• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : (تأملات في كتاب المصابيح_ لسماحة السيد أحمد الصافي) ٦٦  .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

(تأملات في كتاب المصابيح_ لسماحة السيد أحمد الصافي) ٦٦ 

 (اللطف الإلهي)

تمنح الأدعية متلقيها مجالا واسعا للتأمل، وخاصة في القضايا النفسية والروحية بحيث يكون الدعاء فضاء خصبا للتعبير.
 فمدرسة الدعاء عند الإمام السجاد عليه السلام تمتلك القدرة على الوصول إلى أعماق المشكلة ثم حلها بالمناجاة مع الله تبارك وتعالى، وكأن له قابلية فذة في معالجة المشاكل النفسية للإنسان، سواء كانت فردية أو اجتماعية، وبهذا يقدم لنا منهجا معرفيا في فهم الذات الإنسانية، وتشييد مناطق العمق الإنساني أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، وكيفية استشعار عبودية الله لتحولها إلى قوه معنوية، والبحث في مدارات اللطف الإلهي، تكمن قراءة الأبعاد النفسية في الصحيفة السجادية على رؤية مجموعة من الصفات، التي يتوقف علاجها على الدعاء لاستبدال الصفات السلبية بصفات إيجابيه، مدركة اللواعج النفسية.
دراسة أدب الدعاء تعرفنا إن الإمام السجاد عليه السلام أدرك الأبعاد النفسية قبل مكتشفها فرويد ونظرياته في علم النفس، وترسيخه كعلم إنساني كونه "عليه السلام" نظر إليها باعتبارها من مهام الدور الإصلاحي يعمل على إدامة العلاقة الإنسانية ما دامت في حدود إمكانية الإصلاح والترميم، والاعتماد على القوى الغيبية والإيمان بقدرة الله سبحانه المطلقة، والدعاء باستبدال الرذائل إلى محاسن، ومن أجل حفظ الذات الإنسانية علينا فهم مكونات النزعتين، الرذائل من صنيعة الشيطان، ولمعرفة قدرة الشيطان علينا ومجالات تمكنه التأثيري، نجد أن تأثير الشيطان هو تأثير محدود لا يرقى أن يكون تاما، وتعتمد المساحة التي يشتغل عليها فقط في الدعوة للغواية، ولا سلطة له على الإنسان، لوجود إمكانية وقدرة وهبها الله للإنسان، ويمكن بواسطتها التخلص من مكائده، فنجد بعض علماء وخاصة من أتباع الفكر المادي والنظرية الفرويدية حصروا هدف الحياة في اللذة، وإعطاء القدرة الإنسانية القيادة العليا للذات.
بينما الإمام السجاد "عليه السلام" يدرس وسائل العلاج بمعرفة إمكانية الشيطان وما يملكه لمواجهة الردع الإنساني، ثلاث مشاكل شخصها الإمام علي بن الحسين "عليه السلام" ليبدا منها علاج كل مشكلة (التمني/ التظني/ الحسد)
وهذه المشاكل الثلاث تنمي لنا حالة التسويف، فعندما يفقد الإنسان واقعيته في الأثر الإنساني يصبح فريسة سهلة للشيطان، يلقي عليه الأماني الفارغة، ويلقي في روعه الحسد، وهو طلب ذهاب الخير من الناس، والرغبة في زوال النعمة عن الآخرين، وعدم حب الخير لهم، وهو حالة من حالات المرض النفسي، والإمام "عليه السلام" يرى أن الحكم على الهدف الإنساني من الحياة، ولا تتيسر معرفته إلا عبر معرفة الكيفيات التي يتجاوز بها الفرد مصاعب ومدارك النفس، الحسد يحاسب الله عليه باعتباره انحرافا سلوكيا، وغاية الدعاء توفير القدرة للإنسان تحت ظلال القدرة الإلهية، ويستند قوته من عظمة القدرة المطلقة والتي لا يمكن أن يحيط بها علما.
بين لنا سماحة السيد أحمد الصافي حدود التفكر في آثار الله تعالى ومخلوقاته وعدم إمكانية أن يحيط الإنسان علما بذات الله، واستشهد في شرح أصول الكافي (لصدر المتألهين) صدر الدين الشيرازي (من نظر في الله طالبا كيف هو فقد هلك) لِما علمت أنه منزه عن الكيف والشبه أعلم أن أكثر الناس بل كلهم إلا القليل منهم ضعفاء العقول قصر الأنظار لا يطيقون التفكر في ذاته وصفاته ومعاني أسمائه، ولهذا وقع المنع لهم في الشريعة، وقيل (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله سبحانه) لأن العقول لا تطيق مد البصر إليه، وعليه يكون التفكير في آثار الله تعالى ومخلوقاته.
بناء الشخصية عند علماء النفس يكون أثرا (الطبع/ الانفعال/ الخلق /الحس الجمالي/ التفكير) ولكل فرد له أسلوب حياتي خاص، وعند الأئمة عليهم السلام ترتبط النشأة بأثر الإيمان بالله سبحانه، والتطبع بالعبادة، والتفكر في قدرة الله تعالى يستمد منها قوته، وهذه تعد من أفضل للعبادات، لهذا لا يستطيع أي إنسان أن يقول لي القدرة على أن أمنع تأثير الله سبحانه وتعالى علي، أو أن أغيب عن سلطانه.
وهذا نداء فطري لا يمكن أن ينتهي، وتفسير علماء الناس فيه الكثير من المتناقضات فيما يرون، لان الأمر الفطري لا يتغير والإمام "عليه السلام" يرينا بعض الحالات التي تمر بالإنسان فينزغ في قلبه نزغ الشيطان، الحل الذي عند إمامنا السجاد "عليه السلام" هو أن يجعل التمني نوعا من التفكر في قدرة الله تبارك وتعالى، وحالة التفكر في قدرة الله سبحانه تحصن الذات الإنسانية من الحسد، ويرى سماحة السيد أحمد الصافي إن على الإنسان أن لا يعطي لعقله إجازة غير مسموح بها، الله تبارك وتعالى عندما أتم الخلق أراد منهم أشياء وهذه الأشياء هو لا يحتاجها، هو في غنى عنها، لهذا من الأمور المرفوضة أن نمنح العقل إجازات مفتوحة، هذا تسويف للنفس، والعاقل محصن نفسيا وعقليا من التسويف والانفلات الغير منضبطة، لهذا يدعو الإمام "عليه السلام" أن يحول هذا الذي القاه الشيطان من الحسد إلى تدبير، علماء النفس يعملون على أبعاد جاذبية التأثر، والتأثير عن الغيبيات الوجدانية، وجعلها تنحصر بين الذات والموضوع، وابتكروا قضية (الحيز الحيوي) الأثر النفسي ضمن حدود الدوافع والقدرات وعناصر البيئة التي تقع ضمن مساحته الإدراكية، والفكر الإسلامي اهتم بقضية الأثر النفسي الإمام السجاد "عليه السلام" يرى أن الحسد مثلا يجر إلى حالة من الاحتقان الداخلي، لا يمكن أن يهدا له بال، ويمر بحالة من حالات الصراع، ويجلب الحاسد الشقاء لنفسه، ويعاني من الصراع النفسي ويخلق حالات التوتر، فيجعل الإمام العلاج بالدعاء ليتحول الحسد إلى تدبير، واستثمار طاقة الإنسان ليتجنب الحسد، فيعمل المنهج المعصوم على تحويل حالة التظني، وحالة التمني، وحالة الحسد، إلى تحويلها لحالة من حالات التفكر في عبادة الله تعالى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=200718
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12