انتقادات تخرج من هنا وهناك لشخص الرئيس جلال الطالباني بسبب برقية عزائه للرئيس السوري بمقتل عدد من اركان نظام حكمه هناك، بل ووجدت اصحاب تلك الانتقادات الفرصة مجددا لإثارة اتصال مام جلال بالرئيس المصري مبارك قبل تنحيه عن السلطة ، وهي انتقادات لا تخرج من حيث اعتقادنا من محاولات تشويه صورته الانسانية امام الراي العام السياسي والثقافي بل وحتى الاجتماعي الذي يحتفظ به عامة الناس من جميع الالوان والاطياف عرفانا لمواقفه المشهودة في ظرف كل زمان ومكان ، ومن هنا لست أدري ان كان هؤلاء ((المثقفون)) على فهم وادراك موضوعي بطبيعة المجريات والمتغيرات في المنطقة أم لا..؟؟خصوصا حين وقع الاغلبية منهم في سوء التقديرات لما تجري على الساحة السورية ألآن ، واطرافها المجاورة لها مستقبلا في ضوء قراءتنا لطبيعة الاهداف والغايات من هذه المجريات ، وكأن الذي يحصل هناك من احتجاجات واصطدامات مسلحة هي تحصيل حاصل لفكر ثوري اصيل تبلور أخيرا ليكون بهذه الصورة التي نشهدها الان ،متناسين وهذه هي مصيبتهم الكبرى ان كل الثورات في العالم مرت بمراحل انتقالية قبل ان تتحول لضرب المضاجع سوى((ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وأخيرا سوريا)) فقد قطعت هذه الثورات كل المراحل بأشهر بل بأيام قليلة فأصبحت لديها ((الدبابات والمدافع الرشاش واسلحة مقاومة الطائرات بل واكثر من هذا اصبحت لديها فصائل وافواج من ((ثوار)) لحرب العصابات الذين يجيدون فن الاقتحام والانقضاض على الاهداف))..!!بحكم معرفتي المتواضعة لطبيعة هذه المجريات في سوريا تحديدا انها ليست بثورة كما يزعم البعض ، بل هي مخطط جاء وفق ستراتيجيات خاصة تمت الاستعداد لها منذ امد بعيد لتشمل البلدان التي تقع ضمن حدود دول محاور الشر التي اشار اليها الرئيس الامريكي في اول خطاب له بعد كارثة برج التجارة العالمي التي شملت في حينها اضافة لسوريا كل من العراق وايران وكوريا الشمالية ، وربما ان ((المثقفين)) على علم ومعرفة لكل ما حصل في المنطقة والعالم بعد الحدث الذي هز العالم في غفلة ،وكان سببا للولايات المتحدة الامريكية ان تعد عدتها للقيام بدور اكبر للدفاع عن امنها القومي ومصالحها في المنطقة ، في وقت وكانت تنظيم القاعدة الارهابي قد وسعت من نشاطاتها التخريبية والتدميرية في العديد الدول المساندة للسياسة الامريكية في المنطقة....
وازاء هذه الحقائق والتي هي ملموسة ولا حاجة للأدلة والشهادات فان ((الثورة)) السورية التي تصفق لها العديد من الايادي تبقى تلفها الغموض والتعقيد في ظل التدخل التركي الذي يسعى بكل الاتجاهات للعودة بأمجاده العثمانية التي انهارت بفضل الدعم العربي للسياسة البريطانية في حينها، وان اسباب تدخله ليس بمعزل عن أهداف سياسية وهواجس ومخاوف سعودية وقطرية ذات (خمسة مليون نسمة) المشتركة من المد الشيعي الذي بدا منذ فترة ليست بقصيرة يدق ابواب الخليج من اوسع ابوابه مما اثار قلق العديد من البلدان خصوصا في وقت وايران تراقب التطورات بحذر شديد ، وهي تجري مناوراتها العسكرية على ضفاف الخليج على هذا الاساس....
وعلى ضوء ما تقدم نعتقد ان ما يجري في سوريا هو جزء من الصراع وجزء يسير من استراتيجية الخاصة بالمنطقة التي ايقظتها المخاوف الإسرائيلية من امتلاك ايران للقنبلة النووية ، ومخاوفها من اتساع قدرة التسليح لحزب الله اللبناني الذي يحظى بدعم مباشر من ايران وسوريا. ولا علاقة لها بدكتاتورية آل اسد التي يتجاوز عمرها لأكثر من اربعة عقود..
