تجسد الحكاية في النص الخطابي (خطبة الجمعة) إمكانية تعبيرية بما تحمل من الإيحاء الذهني والروحي الذي يخلق مساحة تأثيريه وتغيير نمطية السكون إلى حراك فاعل، تنطلق الحكاية في خطبة الجمعة لسماحة السيد أحمد الصافي إلى منطلقين أساسيين.
المنطلق الأول.. يرجع فلاش باك إلى الماضي ينهل منه الحكاية ثم ينطلق بمنطلق ثاني من الزمن (الآن) الحاضر زمن تحرير الحكاية (الإرسال) إلى الزمن المستقبلي لتتفاعل الحكاية مع كل جيل وحكايتنا ينقلها الإمام الباقر عليه السلام، الذي عاش في زمن دولة تجرأت على الإمام الحسين عليه السلام وتجرأت على جدهما أمير المؤمنين سلام الله عليه، أسمعوه من السباب والشتائم وعلى منابر المسلمين، وكان هذا العصر هو عصر التمرد على بيت الرسالة وإشارة إلى ما تحمل الحكاية من مضمون وطاقة تعبيرية وتجليات في حضره النبوة تعلمنا كيف نستفاد من القيم الجمالية المعبرة لإثراء الحكمة، وهذا الإثراء هو أسلوب المعصومين عليهم السلام، تعتبر الحكاية رغم عمقها شكل أبداعي وظفه سماحة السيد أحمد الصافي في بنية النص الخطابي، ليتجاوز المضمون حروفها ويقدم لوحة مضمون تبهر المتلقي، وتنشط ذاكرته، وخاصه أنها الحكاية التي رواها إمام معصوم وذكرها للتبرك في مقام النصيحة ومقام التوجيه، فهي حكاية حدثت في زمن النبي شعيب عليه السلام وهو من الأنبياء العرب، بعث إلى قوم مدين وهم عرب شمال الجزيرة العربية، وتقع مدين بين مكة وفلسطين، لقد كانت بعثته قبل بعثة موسى عليه السلام، أرسله الله سبحانه بعد نبيه هود وصالح ولوط عليهم سلام الله، وقوم مدين ذكروا في القران الكريم بإصحاب الأيك
لم يأمنوا بدعوته عليه السلام وكفروا بالله تعالى فعبدوا شجرة من الأيك وشاع بينهم الفساد، اتخذ الإمام الباقر عليه السلام هذه الحكاية ليعكس الأثر ويكون نصيحة خارج النمط المعتاد موعظة وثقافه استيعاب الموروث الرسالي، فقد أوحى الله سبحانه وتعالى إلى شعيب النبي عليه السلام (إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألف من شرارهم وستين ألف من خيارهم)
أي أن نسبه الأخيار أكثر من نسبه الأشرار في العقوبة، والأخيار تشكل نسبة تجذب الفضول الإنساني إلى معرفة الحكمة الإلهية، وفهم هذه الحكمة بطبيعتها قضية ارتقاء معرفي وجمالي يحمل روح الأثارة، السؤال، يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟
السؤال هنا إقرار إنساني بأن الأشرار يستحقون العقاب لكن الأخيار ما ذنبهم؟
الله سبحانه وتعالى هو الخير المطلق الذي يبعث الجمال ويؤسس قيم الإدراك المعنوي بين الشر والخير وهذا المحور هو الذي أراد الإمام الباقر عليه السلام أن يكشفه للمتلقي، الإدراك هو غلبة البصيرة على الحواس وهذه الفكرة هي دعامة من دعائم الاتصال الإنساني.
يرى سماحه السيد أحمد الصافي العذاب لا ينزل على الخير بما هو خير من جميع الجهات، بل حتى على الشر، الله سبحانه وتعالى يمهله الكثير من الوقت حتى يصل إلى حالة تستحكم فيها غضب الله عليه، البعض يحاول استغلال هذه النعمة بالإكثار من المعاصي، فأوحى الله سبحانه إليه (إنهم الأخيار داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني وجود رادع في وجه من يفعل المنكرات، يتعمق سماحه السيد أحمد الصافي في هذا المحور لأهميته فهو يرى إذا نمى المنكر يخرج من التأثير الشخصي إلى التأثير العام، رد المنكر يعني سعي لحماية المجتمع، يعني اليقظة، خطورة المنكر أن يأخذ حريته بالاتساع دون أن يردع أو يرد أو يمنع، ليصل سماحته إلى حكم لا يتقبل الراي والمزاج، لا بد أن نأمر بالمعروف، أن تقبل أو لا تقبل، ليسمع المقصر فيثبت عليه الحجة، إن اهتدى فيها وإن لم يهتد، كانت الحجة عليه، الحكاية حكاية نبي الله شعيب، وهذا ما يسمى بالتجلي الدلالي والتناص الذي يتيح لنا الاستفادة من الحكاية في كل خطاب وفي كل زمان ومكان، لكل جيل مفاهيمه التي يستمدها من الجذر المعصوم سلام الله عليهم، الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء ليتكلموا، لم يبعثهم ليصمتوا، ولهذا وضح الخطاب قضيه مهمة إننا كمجتمع قد تخلينا عن هذه الفريضة والسبب في طبيعة الإنسان هو أن يداهن مشاكل نفسيه يعزوها سماحه السيد الصافي إلى قلة الثقة بالله سبحانه وتعالى.
حكاية شعيب قد أثرت فينا تأثيرا معرفيا نحن بحاجه أن نتزود من هذه الحكمة وخاصة أننا صرنا نمتلك تقنيات تواصلية عامة ممكن من خلالها تبني الخطاب الإصلاحي، فالنبي شعيب عليه السلام أراد أن يستفهم بمقتضى الموازين من الحكمة الإلهية عن سبب عقوبة الأخيار، تتجلى الحكمة بالاستيعاب من هذا التراث، يشير تحت هداية نبي يستفهم الحكمة الإلهية لنصل إلى النتيجة (أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) والمداهنة تعني مصانعة الظلام أو الركون إلى أهل الفساد والمداراة أن تصاحبه لترشده يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ القلم تمنوا لو تصانعهم،
تتقبل أمور دينهم فيلينوا لك في قبول أمور دينك، انتقاد للسكون والمداهنة أن تسكت عما يجب عليك النطق به، المداهنة تعني ترك الدين لصالح الدنيا وهي محرمة، المداهنة من الدهان الذي يظهر على شيء فيستر باطنه، إظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، اليوم تسير المداهنة تحت مصطلحات معاشيه (كون نفسك) لتعطي المجتمع إنسانا ذئبا، الأمة إذا اختلفت موازينها تختلف طريقه معيشتنا بالنتيجة سنتعب، الإنسان إذا أحب الله أحب كل شيء يريده الله تعالى منه، ومن أزكى الأدعية حين ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الأخيار وان لا نداهن أهل المعاصي، ونغضب لغضب الله ونرضى لرضاه
|