من ثمرة الحرية التي يتمتع بها ابناء الشعب العراقي ، الانفتاح الواسع في الأعلام ، وهذا امر أيجابي ، اذ نرى الفضائيات الكثيرة المتنوعة ، لكنْ ان نتمتع بالحرية شئ وأن نسيئ استخدامها شئ اخر ، الكل يعرف أنّ للحرية ثمن ، وهي حق لكل انسان ، كما انه يترتب على من يتمتع بالحرية مسؤولية، والحرية اشبه بسلاح ذوحدين ، يمكن ان يكون وسيلة للدفاع والمحافظة على الحياة ، ويمكن ان يكون وسيلة للعنف والقتل والعدوان والجريمة ، لذا من لوازم الحرية ، الضوابط القانونية والعرفية ، والضمير الحي ، والوعي والثقافة ، والشعور بالمسؤولية ، ومثل هذه الامور تحتاج الى مَن ينمّي بذرتها في نفس المواطن ، الدولة من واجبها تنمية الوعي والثقافة والشعور بالمسؤولية عند المواطن، وكذلك منظمات المجتمع المدني ، والقادة الدينيون ، والمؤسسات الانسانية والدينية ، والاخرون من ذوي الشأن ، ايضا من لوازم الحرية احترام الاخر ، والألتزام بالقيم الأخلاقية ، وعدم التجاوز على حقوق الاخرين ، وصيانة المال العام ، لأن جميع الناس مشتركون في ملكيته ومنافعه ، ومن لوازم الحرية ، احترام مشاعر الاخرين ، وعدم التجاوز عليها ، الى غير ذلك من الألتزامات ، ومعروف أن ثمن الحرية غالٍ .
من ثمرة الحرية ايضا التنوع في الفكر والاتجاهات ، اذ نرى فضائيات منوعة الاتجاهات السياسية والفكرية ، لكن في نفس الوقت وللاسف الشديد نجد فضائيات تساهم في تقويض الامن ، والتشجيع على التمرد ، وتدعم الارهاب ، ومثل هذه الفضائيات مدعومة من دوائر المخابرات الخارجية ، اصبح من الطبيعي ان يرى العراقي لكل حزب ودين ومذهب وطائفة ، بل احيانا لبعض الاشخاص من ذوي الاتجاهات والارتباطات الخاصة ، يرى لكل منهم فضائيته الخاصة به ، تبشر بما يريد ايصاله الى الاخرين حقا اوباطلا .
بات المشاهد العراقي يرى في بعض الفضائيات مشاهد لا يمكن تصنيفها الا في خانة الدجل والشعوذة ، طبعا ممارسة السحر والشعوذة بأطار ديني ، سمة من سمات الفكر المتخلف والمتحجر ، طرفا المعادلة في السحر والشعوذة ، هما الساحر او المشعوذ ، والطرف الاخر المواطن البسيط الذي يكون ضحية هذا المشعوذ ، الطرف الاول ، المشعوذ أنسان فكره متخلف ، وعقله متحجر ، يجهل روح الدين ، ويتخذ منه ستارا لتحقيق ماربه في السحر والشعوذة ، وهو كسب المال الحرام ( السحت )، وبعضهم له من الغايات ما هو ابعد من المال ، وهو تحقيق اهداف مخابراتية للجهات التي وظفته في هذه المهمة ، وهذا التوجه هو جزء من اهداف هذه الفضائيات التي تأوي هؤلاء المشعوذين ، وتريد نشر الدجل والشعوذة في المجتمع ، وهو لون من الوان التخريب الاجتماعي والفكري الذي تقوم به هذه الفضائيات التي تتبنى مثل هذا التوجه ، الملقي ( المشعوذ او الساحر ) ، والمتلقي المواطن الضحية ، يشكلان حلقة لتشويه الدين ، رغم ان المواطن مغرر به ، ويمتلك النوايا الحسنة ، هذا اللون من الاداء المتخلف المتزين بالدين تشجعه الاوساط المعادية للاسلام والمسلمين ، لأنّ فيه التشويه والانحراف والابتعاد عن مبادئ الدين السامية ، وفيه تخدير للجماهير التي تتعاون مع المشعوذ الساحر ، وفيه تحنيط للعقل ، وتجميد للفكر ، وفيه ابعاد للجماهير عن أهدافها الحقيقة ، وصرف لنظرها عن قضاياها المصيرية .
