جاء في کتاب التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح المؤلف للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: المسيح في القرآن: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَاني الْكِتَابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيّاً" (مريم 30)، ويقول: "مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ" (المائدة 711)، وقال المسيح: "يَا بَنِي إِسْرَائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ" (المائدة 72)، "لَّقَدْ كَفَرَ لَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" (المائدة 72)، "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة وَمَا مِنْ إِلَـه إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ" (المائدة 73)، "لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائكَةُ الْمُقَرَّبُونَ" (النساء 172). وأنت تجد ان المسيح بلسان هذه الآيات الكريمة عبد خاضع وضيع موحّد لله مُتفان في توحيد الله. ليس عنده شائبة شرك، ولا إلحاد حلول ولا اتحاد. أما المسيح في هذه الأناجيل الشائعة، فهو رجل مخلط فتارة يعترف لله جل شأنه بأن: الحياة الحقيقة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي ارسلته وبينا هو يعلّم: ان أول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل الرب إلاّ هنا رب واحد، إلى أن قال له الكاتب: جيداً يا معلم بالحق قلت: لانه إله واحد وليس آخر سواه، ويقول: لماذا تدعوني صالحاً ليس صالحاً إلاّ الله كما في متي، وليس صالحاً الا واحد وهو الله كما في (10) مرقس، بينا هو يقرر هذه الحقائق التي تشهد بها ضرورة العقول وتدعمها الحجة والبرهان، وإذا به يقول في ضد ذلك: الاب فيّ وانا فيه كما في (10) يوحنا (38) و: اني أنا في الاب والاب فيَّ ثم صرّح على تلوه بهذا الزعم البديهي الاستحالة فقال: الكلام الذي أكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال فيَّ هو يعمل الاعمال، وهذا الحلول هو الأمر الذي يمتنع تصوره على العقول بل تحكم بتاً بامتناعه. ثم نجد المسيح في القرآن المحمدي يقول: "وَ جَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَ أَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً" ثم يقول: "وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً" (مريم 31-33).
وعن المسيح عليه السلام في الانجيل فيقول الشيخ كاشف الغطاء في كتابه: المسيح في الإنجيل فهو ملعون لا مبارك كما قال بولس في (3) غلاطية: المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة، المسيح في القرآن يقول: "وَ بَرَّاً بِوَ الِدَتِي" (مريم 32) ولكنه في هذه الأناجيل عاق لوالدته قاطع لرحم أخوته فكم حقَّرهم وانكرهم: فقد قال له واحد هو ذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين يكلموك، فقال: من هي أمي ومن هم اخوتي؟ بل جعل التلميذ الذي كان يحبه ويصبو إليه يجلسه احياناً في حضنه هو الابن لامه، فقال لها كما في (19) يوحنا (26): يا امرأة هو ذا ابنك، مشيراً إلى التلميذ الغرير ابن زبدي. ثم وجدنا المسيح في القرآن يقول: "وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً" (مريم 32). ووجدناه في هذه الأناجيل يعمل عمل الأشقياء ويفعل فعل الجبابرة، أيُّ ملك جبار من الغابرين أو الحاضرين، تسكب النساء على قدميه منّا من طيب ناردين كثير الثمن ويمسحن اقدامه بشعورهن حتى يقوم أحد تلاميذه الاثني عشر هو يهوذا الاسخريوطي الذي اسلم يسوع لليهود فيقول له: لماذا لم يَبِع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعط للفقراء فانتهره يسوع وقال اتركوها، انظر تفاصيل هذه الشؤون والقصة بهذه النصوص وبما هو الفحش في الحادي عشر والثاني عشر من يوحنا. وافتكر هل سمعت بملك جبار مهما كان من الشقاء والجبروتية يسكب على قدميه ثلاثمائة دينار من الطيب دفعة واحدة والنساء يمرغن خدودهن وشعورهن على قدميه وهو مع لعازر من المتكئين إلى آخر ما هناك، انظر