• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : متى يعرف العرب أعداءهم ؟ .
                          • الكاتب : عامر هادي العيساوي .

متى يعرف العرب أعداءهم ؟

كان اغلب المثقفين العرب إذا لم يكن جميعهم يعتقدون بان جميع معضلات هذه الأمة قبل ما يسمى بالربيع العربي تتلخص بوجود الأنظمة الدكتاتورية القائمة آنذاك ولم يخطر ببال أي واحد منهم بان تلك الأنظمة على وحشيتها وقذارتها وانحطاط القائمين عليها كانت جزءا من أسوا الحلول من اجل تفادي معضلات اشد خطرا على مستقبل شعوب هذه المنطقة ومن يدري لعل أهونها الانفلات .
ان عملية إسقاط تلك الأنظمة تشبه الى حد كبير الإقدام على إلقاء شخص لم يعرف الماء قط ولم ينزل فيه ويجهل فن السباحة تماما في بحر هائج بحجة انه عندما يواجه الخطر سيضطر الى تعلم السباحة ولكنه في الواقع سيمضي الى القاع بسرعة البرق ليشبع هناك موتا والى الأبد .
لقد كان العراقيون مثلا يعتقدون بان مجرد سقوط صدام حسين سيفتح عليهم أبواب النعيم وسيختفي العنف والبندقية وكافة الأدوات الجارحة من حياتهم وسيلجؤون لبناء بلدهم الغني القادر على إسعادهم جميعا  عربا وكردا وشيعة وسنة وسينتشر السلام والمحبة والوئام بين الجميع وسيعيش الجميع كالملوك في بلد هو من اغني بلدان العالم اذا لم يكن أغناها على الإطلاق فهل حصل ذلك ؟!!
إن مشكلة شعوب ما يسمى بالعالم الثالث الرئيسية هي أن الإحداث الكبرى والتغيرات الكبرى الني تحصل لديها لا تأتي كمخاضات طبيعية لمجتمعات حية ومتحركة ومتفاعلة تنتجها درجات معينة من الوعي والتطور الناتج من الصراع الطبيعي بين المحافظين والمجددين وإنما تأتي عبر أصابع خفية تمتد من وراء المحيطات من اجل تحريك جيوش كبيرة من البيادق التي تقوم بصنع الحدث وهي فرحة ومستبشرة لأنها لاتشعر بتلك الأصابع ولا بالشيطان الذي يقف وراءها .إن الدجاجة التي تلاعب الناس بجيناتها من اجل أن تنمو بسرعة هائلة لا تعلم أن ذلك ليس من مصلحتها لأنه سيعجل في ذبحها .
إن جميع ما يحدث اليوم في البلاد العربية في ما يسمى بالربيع العربي يشبه الى حد يعيد أحداث أوائل الخمسينات من القرن الماضي في هذه البلاد فبعد أن ركعت بريطانيا العظمى التي كانت تقود العالم الرأسمالي آنذاك لإرادة( حكماء بني صهيون) بإنشاء الوطن القومي لهم في فلسطين وجد هؤلاء( الحكماء) إن استمرار وجود الملكيات في دول المواجهة على الأقل ربما يعرض امن الدويلة الناشئة في المستقبل بسبب تمتع هذه الأنظمة بعلاقات متميزة مع الغرب وهكذا اجبروا بريطانيا على التخلي عن تلك الأنظمة ورفع الحماية عنها فأصبحت وجها لوجه أمام جيل من العسكريين الشباب الثوريين والمتحمسين للقضية العربية والقومية الذين انقضوا فورا على السلطة في سوريا ومصر والعراق لتبدآ بعد ذلك مرحلة طويلة من الصراع المكشوف مع( الاستعمار والصهيونية) وقد كانت بحق من أجمل الفترات في إنتاج الأناشيد الوطنية كما ونوعا رغم أنها انتهت بهزائم  معروفة ومتكررة سياسية وعسكرية وبدلا من رمي إسرائيل في البحر او مسحها من الوجود كما كان يقال توسعت الى سيناء والقدس والضفة الغربية .
وما أشبه اليوم بالبارحة فلقد وجد( الحكماء )أن استمرار وجود الأنظمة العربية الفاشلة والعاجزة عن خدمة شعوبها وأعدائها على حد سواء أصبح يشكل عبئا على مشاريعهم ومن هنا جاء( الربيع العربي )وجاء صعود القوى المتلبسة بالدين ظلما والتي لا يستقيم وجودها إلا بإثارة الفتن الدينية والطائفية والعرقية .
وإذا كانت إسرائيل لم تتوسع إلا قليلا في حقبة القوميين العرب فان ما يخشى اليوم في ظل مثيري الفتن هؤلاء أن تظهر( إسرائيل الكبرى) الموعودة وتتفتت المنطقة ويعود العرب الى اليمن ونجد والحجاز من الجزيرة العربية .
ولعل أعجب العجب انك عندما تسال احد القادة المساهمين في صناعة الإحداث من القوميين او الاسلامويين عن سر فشلهم وأسباب هذه الفوضى يجيبك فورا بان (الاستعمار والصهيونية) تقف وراء ذلك وكأنه يعترف بأنه لم يكن إلا أداة بأيديهم وبيدقا يتحرك وفقا لإرادتهم .
وأخيرا (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=23964
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14