الذي أتمناه فعلا بعد هذه الرحلة الطويلة أن تكون لدينا برامج فضائية خاصة لمناقشة الإلحاد، وتخصيص صوت منبري مثقف أو عالم من علماء الأكاديميات لمحاورتهم ومناقشتهم، وهذا هو واجب المثقف المسلم، سواء كان رجل دين أو ثقافة، هؤلاء شباب ومراهقون، تصارعت الأفكار أمامهم وتساقطت الرموز، وقصفت عقولهم الأفكار الخارجية، وتلك الأفكار تبدا كما يقول علماء النفس عبر الوساوس لتصبح أرادات ثم اعتقادات راسخة، نحن نتجاهلهم وهم يخافون منا، أنا لا أتحدث عن أبناء الشهوات وطالبي الشهرة الذين يلبسون شهواتهم ثوب الحكمة، ليس كل واحد من الشباب كانت لديه القابلية أن يسأل رجال المنابر، لكن كانوا موجودين ونستمع دروسهم في العتبة الحسينية والعتبة العباسية وكنا نستنير بأقوالهم وحكمهم وتحليلاتهم دون أن نقر بذلك.
قرأت في إحدى الكتب عن علماء وشيوخ أئمه مساجد عرب كانوا يهددون من يسأل ولا يحاوروه بل يطردوه من المجلس ويهددوه باستدعاء الشرطة،
الآن لنحلل الموضوع مع أنفسنا عندما يقع الشاب في الشبهة والشكوك وتحيط بهم الآراء السلبية
ولا يجد من يهديه السبيل القويم ويعلمه، لنتأمل في اسم المؤمن ناتج من الأمن مطمئن القلب، والإلحاد يعني الميل عن المسار الطبيعي من يعتمد معاكسة عقله وفطرته.
وصف الإمام الصادق إبليس بأنه عتا عن أمر ربه فتوارثت ذريته الإلحاد، ومن أجمل الحكايات حكاية النمرود حين رأي النار صارت بردا وسلاما على إبراهيم، سأله من أنجاك؟ قال ربي ورب العالمين، قال نمرود لمن حول لقد نفعه ربه فمن أراد أن يتخذ ربًا فليتخذ مثل إله إبراهيم، يقصد أن أمثاله لا يحتاجون إلى إله.
حرف القضية من الاعتراف بحقيقته إلى حاجة بعض الناس، أما هو فلا يحتاج إلى إله ينجيه، أصل جريمة الملحد أنه قرر مسبقا أن ينفي وجود الله تعالى ويرفض الأدلة.
نقرا في قصص الأئمة الأطهار الكثير من المناظرات المهمة والتي تحتاج لتأمل أهل المنابر وأئمة المساجد والصلاة لشرحها وتبيانها، جاء رجل من الزنادقة إلى الإمام الرضا عليه السلام، يسأله كيف هو وأين؟ أجابه عليه السلام: ـ (هو أين الأين بلا أين كيف الكيف بلا كيف، فلا يعرف بكيفيته ولا بأينونته ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء)، قال الملحد هذا يعني أنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس، قال مولاي الرضا عليه السلام (لما عجزت حواسك عن إدراكه نكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء) قال الرجل الملحد هو متى كان فقال المولى سلام الله عليه (اخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان)، امتدح عبد الله بن المقفع الإمام الباقر حين راه في المسجد الحرام اعترض ابن أبي العوجاء وقال ليحاوره أجابه سيفسد عليك ما في يدك، ذهب إليه وعاد إلى ابن المقفع ليقول له ما الذي فعلت؟
قال ابن أبي العوجاء قلت له: ـ ما منعه أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان؟، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به؟ فقال الإمام الباقر عليه السلام
- (ويلك كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشرك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك) وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي، التي لا أدفعها حتى ظننت بأنه سيظهر فيما بيني وبينه.
سأل احد الملحدين سؤالا يظنه تعجيزيا، هل يقبل ربك أن يضع الدنيا في بيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا، فقال الإمام عليه السلام انظر أمامك وانظر فوقك واخبرني ماذا ترى فقال أرى سماء وأرضا ودورا وبراري وجبالا وأنهارا سبحان الذي قدر أن يدخل الذي تراه كله في عدسة العين التي هي أقل من البيضة، فهو يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، وهناك الكثير من الأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى
نحن نريد أن لا يفقد الشباب ثقتهم بأهل الاختصاص ما دمنا نؤمن بأن الإسلام دين لا يتعارض مع العقل أو العلم يرى أحد الشباب بأن الملحد لا يؤمن بالقران، كيف تحاوروه بالقران وهو لا يؤمن بالنبوة، يؤمن بالأدلة العقلية فقط فلنبحث معه الأدلة العقلية، والبحث بما يؤمن به من مسلمات عقليته، وأنا على يقين أن أغلب ما يؤمن به يتناقض مع ذاته وإنسانيته هو لا يؤمن بالله إلا حين يراه (أرني الله) وهو عاجز أن يرينا كرامته/ شرفه /عرضه /إنسانيته/أحاسيسه /مشاعره/ لكنه يؤمن بوجودها دون أن يراها.
يواجه الملحدون الكثير من المشاكل في استيعاب كيف وجد الخالق نفسه؟ عندهم الله سبحانه وتعالى عصي على التفسير، يقول الدكتور دوكنز علم الأحياء وزميله جيري كوين أستاذ بيولوجيا في الجامعة شيكاغو سنفترض بأن الله خلق البكتيريا على ما فيها من تعقيد ودقة متناهية سيكون هو بذاته إلها بالغ التعقيد سيتعين علينا إيجاد تفسير لهذا الإله، التصميم الذكي.
ملحد آخر الدكتور ريستنفر يناقضهما، يقول الأنظمة المعقد لا تحتاج قواعد معقدة لكي تتطور من أصول
بسيطة، عندهم حيرة كبيرة هل الله صانع بسيط أم صانع معقد؟ وهذا هو الغوص في الجهل.
لا أحد منهم يستطيع أن يفهم تفاصيل شيء كالانفجار العظيم هو التناقض ويقول دوكنز المشكل كيف وجد المصمم نفسه؟ وكيف يكون الكون معقد دليلا على عدم وجود خالق؟ هؤلاء قوم انتهوا بقصر علومهم إلى الجحود يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (لا تستطيع عقول المتفكرين جحده؛ لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن، وهو الصانع لهن؛ فلا مدفع لقدرته)، هذا يعني أنهم جحدوا الخالق بألسنتهم، إلا أن ليس للعقل أن يجحده.
|