• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قدسية النجف الضائعة: بين شجرة الكريسماس وتحديات الواقع .
                          • الكاتب : عقيل الفتلاوي .

قدسية النجف الضائعة: بين شجرة الكريسماس وتحديات الواقع

النجف الأشرف، مدينة العلم والإيمان، مرجعية دينية عظيمة، ومعقل الثقافة والتاريخ في العراق. لم تكن هذه المدينة، التي ارتبطت عبر العصور بالقداسة والمكانة الروحية، مجرد مدينة في قلب العراق، بل كانت رمزًا للعلم، والمقدسات، والأخلاق. لكن اليوم، يعصف بها واقع معقد، حيث تتصارع عدة ظواهر اجتماعية وأخلاقية، تجعل قدسيتها تتعرض للتحدي والضياع.

منذ فترة، بدأت تلوح في الأفق العديد من المشاكل التي لم تجد من يرفع الصوت في وجهها، مثل نقص الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، وطرق محفورة لا تصلح للاستخدام، وتلال من النفايات التي تشوه شوارع المدينة وتغرقها في أوساخ لا تليق بمقامها. ومع كل هذه التحديات التي تهدد حياة الناس وتحطم جمالية المدينة، لا أحد يعيرها انتباهاً حقيقياً، بل يبدو أن الفوضى قد تغلغلت في جوانب عدة من الحياة اليومية.

والأمر لا يقتصر على الخدمات فقط، بل تتفاقم المشاكل الاجتماعية، فالمخدرات تجتاح الأحياء، والبيع المستتر للنساء والفتيان (الحلوين) يصبح تجارة رائجة في الظلال. في الوقت الذي يتراجع فيه المجتمع عن قيمه، وتبدأ الأسئلة تطرح حول أين ذهب التوجيه الديني، وأين هي تلك المبادئ التي كانت النجف تحتفظ بها.

لكن، في هذا السياق الصادم، يبدو أن أكثر ما يثير الجدل اليوم هو شجرة الكريسماس، تلك التي تزين بعض الأماكن، والتي لم تكن مجرد شجرة، بل أصبحت رمزا للصراع الفكري والثقافي. قد تكون هذه الشجرة، في نظر البعض، مجرد تقليد أو احتفال بعيد غربي، لكنها في واقع الحال، باتت تمثل قمة التجاوز على قدسية المدينة، وتحديًا للمفاهيم التي طالما كانت تشكل الأساس الديني والاجتماعي فيها.

السؤال هنا: لماذا أصبح التركيز فقط على شجرة الكريسماس التي يعتبرها البعض انتهاكًا للقداسة في حين أن العديد من المشاكل الأخرى تستمر في طمس هوية المدينة الحقيقية؟ كيف أصبحنا مشغولين بحمايتها من "الغزو الثقافي" بينما نبقي أعيننا مغلقة عن الفساد الأخلاقي والمالي، وعن تدهور الخدمات التي تؤثر في حياة الناس بشكل يومي؟

النجف اليوم، تحتاج إلى صوت يرفع ضد كل ما يهدد قدسيتها من الداخل قبل الخارج. لا بد من إعادة الاهتمام بالهوية الروحية، والعمل على إعادة التوازن بين الدين والحياة، وبين التقاليد والمستقبل. النجف تستحق أن تُحسن خدماتها وتُحترم قدسيتها على جميع الأصعدة، لا أن تقتصر على معركة مفروضة ضد شجرة قد تكون مجرد عرض لما هو أكبر وأكثر تعقيدًا.

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=199027
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 01 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12