يضع المرء يديه على ملامح عمره، يتحسس بأنامله المرهقة تجاعيد تلك الملامح التي نقشتها السنين. يضع عليها مساحيق التجميل، عله يخفي خدوش الأيام التي أبت أن تُمحى. يرتب بدلة أيامه، يمشط خصلات أمنياته المبعثرة، يحدق في مرآة الأمل التي بدأت تتشقق، ثم يتأمل…
يسقط، حاملًا كل تلك الأثقال التي لم تعد الأكتاف تقوى على حملها. ينهض مجددًا ليجد أن تابوت الذكريات يحتضن جسده الهزيل، وأن روحه عالقة بين السماء والأرض، تبحث عن مخرجٍ فلا تجده.
يعود مرة أخرى، يُرتب جدول أيامه، يجمع بقايا نفسه من ركام اليأس، ويتمتم بصوت مبحوح: “غدًا، سأضمد الجرح، وأضع عليه بعض المعقم لعله ينسى وينام!”
لكن الأيام تأبى إلا أن تصفعه بيدين مبللتين من واقع مرير، لتُخبره أن الجراح لا تنتهي، وأن الحياة سكين مسنونة تُجيد الطعن دون هوادة، وأنه خُلق ليُبتلى، لا ليُضمد جراحه ويُغلقها.
يقبل جبين الرضا في محاولة يائسة للتصالح مع نفسه، يحاول التماسك على حافة الانهيار، لكن داخله يردد:
ولكنك إنسان…
والحزن، يا هذا، لم يمزق قميص صبر يعقوب عليه السلام، فكيف له أن يمزق ثياب روحك؟
|