• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإمامُ عَليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) رائدُ الوَعيُ الفكريّ .
                          • الكاتب : د . اكرم جلال .

الإمامُ عَليّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) رائدُ الوَعيُ الفكريّ

 إنّ الوَعيَ بحقائقِ الأشياءِ مُرتبطٌ بالكمالاتِ المَعرفيّة والمقامات العلميّة، والتي لا يُدرِكُ مَقامها إلا الخواص مِمّن صَدَقت نواياهم، وحَسُنَ سَيْرَهم إلى اللهِ تعالى، فَطَوَوا بذلك المَراتب واعتَلَوا أَعلى دَرَجات القُرب الإلهي.

والحقائقُ وإنْ بَدَت خافية على الكثيرين، إلا أنّ وجودها ثابتٌ في عالَمِ التّكوين وأنّ لها تنوع في المظاهر، وأنّ إمكانية إدراكها لِمَن تدرّج في مقامات الإدراك واعتلى درجات الوعي المعرفي هو أمرٌ مؤكّد. والحقيقةُ وَحدةٌ واحدة، لا كَما يَعتقد البعض أنّها مُجَزّأة وَمُبَعثرَة، لكنّها تحمل مَظاهر مُتعددة، والمؤمن بوعيه وبصيرته يستطيع أن يَقف عند تلك المظاهر ويستوعبها ويتقبّلها، كُلٌّ حسب مَراتِبَ وَعيه وَمَقامَ إدراكه.

والإنسانُ وَمِن خلال تَدَرّجه في مَقامات الوَعي المَعرفي يمكن له يبلغ مراتب الإحاطة بمظاهر الحقائق، كما أن بإمكانه أن يدرك بواطن الأشياء وأبعادها الكونيّة، وتلك مراتب الأنبياء والأوصياء والمعصومين.

فالمعصوم قد بَلَغَ مِنَ المَقامات المعرفيّة دَرَجةً استوعَبَ بها أسرارَ الوجود، وانَّ علومهم أكتسابيّة، وربّانيّة لدنّيّة، عَطيّة الروح مِن أمرِ اللهِ تعالى، وهو القائل جل جلاله: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52].

إذَن للعقل مَراتب في إدراكِ حقائق الأشياء، فَمِنَ الناس مَن يَمتلك مِنَ العَقل ما يبلغ به مقام علم اليقين، وهو الإحاطة العقليّة بظواهر الحقائق وإنْ لَم تحصل المشاهدة العينيّة، وإنّ مِنهم مَنْ يَبلغ مَقامَ عَين اليقين، وهيَ المشاهدة العينيّة لظواهر الحقائق، وأما الخواص من الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين فقد بَلَغوا مَقامَ الإحاطة العَقليّة بحقائق الوجود من خلال الارتباط الفكري والوعي الإدراكي والشعور والتَّماس الحسيّ الذي يتجاوز محدودية العقل الدنيوي (المادي).

إذن الوعيُ مقامٌ مُرتبط بالمستوى المعرفي وأنَّ قوامَه العِلمُ النافع والمَنهج والعقيدة والسلوك على أرض الواقع، وبذلك يكون هذا الوعي شاملاً لجميع مناحي الحياة، ومُوَجِّهاً للسلوك القويم وبوصلة نحو الصراط المستقيم، لذلك وَرَدَت الإشارة إلى مفهوم الوعي في أكثر من آية في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: 12].

إنّ الوعيَ المَعرفيّ الشامل هو ذلك الكمّ المُتراكم مِنَ الفكر الصحيح والمفاهيم النقيّة التي تتربّع على أساس التوحيد والإخلاص.

والإمامُ أميرُ المؤمنين عَليٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كانَ يَدعو إلى التسلّح بالوَعي الفكريّ الشامل، من خلال التفقّه في الدين، والتدبّر في كتابِ اللهِ الحكيم، والتفكّر في آيات الله تعالى، مِنْ أجلِ بلوغ أَعلى مَقامات المَعرفة في الأصول والفروع، وباقي الأفكار المفاهيميّة ذات العلاقة، وترجمتها إلى مَنهَجٍ وَسلوكٍ مُتكامل لكي تؤتي أُكلها وتُجنى ثمارها.

إنَّ تَرسيخَ الوعيَ الفكريّ كانَ في سُلَّمِ أولويات المنهج التربوي للإمام عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، فهو الذي خَطّط لهُ وأعدّ العدّة وَعِملَ على نشره في أوساط المجتمع الإسلامي، لِعِلمِهِ أنّ المُؤمن وَمن أجل أن ينال درجات البصيرة، عليه أن يتسلّح بالوعي لإكمال السير بطمأنينة واستقرار، وبإيمان روحي وارتباط حقيقي ثابت لا يتزعزع أمام التيارات والسلوكيات المنحرفة الجارفة، والمفاهيم المعوجّة التي تفرّق شَمْلَ الأُمّة وَتُشتت وَحدَتَها.

