بسم الله الرحمن الرحيم
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{165}
تبين الاية الكريمة , بشكل واضح وجلي , ان كل ما يصيب الانسان من سوء او بلاء هو نتيجة خروجه وعدم التزامه بتعاليم الاسلام , ولو اطاع الله تعالى كما امر , واجتنب كل انواع المعاصي والذنوب , لكانت المسافة بينه وبين كل انواع البلاء بعيدة .
كل اثم او ذنب او معصية , يترتب عليها مجموعة من المكاره او المساوئ , تصيب صاحبها , قد تكون فسيولوجية او نفسية ! .
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166}
تشير الاية الكريمة الى ان ما حدث للمسلمين يوم احد , كان نوعا من انواع البلاء ( الاختبار ) لهم , بدليل اختتامها بـ ( وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ) , والتي تشير هنا الى الشهادة بنجاح المؤمن في هذا الاختبار ! .
واقعة احد تشكل درسا مهما للمسلمين , تركزت وتمحورت كثير من الايات الكريمة حوله , وكأنها تقول ( ايها المسلمون " الحاليون والاجيال القادمة " اتعضوا من كل ما حدث في ذلك اليوم ) .
وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ{167}
الاية الكريمة تحذر المسلمين من مجموعة خفية , ارتدت لباس الاسلام والايمان ظاهرا , وتخفت فيه , واضمرت شيئا اخر .
لم يكن المسلمون يعلمون بأمر المنافقين , الا ان كشفهم الله تعالى , وبين خطورة تواجدهم في الصف الاسلامي , ودورهم في تفتيت الوحدة الاسلامية .
رب ضارة نافعة , انهزم المسلمون في احد , لكنهم تعرفوا على شيئا جديدا , النفاق واهله , لقد عرفوا هذا الامر في الوقت المناسب , حيث الاسلام لا يزال فتيا , والمسلمون لا يزالون حديثي العهد به ! .
الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{168}
توجه الاية الكريمة الخطاب الى طرفين :
1- المؤمنون : فتبين لهم حال المنافقين , كي يتعرفوا عليهم , ويتجنبونهم , وما يبثون من فتن واحابيل وعراقيل , بغية تثبيط همتهم , واضعاف عزيمتهم .
2- المنافقون : فتبطل كل حججهم في تخويف المسلمين من الموت , وبث روح الجبن والتخاذل بينهم , ( قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{169}
تشيرالاية الكريمة الى الحياة الاخرة , الحياة بعد الموت , وفيها نوعان :
1- الاحياء : المؤمنون يتنعمون بكل انواع الملذات , حيث لا عين رأت , ولا اذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , فيصطلح على من يعيش في هكذا احوال انه ( حيّ ) , كما هو المتعارف في حياتنا اليومية , حيث يطلق على من يعيش حياة الترف , من انه ( عايش حياته ) او ( عايش زمانه ) وغير ذلك من كلمات .
2- الاموات : الكافرون يلاقون مصيرهم في جهنم , بكل ما فيه من عذاب , حيث لا عين رأت , ولا اذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , فيصطلح على من هو في هذا الحال انه ( ميت ) , تماما كما هو متعارف في حياتنا اليومية , حيث يطلق على من يعيش حياة الضنك وسوء الاحوال المعيشية , فيطلق عليه ما يدل انه في عداد الاموات .
الملاحظ ان الاية الكريمة في محل تسليط الضوء على النوع الاول .
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{170}
تصف الاية الكريمة حال المؤمنين في الدار الاخرة في عدة نقاط موجزة بشكل تام , ومرتبة بشكل انيق :
1- ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) .
2- ( وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ ) .
3- ( أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) .
4- ( وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة ذكرت المؤمنين ( الشهداء ) الذين يتنعمون في الدار الاخرة , وانهم يزفون البشارة لمن يأتي بعدهم ( وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ ) ! .
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ{171}
تبين الاية الكريمة , ان المؤمنين ( الشهداء ) يزفون البشارة لكل من يلحق بهم , على شكل ثلاث نقاط اساسية :
1- ( بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ ) .
2- ( وَفَضْلٍ ) "من الله" .
3- ( وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
لكنها لم تذكر الكيفية ! .
الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{172}
الاية الكريمة في مورد الوعد الرباني لكل من استمر بتمسكه بأوامر الله تعالى , رغم ما يعترضه من ارهاصات واختلاجات , وابتلاءات وشدائد , بذلك سينالوا ذلك الوعد .
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173}
تذكر الاية الكريمة جانبا من جوانب المقصودين في الاية الكريمة السابقة , حيث لا تثبط عزائمهم تلك الاشاعات المغرضة , التي تهدف للنيل منهم ودينهم , بل تزيدهم تمسكا بما لديهم من تعاليم ربانية مقدسة .
الملاحظ ان الاية الكريمة اختتمت بــ ( وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) , هؤلاء المؤمنين قرنوا مصداق ايمانهم بالتوكل على الله تعالى في جميع الامور .
للآية الكريمة خصائص مفيدة في رفع الخوف , وحلول الامن والامان , حيث ورد عن الامام الصادق (ع) انه قال ( عجبت لمن فزع من اربع , كيف لا يفزع الى اربع : عجبت لمن خاف كيف لا يفزع الى قوله تعالى ( حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) , فأن الله تعالى يقول عقبيها ( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) .
( من لا يحضره الفقيه :4/392/الحديث رقم 5835 , الخصال : ص 218, الحديث 43 )
فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ{174}
الاية الكريمة تكمل ما جاء في سابقتها الكريمة , وتضيف اليها ما سينال هؤلاء المؤمنون من مقامات ومنازل عند رب العرش عز وجل .
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{175}
الاية الكريمة في محل تذكير وتنبيه هام , وتبين ان الشيطان الرجيم (لع) لا يخيف احد , ولا ينبغي ان يخاف او يخشى , الا من قبل من اتخذه الها , او عونا , او نصيرا من دون الله عز وجل .
وتحض للمؤمنين ان لا يخشوا شيئا , الا الله عز وجل , حيث ان ( رأس الحكمة , مخافة الله ) . ((فرواه ابن أبي شيبة في المصنف(7/106) ، وهناد في الزهد(1/286رقم497) ، وأبو نعيم في الحلية(1/138-139) ، والبيهقي في شعب الإيمان(1/470) وفي المدخل إلى السنن الكبرى(ص/427) من طريق سفيان الثوري عن عبدالرحمن بن عابس قال حدثني أبو أياس عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه كان يقول في خطبته : خير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل )) .
|