• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تفسير الشيخ مكارم الشيرازي لآية اكمال الدين واتمام النعمة بولاية الامام علي عليه السلام (ح 2) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

تفسير الشيخ مكارم الشيرازي لآية اكمال الدين واتمام النعمة بولاية الامام علي عليه السلام (ح 2)

تكملة للحلقة الأولى عن واقعة غدير خم جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ﴿المائدة 3﴾ ومع ذلك فإننا نرى بعضا من العلماء المتعصبين من أهل السنة كالآلوسي في تفسير "روح المعاني" الذي تجاهل الأخبار الواردة في هذا المجال لمجرد ضعف سند واحد منها، وقد وصم هؤلاء هذه الرواية بأنها موضوعة أو غير صحيحة، لأنها لم تكن لتلائم أذواقهم الشخصية، وقد مر بعضهم في تفسيره لهذه الآية مرور الكرام ولم يلمح إليها بشئ، كما في تفسير المنار، ولعل صاحب المنار وجد نفسه في مأزق حيال هذه الروايات فهو إن وصمها بالضعف خالف بذلك منطق العدل والإنصاف، وإن قبلها عمل شيئا خلافا لميله وذوقه. وقد وردت في الآية (55) من سورة النور نقطة مهمة جديرة بالانتباه فالآية تقول: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. والله سبحانه وتعالى يقطع في هذه الآية وعدا على نفسه بأن يرسخ دعائم الدين، الذي ارتضاه للمؤمنين في الأرض. ولما كان نزول سورة النور قبل نزول سورة المائدة، ونظرا إلى جملة رضيت لكم الإسلام دينا الواردة في الآية الأخيرة موضوع البحث والتي نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام، لذلك كله نستنتج أن حكم الإسلام يتعزز ويترسخ في الأرض إذا اقترن بالولاية، لأن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله ووعد بترسيخ دعائمه وتعزيزه، وبعبارة أوضح أن الإسلام إذا أريد له أن يعم العالم كله يجب عدم فصله عن ولاية أهل البيت عليهم السلام. أما الأمر الثاني الذي نستنتجه من ضمن الآية الواردة في سورة النور إلى الآية التي هي موضوع بحثنا الآن، فهو أن الآية الأولى قد أعطت للمؤمنين وعودا ثلاثة: أولها: الخلافة على الأرض. والثاني: تحقق الأمن والاستقرار لكي تكون العبادة لله وحده. والثالث: استقرار الدين الذي يرضاه الله في الأرض. ولقد تحققت هذه الوعود الثلاثة في "يوم غدير خم" بنزول آية: اليوم أكملت لكم دينكم. فمثال الإنسان المؤمن الصالح هو علي عليه السلام الذي نصب وصيا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودلت عبارة اليوم يئس الذين كفروا من دينكم. على أن الأمن قد تحقق بصورة نسبية لدى المؤمنين، كما بينت عبارة: ورضيت لكم الإسلام دينا إن الله قد اختار الدين الذي يرتضيه، وأقره بين عباده المسلمين. وهذا التفسير لا ينافي الرواية التي تصرح بأن آية سورة النور قد نزلت في شأن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذلك لأن عبارة آمنوا منكم لها معنى واسع تحقق واحد من مصاديقه في " يوم غدير خم " وسيتحقق على مدى أوسع وأعم في زمن ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (وعلى أساس هذا التفسير فإن كلمة الأرض في الآية الأخيرة ليست بمعنى كل الكرة الأرضية، بل لها مفهوم واسع يمكن أن يشمل مساحة من الأرض أو الكرة الأرضية بكاملها). ويدل على هذا الأمر المواضع التي وردت فيها كلمة "الأرض" في القرآن الكريم، حيث وردت أحيانا لتعني جزءا من الأرض، وأخرى لتعني الأرض كلها، (فامعنوا النظر ودققوا في هذا الأمر).