وَقد وَرَدَ في كتابِ نَهْجِ اَلْبَلاَغَةِ، تَصْنِيفِ اَلسَّيِّدِ اَلرَّضِيِّ اَلْمُوسَوِيِّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ، قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ: أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَأَخْرَجَنِي إِلَى اَلْجَبَّانَةِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ اَلصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ: " يَا كُمَيْلُ إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ اَلنَّاسُ ثَلاَثَةٌ عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ ولَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا كُمَيْلُ اَلْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ اَلْمَالِ اَلْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وأَنْتَ تَحْرُسُ اَلْمَالَ واَلْمَالُ تَنْقُصُهُ اَلنَّفَقَةُ واَلْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى اَلْإِنْفَاقِ وصَنِيعُ اَلْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ اَلْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ ويَكْسِبُ صَاحِبَهُ اَلطَّاعَةَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وحُسْنَ اَلْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ واَلْعِلْمُ حَاكِمٌ واَلْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ هَلَكَ خُزَّانُ اَلْأَمْوَالِ وهُمْ أَحْيَاءٌ واَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ اَلدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وأَمْثَالُهُمْ فِي اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا عِلْماً جَمّاً لَوْ أُصِيبُ لَهُ حَمَلَةً وأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ بَلَى أُصِيبُ لَهُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلاً آلَةَ اَلدِّينِ لِلدُّنْيَا ومُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ اَلْحَقِّ لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ اَلشَّكُّ فِي قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلاَ لاَ ذَا ولاَ ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ اَلْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ واَلاِدِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ اَلدِّينِ فِي شَيْءٍ أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا اَلْأَنْعَامُ اَلسَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ اَلْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ اَللَّهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو اَلْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً كَيْ لاَ تَبْطُلَ حُجَجُ اَللَّهِ وبَيِّنَاتُهُ وكَمْ ذَا وأَيْنَ أُولَئِكَ أُولَئِكَ واَللَّهِ اَلْأَقَلُّونَ عَدَداً واَلْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اَللَّهِ قَدْراً يَحْفَظُ اَللَّهُ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ بِهِمْ حَتَّى يُوْدِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ ويَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ اَلْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ اَلْبَصِيرَةِ وبَاشَرُوا رُوحَ اَلْيَقِينِ واِسْتَلاَنُوا مَا اِسْتَوْعَرَهُ اَلْمُتْرَفُونَ وأَنِسُوا بِمَا اِسْتَوْحَشَ مِنْهُ اَلْجَاهِلُونَ وصَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ واَلدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ سِرّاً وجَهْراً آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ."1.

كانَ الوعي الفكريّ في سُلَّم أولوياته (سلامُ الله تعالى عليه)، حيث أولاه عناية فائقة، فقد كان نَهجه وسلوكه امتدادًا لنهج وسلوك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو تأسيس قاعدة فكريّة نورانيّة قوامها القرآن الكريم، تَحمل الرسالة المحمديّة والهداية العلويّة عقيدة وسلوكًا من أجل إرشاد الأمة والأخذ بأيدي الناس نحو جادّة الخلاص.

والإمام عليّ (عليه السلام)، وهو وَصيُّ النبيّ الأمين، وإمام المتقين، يَعلمُ أنَّ الفكرَ الرشيد والوعي الهادف هما الركيزتان الأساسيتان لبناءِ أُمّة العَدل والصلاح والخير والرفاه، وأنّ تهديم هذه الركائز سيجعل مِن هذهِ الأمة فريسة سهلة للإستقطاب الممنهج مِنْ قِبَلِ دُعاة الجهالة ومروجي الثقافات الضالّة، مِنْ أجلِ حَرفهم عن جادّة الصواب، وَتَحجيم قُدراتهم، وَتَحويلهم بمرور الوقت إلى ذوات لا يفرّقون بين الناقة والجمل، وليسهل بعد ذلك على أهلِ الكُفر والنفاق تشتيت الصفّ وتَمزيق الوحدة واطفاء نور الوعي في قلوب العوام، ومن ثم السَّير بِهِم على عمى وحيرة نحو الضلال والخسران، بَعدَ أنْ سَلَبوا مِنهُم نِعمَةَ الوَعي والبصيرة.