واعجب، واضحك وابك، وادهى وامرُّ في الشقاء والجبروتية، انه يقول: ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً، ثم زاد في البلاء حتى قال: اني جئت لأفرّق الانسان ضد أبيه. والابنة ضدّ امها والكنة ضد حماتها. ثم زاد في تقطيع الارحام فقال: واعداء الانسان أهل بيته فأين هذا ممن يقول في الوحي المنزل عليه: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالاَْرْحَامَ" (النساء 1) "وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض" (الانفال 75). "والأقربون أولى بالمعروف"، ثم لم يكفه أن يلقي في الأرض السيف ويفرّق بين الآباء والابناء حتى اضرمها ناراً، فقال كما في (12) لوقا: جئت لألقي ناراً على الأرض فأين هذا ممن يقول: "وَ مَآ أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء 107) إلى كثير من أمثالها. ثم نظرنا فوجدناه بحسب تلك الأناجيل خائناً حيث كان قد أئتمن الخائن كما في (12) يوحنا: يهوذا الاسخريوطي كان سارقاً وكان الصندوق عنده، وافظع من ذلك، درؤه الحد عن الزانية كما في (8) يوحنا: قدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنا ولما اقاموها في الوسط، قالوا له: يا معلم هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت؟ إلى أن قال: فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحداً سوى المرأة قال لها: يا امرأة أين هم اولئك المشتكون عليك أما دانك أحدٌ فقال: لا أحد يا سيد، فقال لها: ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تخطئي أيضاً.
ويستطرد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قائلا: فأنت أيها الناظر تجد المسيح بنص هذه الأناجيل، يجلس الغلام في حضنه تارة، وتمسح النساء قدميه المطيَّبين بشعورهن اخرى، ويأتمن الخائن السارق طوراً ويدرأ الحدّ عن الزانية ضد الناموس، طوراً آخر، فأين هذا من المسيح المبارك البرّ في القرآن "ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ" (مريم 34). وكأنه لتلك الأحوال والخلال الفظيعة اسلمه تلميذه إلى اليهود ليقتلوه ويصلبوه بعد ان كان من خاصته وبطانته، وأهل ثقته وأمانته. ثم بعد هذا كلّه نظرنا في القرآن الكريم فوجدناه يرفع المسيح إلى أوج العظمة والكرامة، والتقديس والنزاهة، فيقول في أمر صلبه، وكيفية انتقاله من هذه الدار إلى ربه، وتطهير ذيل والدته، وتنزيهها مما قُذفت به، مندّداً على اليهود "وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْم إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً" (النساء 156-158). أمّا الذي نجده في تلك الأناجيل فهو على الضدّ من ذلك كُلّياً، فانها تصور لك لصاً جباناً متشرّداً، قد أُخذ مهاناً حقيراً، وجعل هُزُؤاً ومسخرة لليهود، يبصقون في وجهه، ويضربونه صفعاً على رأسه، إلى أن صلب نصب العين، بين لصين، انظر إذا شئت هذه المضحكة في (27) متى بعد ان ذكر في الاصحاح السابق عليه، صورة جزعه وفزعه من الموت، وقوله: (28) نفسي حزينة جداً حتى الموت، ثم فزع إلى تلامذته قائلا: امكثوا ههنا واسهروا معي، (29)، ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه، وكان يصلي قائلا: يا ابتاه إن أمكن فلتعبُر عني هذه الكأس، وفي (27) منه: فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتبة (28) فعرَّوه والبسوه رداء قرمزياً (29) وضفروا أكليلا من شوك، ووضعوه على رأسه، وقصبة في يمينه، وكانوا يجثون قدامه ويستهزؤون به قائلين: السلام يا ملك اليهود (30)، وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه، إلى أن قال (38): حينئذ صلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار (39)، وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم (40) قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك ان كنت ابن الله فانزل عن الصليب (41) وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزؤن مع الكتبة والشيوخ قالوا (42) خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلصها.
|