الامر الملفت للانتباه أنّ هؤلاء الدجالين تتبناهم بعض الفضائيات ، أما بتقديم برامجهم بشكل مباشر ، أو تقديم الدعايات لهم ، وهذا أمر يؤسف له ، لأنّ حالة الانفتاح والحرية المتاحة للأعلام ، تُستغل في قضايا تؤذي الجماهير وتسمم أفكارهم وتجلب لهم التشويش والقلق ، وتسبب الامراض النفسية للكثير من الناس البسطاء الذين يتابعون مثل هؤلاء الدجالين .
حالة الانفتاح الواسعة سمحت بتعدد الفضائيات التي كان الشعب العراقي محروما من خدماتها وكذلك خدمات الموبايل أيام الطاغية صدام ، الفضائيات الكثيرة هذه ، لكل واحدة منها منحى فكري ، أو هدف سياسي ، واحيانا ارتباطات خارجية مخابراتية ، لكل فضائية توجد جهة معينة تمولها وهي التي تتحكم في اتجاهاتها ، الفضائيات اضحت ذات نفع وذات ضرر في الوقت نفسه ، ضررها التخريب والهدم والتشويه ، وحتى التشجيع أو المشاركة في الأرهاب ، ونفعها ألبناء والتنوير وتصحيح الافكار والمفاهيم الخاطئة ، وخلق الوعي الجماهيري ، وتبصيرها بمصالحها وبما يحاك لها في الغرف المظلمة، وحث الجماهير على الألتزام بالمبادئ الأنسانية والمصلحة الوطنية العامة .
ممارسة الدجل والشعوذة من خلال بعض الفضائيات المشبوهة هو جزء من مشروع التخريب الذي تتبناه هذه الفضائيات ، وهذا مؤشر على أن الفضائية التي تتبنى مثل هذه البرامج التي تشجع على السحر والشعوذة ، انما هي فضائية تتبنى مشروعا في غير صالح الجماهير ، وربما تكون ممولة من احدى الجهات الخارجية المخابراتية المعادية للأسلام وللشعب العراقي ، وحتى أنْ كانت بعض الفضائيات تقدم دعاية من هذا النوع بدوافع مادية ، فأنها تحسب وفق المعايير العامة ، كجزء من لعبة التخريب والهدم التي تقوم بها الجهات المعادية للأسلام وللشعب العراقي من خلال هذه الفضائيات .
هذه المؤشرات تدعونا للمطالبة من ذوي الشأن ، بتشريع القوانين ووضع الضوابط التي تمنع ممارسة مثل هذه الظواهر المضرة ، والمشوهة والمخدرة لعواطف وعقول الجماهير ، لأن ضرر هذه البرامج التي تشجع على الشعوذة والسحر ، بات كبيرا ومؤذيا لكثير من الناس البسطاء الذين يقعون ضحية هؤلاء الدجالين والمشعوذين ، ولابد من فرض عقوبات رادعة بحق الفضائيات التي تمارس وتشجع على الشعوذة والدجل ، وتشوه الدين ، كذلك معاقبة المشعوذين أنفسهم ، ومن يشجعهم على ممارسة هذا الدجل ، ويتعاون معهم في نشره بين صفوف الجماهير ، لأنه بات يشكل خطرا على العقول والعواطف لكثير من الناس ، وخطره الاكبر أنه يمارس باسم الدين ، وبذلك يعتبر هؤلاء المشعوذين ، ومَن يتعاون معهم مشاركا بشكل عملي في اعطاء صورة مشوهة عن الاسلام دين العقل والعلم ونصرة الانسان والفكر الحر . |