والإمامُ (سلام الله تعالى عليه) وَإنْ كانَ حَريصًا على بناءِ وإشاعةِ ثَقافة الوعي بين عموم المسلمين، إلا أنّه اختصّ بذلك ثلّة مؤمنة، ممّن رأى فيهم الصدق والإخلاص، والقلوب الواعية، فكانَ المُخلصون يَلوذون بِعَليٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، يَرتشفون مِنْ مَناهلِهِ العَذِبَة ما يُمَكّنهم من بلوغِ مَراتب الحِكمة والبصيرة، فَأَحاطَهم برعايته وَشَمَلَهم بتربيته، فنشؤوا على الفكر الواعي والبصيرة الحقّة، فلم تكن التهديدات تزعزع إيمانهم ولا الصعوبات تُثني مسيرتهم؛ كانوا يتسابقون في التّضحيةِ مِنْ أجلِ إعلاءِ المبادئ ونشرِ القِيَم التي تربّوا عليها بين يديه، فترجموها فكراً وَمَنهجًا وَسلوكًا.

لَقَد حَمَلَت هذهِ الثُلَّة الأَمانةَ وَتَسَلَّحَت بالوَعي وجاهدَت مِنْ أجلِ مَحوِ الجَّهل وَدَحض عمليات التّجهيل، فكانَ سَلمان، وأبا ذر، وَعمّار، والمقداد، وأويس، ورُشيد الهجري، وميثم التمار، وحجر بن عدي، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر، وغيرهم ممّن عَرَفوا الحَق بعلمٍ وَيَقين وَحَمَلوا رايته وجاهدوا في سبيل نصرته وقدموا أنفسهم قرابين من أجل إعلاء صرح الوعي ورفع الغشاوة عن أعين المخدوعين لكي يُبصروا الحقائق بعين البصيرة لا بعين الجهل والخداع، وكانَ ثَمنُ أغلبَ مَن سارَ على هذا الطريق أنْ نالوا الشهادة وسقطوا مضرّجين بدماءهم، إعلاءً للمبادئ الحقّة والفكر الواعي والمنهج المعرفي.

لَقَد تَعَلَّموا في مَدرَسة عليّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنَّ الطاعةَ تَبلغ أعلى مَقاماتها حينما تَنبع عَن وَعيّ معرفيّ، وأنَّ التّسليم حينما يَكون نتيجة عقليّة ومرتبة من مراتب البصيرة فإنّه يكون ثابتاً لا يتزعزع، لذلك غَرَس أميرُ المؤمنين في الثلّة الخيرة مِنْ أصحابه المَنهجَ الصحيح في التفكير من خلال التثبّت بالدليل والبرهان ما بين الإنفعالات العاطفية والأفكار العقائدية، وأنَّ التَّحقق في صحّة الحُجج والبراهين والثبّت من الحقائق والافتراضات هي الأسس والمناهج الصحيحة في مواجهة دعاة التجهيل والفكر المُنحرف، وهو الرادع أمام ما يقع فيه البعض من لَبس في فهم الحقائق.

