كانت مدينة النجف الاشرف تتمتع بفكرها الديني ونتاجها العلمي طوال المراحل التاريخية ،لذا لمع في سمائها العديد من الاعلام في اللغة والادب وعلم الحديث وعلم الكلام والفقه وبرزت فيها العديد من المدارس والمقامات الدينية التي افرزت على مر التاريخ أسماء لامعة ليس في المجال الديني فحسب بل كانت لهم النتاجات العلمية في مختلف الميادين وكان اية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي احد عمالقة الفكر الامامي آنذاك وزعيم الحوزة العلمية في النجف الاشرف خلال الربع الأول من القرن العشرين ،بهذه المقدمة اطل علينا الباحث بكتابه الذي بين أيدينا ليبين لنا أهمية مدينة النجف ودورها في الشخصيات التي انجبتها على مر التاريخ والتي قدمت للفكر الإنساني والإسلامي الشيء الكثير ،وعلى هذا الأساس سلط الباحث الضوء على واحدا من تلك الشخصيات المهمة التي عاصرت احداثا مهمة في تاريخ العراق والعالم مبينا سيرة ومواقفه تجاه ما حصل من تطورات سياسية القت بظلالها على المنطقة ،وابتدأ الباحث كتابه بمقدمة أوضح فيها أهمية الموضوع وسبب اختياره لتلك الشخصية التي امتازت بالورع والتقوى والزهد والبساطة في الحياة والتواضع
وقبل الحديث عن مضمون الكتاب لابد من التعريف بالباحث وهو الدكتور حيدر علي خلف التدريسي في جامعة سومر من مواليد عام 1981 وحاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة واسط وهو بدرجة أستاذ مساعد ،له العديد من المساهمات البحثية والمشاركات العلمية في مختلف المؤتمرات والندوات والورش وله ما يقارب ثلاثون بحثا منشورا في مختلف المجلات العلمية داخل العراق وخارجه ،كما اصدر الدكتور حيدر عددا من الكتب منها دراسات حول تاريخ ايران الحديث والمعاصر –الثورة الإيرانية بين الصراع الداخلي والتدخل الخارجي وكتاب الشاه والنفط وأيضا كتاب اخر جاء بعنوان ريغان وايران ،فضلا عن مؤلفاته الخاصة بتاريخ العراق ومنها اهازيج ثورة العشرين وكتاب الثورة المفترى عليها ثورة العشرين في مذكرات رجالها ،وكتاب اخر بعنوان الشيخ مهدي القرشي 1900-1980 حياته واثاره الفكرية والأدبية وأيضا كتاب تأملات في حياة الشيخ باقر شريف القرشي .
والكتاب الذي بين أيدينا جاء بعنوان اية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي اشراقات مضيئة في حياة عالم وهو من منشورات دار عدنان للطباعة والنشر والتوزيع صدر عام 2024 ويقع الكتاب في 160 صفحة وهو كتاب قيم سلط فيه الضوء على شخصية مهمة في تاريخ العراق المعاصر ،حيث تضمن أربعة فصول تحدث الأول منها عن ولادة السيد اليزدي ونشأته فيها وصفاته وطباعة وبعض من كتب عنه ،فضلا عن مرجعيته ومؤلفاته التي تناولت مختلف جوانب الحياة الدينية والاجتماعية ،حيث اعطى المؤلف ملخصا موجزا عن خمسة وعشرون مؤلفا للسيد اليزدي .
اما الفصل الثاني فجاء بعنوان السيد اليزدي والثورة الدستورية في ايران موضحا موقفه من تلك الثورة ومعارضته لها ،فضلا عن بيان موقفه من الاحتلال الإيطالي الى ليبيا عام 1911 وأيضا موقفه من التدخل الروسي في شؤ ون ايران ،اما بخصوص الفصل الثالث فكان بعنوان السيد اليزدي والاحتلال البريطاني للعراق 1914 -1918 موضحا فيه موقفه من احداث مدينتي النجف وكربلاء عامي 1916-1917 وكذلك موقفه من ثورة النجف عام 1918 ،اما الفصل الرابع فحمل عنوان السيد اليزدي ومواقفه من الاحداث التي سبقت ثورة العشرين ،ولاسيما الاحداث التي كانت تعد ممهدات لتلك الثورة ،واختتم الفصل بموضوع وفاة السيد اليزدي في 30 نيسان 1919 ،والى جانب ذلك تضمن الكتاب مجموعة من الوثائق وبعضها كان بخط السيد اليزدي ومراسلاته واجاباته بخصوص بعض القضايا ولاهميتها قام الباحث بنشرها في كتابه .
كما أورد الباحث في نهاية كتابه قائمة تضمنت مجموعة من المصادر التي اعتمد عليها في الكتابة ويأتي في مقدمتها الرسائل والاطاريح الجامعية التي بلغت خمسة اطاريح ،فضلا عن استخدامه لمجموعة من الوثائق وأيضا تضمنت قائمة المصادر مجموعة من الكتب العربية والمعربة والتي بلغت تسعة واربعون كتابا الى جانب مجموعة من البحوث المنشورة في المجلالت العلمية المختلفة .
الواقع ان الباحث كان يمتاز بحس بحثي مميز وأسلوب رائع وسلس في الكتابة من خلال اتباعه تسلسل الاحداث وترابطها وتقديمه رؤية واضحة للقارئ من جميع الجوانب وكان يحلل ما تناولته المصادر ويرجح تلك الآراء حسب ما يتوفر لديه من ادلة وبراهين تثبت ما يتوصل اليه من اراء .كما نود القول بأن الدكتور حيدر واحدا من الباحثين الشباب الواعدين بمستقبل زاهر وسيكون له دور كبير في المستقبل في رفد المكتبة العراقية والعربية بالنتاجات العلمية في مجال اختصاصه .
ختاما أتقدم له بخالص الشكر وعظيم الامتنان لاهدائي مجموعة من مؤلفاته القيمة والتي سوف نسلط الضوء عليها تباعا في مقالات أخرى قادمة ونتمى له الموفقية والمزيد من العطاء خدمة للمسيرة العلمية .
|