عن منظمة العمل الدولية: تخيلوا يوماً واحداً دون عمالٍ مهاجرين: وفي هذه المناسبة، فلنحاول فهم بعض المشاكل التي تواجه العمال المهاجرين. ولنسأل أنفسنا: لِمَ هاجروا؟ كيف استُقدموا؟ وما تكلفة استقدامهم، وكيف سدَّدوا تلك التكاليف؟ ما ظروف العمل والمعيشة التي يواجهونها؟ أيحصلون على الأجور التي وُعدوا بها وفي مواعيدها؟ هل تُحترم خصوصياتهم؟ كم مرةً يرون أسرهم؟ هل بإمكانهم الاستقالة من العمل بملء إرادتهم إن لم يكونوا سعداء في عملهم، وبأي ثمن؟ أيمكنهم التقدم بشكوى إن تعرضوا لسوء المعاملة؟ وما هي طرق التعويض القائمة في بلدان المقصد؟ إن معظمنا لا يضطر إلى طرح مثل هذه الأسئلة على نفسه بخصوص حياتنا المهنية؟ ولكن في حالة العمال المهاجرين، تكشف الإجابة عنها التحديات التي يواجهها كثيرٌ منهم. وهي تعني أيضاً أن العمال المهاجرين مازالوا يجدون أنفسهم في نهاية المطاف يخضعون للاستغلال، ومنه حالات العمل الجبري. وينبغي لنا أن نتأمل هنا بأنه في الوطن العربي، كما هو الحال للأسف في بقاعٍ أخرى كثيرة من العالم، يَعتبر كثيرون أن حجز جواز سفر العامل المهاجر وحرمانه من إجازته ومن حريته في الحركة والتأخر في تسديد أجوره ممارساتٌ طبيعية. أمعنوا النظر أيضاً في مصالحنا الشخصية. نحن دون أدنى شك نستفيد كثيراً من ملايين الأشخاص الموجودين في العالم مثل آنا. فهم يتركون أحباءهم بحثاً عن وظائف في دولةٍ أخرى. صحيحٌ أن تلك الوظائف ذات أجورٍ أعلى منها في بلادهم، لكنها تنطوي على ظروف عملٍ قاسية وأجرٍ متدنٍّ، لدرجة أن مواطني تلك الدولة أنفسهم يرفضون القيام بها. ماذا لو توقف ذلك؟ ماذا لو لم يعد هناك عمالٌ مهاجرون؟ ماذا لو لم يكن هناك أشخاصٌ مثل آنا يخدموننا؟ ماذا لو لم يعد هناك عمال نظافة أو مهاجرون يقطفون فاكهتنا؟ من سيبني ناطحات السحاب لدينا تحت حرارة الشمس الحارقة بينما نجلس نحن في مكاتبنا المكيَّفة؟ كل شيءٍ من حولنا سيتوقف. إذن، هجرة اليد العاملة عاملٌ يسهم إسهاماً عظيماً في تنمية بلدان الأصل والمقصد أيضاً. وهذا الموضوع مطروحٌ على جميع الأجندات الوطنية الحكومية. وقد أقرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأهميته واعتبرته عنصراً أساسياً في أهداف التنمية المستدامة. وهكذا، ثمة فرصةٌ لوضع سياسات هجرةٍ عادلة تماشياً مع معايير العمل الدولية حيث الجميع رابحون، ومنهم العمال المهاجرون، وحيث لا يعود هناك مكانٌ للتغاضي عما تقوم به مكاتب توظيف واستقدام مخادعة وأصحاب عمل ظالمون. دعونا إذن في 18 كانون الأول/ديسمبر نقدر عالياً ما يقدمه لنا العمال المهاجرون، في ظل مختلف الظروف القاسية، ونتأمل في ما نقدمه نحن لهم بالمقابل.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى "النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا" ﴿الأحزاب 6﴾ وقوله: "وأزواجه أمهاتهم" جعل تشريعي أي أنهن منهم بمنزلة أمهاتهم في وجوب تعظيمهن وحرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي التصريح به في قوله: "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا". فالتنزيل إنما هو في بعض آثار الأمومة لا في جميع الآثار كالتوارث بينهن وبين المؤمنين والنظر في وجوههن كالأمهات وحرمة بناتهن على المؤمنين لصيرورتهن أخوات لهم وكصيرورة آبائهن وأمهاتهن أجدادا وجدات وإخوتهن وأخواتهن أخوالا وخالات للمؤمنين. قوله تعالى: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين" إلخ، الأرحام جمع رحم وهي العضو الذي يحمل النطفة حتى تصير جنينا فيتولد، وإذ كانت القرابة النسبية لازمة الانتهاء إلى رحم واحدة عبر عن القرابة بالرحم فسمي ذوو القرابة أولي الأرحام. والمراد بكون أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، الأولوية في التوارث، وقوله: "في كتاب الله" المراد به اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة، وقوله: "من المؤمنين والمهاجرين" مفضل عليه والمراد بالمؤمنين غير المهاجرين منهم، والمعنى: وذوو القرابة بعضهم أولى ببعض من المهاجرين وسائر المؤمنين الذين كانوا يرثون بالمؤاخاة