رَوَى اَلْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةُ رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ: " دَخَلَ اَلْحَارِثُ اَلْهَمْدَانِيُّ عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي نَفَرٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ وكُنْتُ مَعَهُ فِيمَنْ دَخَلَ فَجَعَلَ اَلْحَارِثُ يَتَأَوَّدُ فِي مِشْيَتِهِ ويَخْبِطُ اَلْأَرْضَ بِمِحْجَنِهِ وكَانَ مَرِيضاً فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وكَانَ لَهُ مِنْهُ مَنْزِلَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا حَارِ قَالَ نَالَ اَلدَّهْرُ مِنِّي يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وزَادَنِي أَوَداً وغَلِيلاً اِخْتِصَامُ أَصْحَابِكَ بِبَابِكَ قَالَ فِيمَ قَالَ فِي شَأْنِكَ واَلْبَلِيَّةِ مِنْ قِبَلِكَ فَمِنْ مُفْرِطٍ غَالٍ ومُبْغِضٍ قَالٍ ومِنْ مُتَرَدِّدٍ مُرْتَابٍ فَلاَ يَدْرِي أَ يَقْدُمُ أَمْ يَحْجُمُ قَالَ فَحَسْبُكَ يَا أَخَا هَمْدَانَ إِلاَّ أَنَّ خَيْرَ شِيعَتِي اَلنَّمَطُ اَلْأَوْسَطُ إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ اَلْغَالِي وبِهِمْ يَلْحَقُ اَلتَّالِي قَالَ لَوْ كَشَفْتَ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي اَلرَّيْنَ عَنْ قُلُوبِنَا وجَعَلْتَنَا فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا قَالَ قَدْكَ فَإِنَّكَ اِمْرُؤٌ مَلْبُوسٌ عَلَيْكَ إِنَّ دِينَ اَللَّهِ لاَ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ بَلْ بِآيَةِ اَلْحَقِّ واَلْآيَةُ اَلْعَلاَمَةُ فَاعْرِفِ اَلْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ يَا حَارِ إِنَّ اَلْحَقَّ أَحْسَنُ اَلْحَدِيثِ واَلصَّادِعَ بِهِ مُجَاهِدٌ وبِالْحَقِّ أُخْبِرُكَ فَأَرِعْنِي سَمْعَكَ ثُمَّ خَبِّرْ بِهِ مَنْ كَانَتْ لَهُ خَصَاصَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَلاَ إِنِّي عَبْدُ اَللَّهِ وأَخُو رَسُولِهِ وصِدِّيقُهُ اَلْأَوَّلُ صَدَّقَتُهُ وآدَمُ بَيْنَ اَلرُّوحِ واَلْجَسَدِ ثُمَّ إِنِّي صِدِّيُقُهُ اَلْأَوَّلُ فِي أُمَّتِكُمْ حَقّاً فَنَحْنُ اَلْأَوَّلُونَ ونَحْنُ اَلْآخَرُونَ أَلاَ وأَنَا خَاصَّتُهُ يَا حَارِ وخَالِصَتُهُ وصِنْوُهُ ووَصِيُّهُ ووَلِيُّهُ وصَاحِبُ نَجْوَاهُ وسِرُّهُ أُوتِيتُ فَهْمَ اَلْكِتَابِ وفَصْلَ اَلْخِطٰابِ وعِلْمَ اَلْقُرُونِ واَلْأَسْبَابِ واُسْتُوْدِعْتُ أَلْفَ مِفْتَاحٍ يَفْتَحُ كُلُّ مِفْتَاحٍ أَلْفَ أَلْفِ بَابٍ يُفْضِي كُلُّ بَابٍ إِلَى أَلْفِ أَلْفِ عَهْدٍ وأُيِّدْتُ أَوْ قَالَ أُمْدِدْتُ بِلَيْلَةِ اَلْقَدْرِ نَفْلاً وإِنَّ ذَلِكَ لَيَجْرِي لِي ولِمَنْ اُسْتُحْفِظَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَا جَرَى اَللَّيْلَ واَلنَّهَارَ حَتَّى يَرِثَ اَللَّهُ اَلْأَرْضَ ومَنْ عَلَيْهٰا وأُبَشِّرُكَ يَا حَارِ لَيَعْرِفُنِّي واَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وبَرِئَ اَلنَّسَمَةَ وَلِيِّي وعَدُوِّي فِي مَوَاطِنَ شَتَّى عِنْدَ اَلْمَمَاتِ وعِنْدَ اَلصِّرَاطِ وعِنْدَ اَلْمُقَاسَمَةِ قَالَ ومَا اَلْمُقَاسَمَةُ قَالَ مُقَاسَمَةُ اَلنَّارِ أُقَاسِمُهَا قِسْمَةً صِحَاحاً أَقُولُ هَذَا وَلِيِّي وهَذَا عَدُوِّي ثُمَّ أَخَذَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِ اَلْحَارِثِ وقَالَ يَا حَارِثُ أَخَذْتُ بِيَدِكَ كَمَا أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فَقَالَ لِي وقَدِ اِشْتَكَيْتُ إِلَيْهِ حَسَدَةَ قُرَيْشٍ واَلْمُنَافِقِينَ إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ أَخَذْتُ بِحُجْزَةٍ مِنْ ذِي اَلْعَرْشِ تَعَالَى وأَخَذْتَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ بِحُجْزَتِي وأَخَذَتْ ذُرِّيَّتُكَ بِحُجْزَتِكَ وأَخَذَتْ شِيعَتُكُمْ بِحُجْزَتِكُمْ فَمَا ذَا يَصْنَعُ اَللَّهُ بِنَبِيِّهِ ومَا ذَا يَصْنَعُ نَبِيُّهُ بِوَصِيِّهِ ومَا ذَا يَصْنَعُ وَصِيُّهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ وشِيعَتِهِمْ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا حَارِ قَصِيرَهُ مِنْ طَوِيلِهِ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ولَكَ مَا اِكْتَسَبْتَ قَالَهَا ثَلاَثاً فَقَالَ اَلْحَارِثُ وقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ جَذَلاً مَا أُبَالِي ورَبِّي بَعْدَ هَذَا أَ لَقِيتُ اَلْمَوْتَ أَوْ لَقِيَنِي."2.

المصادر

1.        نهج البلاغة، ج1، ص495. وخصائص الأئمة علیهم السلام، الشريف الرضي، ج1، ص105. ونزهة الناظر، الشيخ الحسين بن محمد الحلواني، ج1، ص56. وأعلام الدین، الشيخ الحسن بن أبو الحسن الديلمي، ج1، ص85.


2.        تأويل الآيات، السيد شرف الدين علي الحسيني الإسترآبادي، ج1 ص625. وتفسير كنز الدقائق، لشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، ج13، ص59. وكشف الغمة، الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، ج1، ص411. والمحتضر، الشيخ عز الدين أبو محمد الحسن بن سليمان بن محمد الحلي، ج1، ص62. وبحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج27، ص159.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=201166
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 03 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 19