قال حكيم: إن القراءة يا ولدي بلاد، ولكل بلد خارطة وحدود، لم أفهم العبارة جيدا، لكني اكتشفت أن القراءة تحتاج إلى التدقيق والتحقيق، ومعرفة كل جملة كنت أقرأ في كتاب كربلاء في الذاكرة للمؤرخ الدكتور سلمان هادي ال طعمة، يقول أن السلطة البريطانية اعتقلت بعض الشخصيات المدينة منهم السيد حسين الدده في لقائه مع الأستاذ عبد الرزاق الحكيم، توقفت عند هذه المفردة(الدده) ماذا تعني الدده؟ ومن هو السيد حسين الدده؟ أن التاريخ جميل لكن لا يمكن أن نمر به على هذه المعالم مرور الكرام، بل لا بد أن نتوقف عند كل عبارة كل اسم كل مفردة، قلت أساله من هو سيد حسين الدده، ومن أين أتت مفردة الدده ومنهم آل الدده.
شعر حينها الأستاذ عبد الرزاق بأن القضية شغلت بالي كثيرا فقال لي مبتسما كنت مثلك أبحث عن هذه الأمور، فوجدت مصدرا مهما للكاتب وهاب الدده الموسوي، وفيه وجدت معلومات مهمة عن آل الدده، فرحت كثيرا وأنا أجد ضالتي عنده، فقال انتبه أولا لمسألة مهمة أن ليس كل من حمل لقب الدده ينتمي إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، كلمة الدده لقب في أحدى الطرق الصوفية االبكتاشية يلقب كل من ينتسب إلى هذه الطريفة، حتى يصل مرتبة الدده، ليس بالضرورة أن يكون من لقب بالدده ينتسب إلى السادة آل الدده الموسوية الذي يعود نسبهم إلى السيد محمد (بكتاش ولي) يعود نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر قلت أستاذ لا تتركني في حيرتي أو ربما مثل هذا الإطلاق سيزيدها حيرة فقال يطمئنني لا لن أتركك، سأقول لك أن الدده كلمة أو مصطلح تركي معناه الأب الروحي الكبير وقد أطلقت لأول مرة على سيد الحاج محمد خنكار ولي (بكتاش ويلي) نسبه يتصل بإبراهيم المجاب عليه السلام، قال يوجهني.. انتبه لي" قلت له أنا حضرت من أجل هذا، قال في أواسط القرن السابع الهجري ظهر في نياشبور من أعمال خرسان شخص اسمه محمد الموسوي من سلالة إبراهيم المجاب أسس طريقة صوفية اثني عشرية سميت بكتاش قلت مهلا أستاذي أبو ثامر وما معنى فيكتاش أجابني: يعني الأمير سافر إلى تركيا في زمن أورخان واستوطن في قرية، قير شهر التي سميت فيما بعد باسمه (باكتاش ولي) وأمتاز بين معاصريه باللقب العلوي وصارت له مكانة بين المتصوفة كالرفاعي في العراق والدسوقي وأحمد البدوي في مصر وأبناء الشيخ عبد القادر الجبلي في العراق لأنه المرجع الروحي لهذه الطريفة سميت دده ولم تكن هذه الكلمة معروفة بالدول العربية والإسلامية إلا بعد الفتح العثماني وانتشار الطريقة في أنحاء الإمبراطورية مراتب هذه الطريفة المريد هو المنتسب البابا مرتبة أعلى من المريد ثم الخليفة ثم الدده صاحب حظوة يتولى التكية وينصهر في الأب الروحي الكبير.
شعرت بأن الموضوع طويل أو ربما صبري قليل أريد أن أعرف علاقة البكتاش بالعراق بكربلاء ويبدو أن الأستاذ أبو ثامر فهم قصدي فقال:
ـ أول شخص قدم العراق من أحفاد السيد الحاج البكتاش ويلي هو الزعيم الديني المدعو (السيد عبد المؤمن الدده)، في منتصف القرن العاشر الهجري هاجر من قرية (قير شهر، سكن كربلاء بجوار قبر جده الحسين عليه السلام، أنشأ في باب القبلة على يمين الداخلي في الصحن الشريف تكية تعرف باسم البكتاشية بعد وفاته دفن فيها، وكذلك دفن فيها الشاعر الصوفي فضولي وكان قبر عبد المؤمن دده يزار من قبل الدراويش الذين يطلق عليهم (السراة) آياتون من تركيا ومن البلاد الإسلامية.
