوكَ رَّبي ..
أن تَمُنَّ على حالي راجياً منك الشَفاء
وأن أعود سالماً لأحضان أمي ..
لأَصحابي .. لظلالِ أزَقتي الرَطبة
تلك الأزقة التي تملأها الحَكايا
وذكرياتُ سنين طوالْ ..
بَراءَة طفولتي وتأريخ أَجدادي
وعَناوينَ مَحبةٍ مِلأُها عبقٌ وصَفاءْ
مشتاقٌ لنَخلتنا ..
للبَرحيةِ ، لظلالكِ يا أُمنا السَدْرة
للعَصَاري .. وغَبشاتُ تنورُ أمي
للخَيرِ الذي يَهطلُ ..
ما أن تلامس يدا أمي أطرافَ الإناءْ
*****
من نافــذةِ المَشْفى ..
وأنا أرفعُ رأسي للدُعاءْ ..
أَبحرتْ عيناي بعيداً ، بعيداً ..
بسَمواتِ ربي التي مَنحتني حقَّ البقاءْ
من نافذةِ المَشفى ..
تجَمّدتْ عيناي .. صُعِقتُ بمَقعدي
بكيتُ .. ضَحكتُ ..
تَخضَّبتْ عيناي
وَجَلتْ وصارَت وَجَناتيَ سَهْلاً للبُكاءْ
أرتجفتْ أوصالي ..
حين رأيتُ رَسمكُ ياعراقْ ..
غيمةٌ ناضجةً تضئ أحشاء السَماء
نعم رأيتك يا عراقْ ..
تدرُّ خيراً على أبنائك أينما أرتحلوا ..
حَضارةً .. اًملاً .. حُباً .. شَوقاً ..
وسنابلَ شامِخةٍ وتراتيلُ أناشيدٍ وأنتماءْ
********
من نافـذةِ المَشفى ..
رأيتُ العراق وقلبهُ..
بَغداد حاضرةُ الدُنيا بأَرضِها والسَماءْ
رأيت شمالهُ وجنوبهُ
رأيتُ البَصْرةُ الفيحاء والسُليمانية الغَنّاءْ
رأيتُ العَشّار والسَيّاب والفراهيدي والتَمرةَ ..
رأيت السِيبة وأبا الخَصيبْ ..
والنَخيل والطيبة تفوحُ مِسْكاً من الأنفاسِ
رأيتُ النَرجسُ يُنثَرُ للنَيروز قلائداً ..
والدَبكات .. والضِحكات والألوان مُنتشرة
ونارُ كاوة مازالتْ مَوقدةُ على جبالنا الشماءْ
*********
من نافذة المَشفى رأيتك ياعراق
قُبالةَ نافذتي ..
رأيتكَ يا وَطني غيمةً فردا
دَمعة ماطرةً بسَموات أغترابي
في الغربةِ ..
رأيتُ الشجر والزَرع والخَضار مصاناً
والحبُّ يَلتحفُ الأرض أمتدادا
والصِدقُ مَغروسُ بأجنةِ ناسِها والنَقاءْ
حيثُ الجارَ يحبُّ الخيرَ لجَارِه
والناسْ .. تحب عيش إنسانيتها بإنتقاءْ
الناسْ .. الناسْ ..
الناسُ هنا تُجاهد لتعيش بلا قيودْ
الناس هنا ..
تؤمن بنَفسها ، تتوشحُ النبلَ زَهواً والنَقاء
تُفكرْ بعلمٍ .. بعَملٍ .. بقراءةٍ
بموسيقى .. بهُدوءٍ .. بسَلامٍ .. بالبناءْ
كَم تمنيتُ أن نُشابهَهُم يا موطني ..
أن تملأنا الغيرةَ منهم  ..
أن نكلُّ من سفر حروبنا العقيمة ..
ونتعّلمْ .. نتعلَّم ..
كيف ترسَمْ على الشفاة بَسمة
كيف نَبني ونُعمّرُ بصَميمِ القلبِ وَردَة
كيف .. ؟
كيف ..؟
نجتازُ بحارَ الجَهلْ والدَمِ والطائفيةُ الحَمقاء
كيف نوقدُ الشَمسَ التي حَجَبناها ..
بإيدينا .. بجَهلنا .. بحروبنا
بالتخلفِ ..
والحقدُ المُبيّتْ والطائفيةُ العَمياءْ ..
ودناءةِ جارٍ حاقدٍ ..
وبائعِ وطنٍ وأقنعةٍ مزيفةٍ لخلانِ
والأحتلال وتابعيه ..
من خونةٍ وأصحاب ضمائرٍ باتت خواء
كانَ اللهُ في عونكَ مَوطني
لكلِّ ماجَرى ويجري ..
عليك من كمدْ وقهرٍ وحروبٍ وبَلاءْ 
************
خلفَ نافـذةُ المَشفى ..
وَقفتُ مذهولاً بك ياعراقْ ..
سقطتْ دَمعةَ مذبوجةً لأجلك موَطني
بل قلْ .. مئاتُ الدَمعاتُ الراجِفاتْ ..
لأجلك ولأهلنا ولجُرحِنا الذي أتعبهُ الفُراق 
سترتجفُ الغَيمة وتذوب قطراً وخيراً
ستتغيرُ ذاتَ يوم النافذة وأَهجُرها مُعافى
ولكنك سوف تبقى ياعراق
في ضَميري خالداً ودَماً بعروقي يُراقْ
سيبقى أسمك نبضاً يأنّ خلفَ أَضلعي
ويَصرخُ القلب شوقاً مَدوياً لأعنانِ السَماءْ
ويعود صَداه مترنحاً ..
أعبدكَ وسأبقى أحبكَ ..
ألفُ أحبكَ ، يا وَطن النَبع والأنبياءْ ..
يا وطناً تذوب به كل العُصور حوادثاً
وأذوب بكحلِ عينيك نشوةً وبهاءً وحُلماً للتَراقْ

روتردام في هولندا لأكثر من شهر  خلال رقادي في مستشفى أرسموس في مدينة
 02 -10-2012Erasmus zikenhuis
 
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=24147
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15