وعن الأسئلة التي وردت بأن أية أكمال الدين وتمام النعمة المائدة 3 حصلت في غدير خم أجاب الشيخ الشيرازي في تفسيره الأمثل قائلا: سؤال يفرض نفسه: وأخيرا بقي سؤال ملح وهو: أولا: إن الأدلة المذكورة في الآية موضوع البحث والأدلة التي ستأتي في تفسير الآية (67) من سورة المائدة والتي تقول: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك". لو كانت كلها تخص واقعة واحدة، فلماذا فصل القرآن بين هاتين الآيتين ولم تأتيا متعاقبين في مكان واحد؟ وثانيا: لا يوجد ترابط موضوعي بين ذلك الجزء من الآية الذي يتحدث عن واقعة "غدير خم" وبين الجزء الآخر منها الذي يتحدث عن الحلال والحرام من اللحوم، فما هو سبب هذه المفارقة الظاهرة؟ الجواب: أولا: نحن نعلم أن الآيات القرآنية وكذلك سور القرآن الكريم لم تجمع كلها مرتبة بحسب نزولها الزمني، بل نشاهد كثيرا من السور التي نزلت في المدينة فيها آيات مكية أي نزلت في مكة، كما نلاحظ آيات مدنية بين السور المكية أيضا. وبناء على هذه الحقيقة، فلا عجب إذن من وجود هذا الفاصل في القرآن بين الآيتين المذكورتين (ويجب الاعتراف بأن ترتيب الآيات القرآنية بالصورة التي هي عليها الآن قد حصل بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه) فلو كانت الآيات القرآنية مرتبة بحسب زمن نزولها لأصبح الاعتراض واردا في هذا المجال. ثانيا: هناك احتمال بأن يكون سبب حشر موضوع واقعة "غدير خم" في آية تشمل على موضوع لا صلة لها به مطلقا، مثل موضوع أحكام الحلال والحرام من اللحوم، إنما هو لصيانة الموضوع الأول من أن تصل إليه يد التحريف أو الحذف أو التغيير. إن الأحداث التي وقعت في اللحظات الأخيرة من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاعتراض الصريح الذي واجهه طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكتابة وصيته، إلى حد وصفوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لدى طلبه هذا الأمر بأنه يهجر (والعياذ بالله) وقد وردت تفاصيل هذه الوقائع في الكتب الإسلامية المعروفة، سواء عن طريق جمهور السنة أو الشيعة، وهي تدل بوضوح على الحساسية المفرطة التي كانت لدى نفر من الناس تجاه قضية الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يتركوا وسيلة إلا استخدموها لإنكار هذا الامر. نقل هذه الواقعة واحد من أشهر كتب السنة وهو كتاب "صحيح البخاري" وفي عدة أبواب منها باب "كتاب المرضى" في الجزء الرابع، وباب "كتاب العلم" في الجزء الأول، ص 22 وفي باب "جوائز وفد" من كتاب الجهاد، ص 118، ج 2 كما وردت في كتاب "صحيح مسلم" في آخر الوصايا بالإضافة إلى كتب أخرى ذكرها المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله في كتابه "المراجعات" تحت عنوان "رزية يوم الخميس". فلا يستبعد والحالة هذه أن تتخذ اجراءات وقائية لحماية الأدلة والوثائق الخاصة بالخلافة من أجل إيصالها إلى الأجيال المتعاقبة دون أن تمسها يد التحريف أو الحذف، ومن هذه الإجراءات حشر موضوع الخلافة - المهم جدا - في القرآن بين آيات الأحكام الشرعية الفرعية لإبعاد عيون وأيدي المعارضين والعابثين عنها. إضافة إلى ذلك وكما أسلفنا في حديثنا فإن الوثائق الخاصة بنزول آية: اليوم أكملت لكم دينكم الواردة في واقعة "غدير خم" حول قضية الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تقتصر كتب الشيعة وحدهم على ذكرها، بل تناقلها - أيضا - الكثير من كتب السنة من طرق متعددة عن ثلاثة من الصحابة المعروفين. لقد أعادت الآية في نهايتها الكرة في التحدث عن اللحوم المحرمة فبينت حكم الاضطرار في حالة المعاناة من الجوع إذ أجازت تناول اللحم المحرم بشرط أن لا يكون هدف الشخص ارتكاب المعصية من تناول ذلك، مشيرة إلى غفران الله ورحمته في عدم إلجاء عباده عند الاضطرار إلى تحمل المعاناة والمشقة، وعدم معاقبتهم في مثل هذه الحالات. قالت الآية الكريمة: "فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم". والمراد بالمخمصة هنا الجوع الشديد الذي يؤدي إلى انخماص البطن، سواء كان بسبب حالة المجاعة العامة، أو كان ناتجا عن الحرمان الخاص. أما عبارة غير متجانف لإثم فمعناها غير مائل إلى ارتكاب الذنب، وقد يكون الإتيان بها تأكيدا لمفهوم الاضطرار، أو أن الهدف منها هو المنع من الإفراط في أكل اللحم الحرام أثناء الضرورة، توهما من الشخص بأن ذلك حلال في مثل هذه الحالة، ومنعا من أن يحاول الشخص بنفسه إعداد مقدمات الاضطرار أو أن يحصل الاضطرار أثناء قيام الشخص بسفر من أجل ارتكاب الحرام فيه.

وبين الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الآية المائدة 3 عن العبارات الأخيره التي وردت في الآية: فقد أباح الإسلام لحوم الحيوانات التي تتغذى على الأشياء الطاهرة التي لا تعافها النفس البشرية، وألغى الأساليب التي فيها طابع الإفراط أو التفريط. وقد عيّن الإسلام شروطا أبان من خلالها أنواع اللحوم التي يحلّ للإنسان الاستفادة منها، وهي: 1 ـ لحوم الحيوانات التي تقتات على الأعشاب، أمّا الحيوانات التي تقتات على اللحوم فهي غالبا ما تأكل لحوم حيوانات ميتة أو موبوءة، وبذلك قد تكون سببا في نقل أنواع الأمراض لدى تناول لحومها، بينما الحيوانات التي تأكل العشب يكون غذاؤها سليما وخاليا من الأمراض. وقد تقدم أيضا في تفسير الآية (72) من سورة البقرة بأنّ الحيوانات تورث صفاتها عن طريق لحومها أيضا، فمن يأكل لحم حيوان متوحش يرث صفات الوحش كالقسوة والعنف، وبناء على هذا الدليل أيضا حرمت لحوم الحيوانات الجلّالة، وهي التي تأكل فضلات غيرها من الحيوانات. 2 ـ أن لا تكون الحيوانات التي ينتفع من لحمها كريهة للنفس الإنسانية. 3 ـ أن لا يترك لحم الحيوان أثرا سيئا أو ضارا على جسم أو نفس الإنسان. 4 ـ لقد حرمت الحيوانات التي تذبح في طريق الشرك في سبيل الأصنام، وأمثال ذلك لما فيها من نجاسة معنوية. 5 ـ لقد بيّن الإسلام أحكاما خاصّة لطريقة ذبح الحيوانات لكل واحد منها بدوره الأثر الصحي والأخلاقي على الإنسان. بعد أنّ بيّنت الآية الأحكام التي مرّ ذكرها أوردت جملتين تحتويان معنى عميقا: الأولى منهما تقول: "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ". والثّانية هي: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً".




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=199360
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12