يبدو لي أن الموضوع وصل إلى مرتقاه، إلى جوهره، ومعناه رحت أسال عن موقع المقبرة اليوم؟ أجابني
- بعد إنشاء شارع المحيط بالعتبة الحسينية المقدسة انفصل القبر خارج الصحن وبقى إلى سنه 1968 م أعيد بنائه من قبل الحكومة التركية وبقي الى 1991م حين هدم بعد الانتفاضة الشعبانية من قبل الحكومة البعثية.
سأحدثك عن منجزات الجد الأعلى للساده آل الدده، السيد عبد المؤمن الدده هو الذي سعى لإيصال الماء إلى كربلاء في زمن السلطان سليم الأول، زاره في خلوته ولمس منه كرامات وطلب السيد عبد المؤمن حفر نهر سماه نهر الحسينية.
وهو نفس النهر الموجود اليوم كانت من مهام عائلة الدده إشعال القنديل الموجود داخل الضريح الحسيني منطلقا من التكية وبعدها يقوم بخدمة العتبة الحسينية الشريفة باشتعال القناديل الأخرى وكان صاحب كرامات.
أجلس أمام الأستاذ بهدوء التلميذ وأسال ربما أخجل أحيانا من قصور أسئلتي أو من عجلة أمرها فهي تريد أن تقفز على تسلسل الحديث.
أستاذ الآن هل لديهم قبور تزار اليوم؟ أجابني
- لا، لا يوجد قبر لأي شخص من آل الداه في كربلاء كان القبر الوحيد الذي يزار هو قبر عبد المؤمن الدده، ولم يكن له أخوة قدم العراق ومنه انتقلت التولية لحفيده السيد صادق بن جعفر الدده.
كل معلومة جديدة تداعب أحساسي ويخيل لي أن رصيدا علميا جديدا يدخل إلى راسي، لا بد أن أزكيه بالسؤال.. وآل الدده في الحلة؟ قال لي
- لا تستعجل صبرك عليّ، نزح شقيقه السيد إسماعيل بن جعفر الدده من كربلاء وسكن جنوب شرق الحلة أثناء حكومة القاجار وأسس تكية كانت تعرف بتكية (الددوات) في قرية الدولاب، واستمرت التولية في أحفاده، هدمت أثناء توسعة شط الحلة عام 1957 م وصلت تولية كربلاء إلى السيد أحمد الجد الرابع للأسرة الموجودة في كربلاء وكان يسمى (بسريك صان) نصبه الرئيس الأعلى للطريقة البكتاشية متوليا، توفى بمرض الطاعون الذي حل في مدينة كربلاء، ودفن في التكية المذكورة بعدها اندمج ابنه السيد محمد تقي المعروف بالدرويش في سلك خدمة العتبة الحسينية وكذلك رعاية شؤون الدراويش من الزوار، واستمر أحفاده في خدمة العتبة الحسينية
- لا بد أن أرجع بالسؤال إلى حيث منطلق المحاورة الدوري الوطني الذي شارك به آل الدده في كربلاء
- أجابني هم يحملون الدم الكربلاء لكنهم لم يشاركوا في الانتفاضات ضد الإمبراطورية العثمانية خوفا من انقطاع الاتصال بالرئيس الأعلى للطريق البكتاشية في تركيا قام الاحتلال البريطاني واشترك عميدهم عبد الحسين الدده المعروف بالسيد حسين في ثورة العشرين مع ابنه السيد هاشم، من موقفه المشهور حين هرب السجناء من سجن أبو غريب العسكري البريطاني هو الذي يستقبلهم وأخذهم إلى مكان آمن في منطقة العطيشي وبدأوا في مقاومة الاحتلال من ذلك المكان، قلت
- اشعر أن في الأمور ما هو مخفي رحت أسال.. أستاذ هل يعقل أن رجلا قائدا من هذا الوزن يستسلم بسهولة، كيف استسلم أمر فيه الكثير من القول والاستفهام ابتسم لي وقال أن البريطانيين كلف السيد حسين الكمونة بالتفاوض معا السيد حسين الدده على أن يلقوا السلاح ولهم الأمان وعلى اثر هذه الوساطة قاموا بتسليم أسلحتهم ولكون الإنكليز لم يكونوا أوفياء بوعودهم، حكم عليهم بالسجن، وسجن في سجن الحلة العسكري البريطاني وحكم على السيد حسين الدده بالإعدام.
ثم أفرج عنهم وبعد تأسيس الحكم الوطني في العراق انتخب السيد حسين الددة نائبا في برلمان العراق ولعدة دورات إلى إن توفى في صيف 1948م في مشهد الأمام الرضا عليه السلام ودفن في تكية كربلاء وأبوه السيد عباس الدده كان زعيم الطائفة البكتاشية وله دور كبير في نشر التشريع في البانيا ومقدونيا ودول أخرى
|