ومن هنا يبدو لي ان الكتابات التي دارت في فلك الطعن بشخصية مام جلال بسبب برقية العزاء ليست الا محاولة يائسة لبضعة كتاب أرادوا ان ينالوا الشهرة على حساب القيم والتقاليد الثورية التي يتصف بها مام جلال قبل ان يكون رئيسا منتخبا على العراق بإرادة العراقيين ، وان كل ما يجري على الساحة السورية من تدخلات اقليمية ودولية للإطاحة بالنظام لا يمكن باعتقادي ان ينال من اعتزازنا نحن الكورد للشعب السوري الذي وقف لنا نظامه السياسي ذات يوم ونحن في احلك الظروف وقفة مشهودة تستحق منا الاشارة دوما لها، لأنها اعادت لنا الروح ان نقف مجددا بوجه اشرس نظام دموي فاسد حين فتحت لنا الاجواء ان نبدأ اولى خطواتنا من هناك ، ولم يستسلم رغم كل محاولات وضغوطات الاطراف العربية المساندة لنظام صدام لوقف مساندته لنا نحن الكورد مشاركا بذلك اياه للعديد من النظم السياسية التي ادركت ، بل واعترفت بمدى مظلومية الكورد في كل مكان التي لا تزال القسم الاكبر منه يعيش الى الآن في ظل النظم المستبدة والمغتصبة لحقوقه القومية والوطنية. وهذا يعني ان الذين فسروا مواساة الرئيس مام جلال حسب الاهواء والمزاج ، واحتجوا عليها كانت وليدة عواطف آنية وانفعالات شديدة وقعوا من اثرها في دائرة الاستفهام والتعجب ، لان ما اقدم عليه الرئيس مام جلال ليست بطعنة موجهة غادرة من الخلف كالتي تشهدها الساحة السورية نفسها حيث اختلطت الاجناس والالوان هناك مع بعضها البعض لتقول (كلمتها المعلبة الجاهزة) التي جاءت بفعل عدة عوامل ربما لا يدركها البعض جيدا ..
لقد اظهر مام جلال بموقفه هذا صورة الكوردي الوفي لمبادئه الانسانية ، واراد ان يوحي للأطراف كلها ان الوفاء شيء عظيم ، وان السياسة هي صراع المصالح ،وربما وهذا ليس ببعيد ان ما يجري على الساحة السورية ان ينتقل الى اي مكان دون سابق انذار في ظل ما تشهدها المنطقة برمتها من صراعات خفية تخشى الاطراف جميعها من الكشف عنها لأسباب تتعلق بمصالحهم السياسية والاقتصادية،
ما ادهشني هو ان الكتاب الكورد قد سبقوا المعنيين العرب بالقضية السورية فراحوا يكيلون اسخف التهم بمام جلال الرئيس والمناضل وكانه هو الذي اشعل نار الفتنة والاضطراب بهذا البلد، حتى غدا بعضهم ينفث بسمومه الصفراء دون وجه حق ،متناسيا بغباوتهم ان حكمة مام جلال تتعدى تفاهاتهم وسخرية القدر التي يعيشونها ،فلولاه لما عزقت البنادق من جديد لحنها الثوري الهادر من على جبال كوردستان..لولاه لما تغيرت معالم وجودنا وحجم مكانتنا على الساحة السياسية التي نعيش ارقى مراحلها ، وهي فترة ذهبية تناست اصحاب تلك الاقلام اسبابها وكأنها جاءت من تلقاء نفسها دون ان يدركوا حقيقة ما بذله مام جلال من جهد فكري وجهاد سياسي ليكون لنا بصمة في تاريخ هذا الوطن الذي انكر وجودنا هوية وعنوان من تعاقب على حكمه سنينا طويلة ، خلاصة القول ،رغم الضجيج الذي لا يدل سوى على جهلهم لطبيعة فكرك الانساني .. اقول ..مواساتكم سيادة الرئيس. وفاء عظيم...
|