الدينية، وهذه الأولوية في كتاب الله وربما احتمل كون قوله: "من المؤمنين والمهاجرين" بيانا لقوله: "وأولوا الأرحام". والآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين. وقوله: "إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا" الاستثناء منقطع، والمراد بفعل المعروف إلى الأولياء الوصية لهم بشيء من التركة، وقد حد شرعا بثلث المال فما دونه، وقوله: "كان ذلك في الكتاب مسطورا" أي حكم فعل المعروف بالوصية مسطور في اللوح المحفوظ أو القرآن أو السورة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى "النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا" ﴿الأحزاب 6﴾ تتطرّق الآية الاولى إلى مسألة مهمّة اُخرى، أي إبطال نظام (المؤاخاة) بينهم. وتوضيح ذلك: أنّ المسلمين لمّا هاجروا من مكّة إلى المدينة وقطع الإسلام كلّ روابطهم وعلاقاتهم بأقاربهم وأقوامهم المشركين الذين كانوا في مكّة تماماً، فقد أجرى النّبي (صلى الله عليه وآله) بأمر الله عقد المؤاخاة بينهم وعقد عهد المؤاخاة بين (المهاجرين) و(الأنصار)، وكان يرث أحدهم الآخر كالأخوين الحقيقيين، إلاّ أنّ هذا الحكم كان مؤقّتاً وخاصّاً بحالة إستثنائية جدّاً، فلمّا اتّسع الإسلام وعادت العلاقات السابقة تدريجيّاً لم تكن هناك ضرورة لإستمرار هذا الحكم، فنزلت الآية أعلاه وألغت نظام المؤاخاة الذي كان يحلّ محلّ النسب، وجعل حكم الإرث وأمثاله مختّصاً بأُولي الأرحام الحقيقيين. وبالرغم من أنّ نظام المؤاخاة كان نظاماً إسلامياً ـ على خلاف نظام التبنّي الذي كان نظاماً جاهلياً ـ ولكن كان من الواجب أن يُلغى بعد إرتفاع الحالة الموجبة له، وهكذا حصل، غاية ما في الأمر أنّ الآية قبل أن تذكر هذا الحكم ذكرت حكمين آخرين ـ أي كون النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكون نساء النّبي (صلى الله عليه وآله) كاُمّهاتهم ـ كمقدّمة، فقالت: "النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه اُمّهاتهم". ومع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الأب، وأزواجه بمنزلة اُمّهات المؤمنين إلاّ أنّهم لا يرثون منهم مطلقاً، فكيف يُنتظر أن يرث الابن المتبنّي؟ ثمّ تضيف الآية: "واُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين" ولكن مع ذلك، ومن أجل أن لا تغلق الأبواب بوجه المسلمين تماماً وليكون بإمكان المؤمنين تعيين شيئاً من الإرث لإخوانهم ـ وإن كان بأن يوصوا بثلث المال ـ فإنّ الآية تضيف في النهاية: "إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً". وتقول في آخر جملة تأكيداً لكلّ الأحكام السابقة، أو الحكم الأخير: "كان ذلك في الكتاب مسطوراً" ـ في اللوح المحفوظ أوفي القرآن الكريم ـ
ويستطرد الشيخ الشيرازي في تفسيره للآية المباركة الأحزاب 6 قائلا: كان هذا خلاصة تفسير الآية أعلاه، والآن يجب أن نتطرّق إلى تفصيل كلّ واحد من الأحكام الأربعة التي وردت في هذه الآية: 1 ـ ما هو المراد من كون النّبي أولى بالمؤمنين؟ لقد ذكر القرآن في هذه الآية أولوية النّبي صلى الله عليه وآله بالمسلمين بصورة مطلقة، ومعنى ذلك أنّ النّبي صلى الله عليه وآله أولى بالإنسان المسلم من نفسه في جميع الصلاحيات التي يمتلكها الإنسان في حقّ نفسه. ومع أنّ بعض المفسّرين فسّروها بمسألة (تدبير الاُمور الإجتماعية)، أو (الأولوية في مسألة القضاء)، أو (طاعة الأمر)، إلاّ أنّنا في الواقع لا نمتلك أي دليل على إنحصار الآية في أحد هذه الاُمور الثلاث. وإذا لاحظنا في بعض الروايات الإسلامية تفسير الأولوية بـ (الحكومة)، فهوفي الحقيقة بيان لأحد فروع هذه الأولوية. لذلك يجب أن يقال: إنّ النّبي صلى الله عليه وآله أولى من كلّ إنسان مسلم في المسائل الإجتماعية والفردية، وكذلك في المسائل المتعلّقة بالحكومة والقضاء والدعوة، وإنّ إرادته ورأيه مقدّم على إرادة أي مسلم ورأيه. ولا ينبغي العجب من هذه المسألة، لأنّ النّبي صلى الله عليه وآله معصوم ووكيل لله سبحانه، ولا يفكّر ويقرّر إلاّ في صالح المجتمع والفرد، ولا يتّبع الهوى أبداً، ولا يعتبر مصالحه مقدّمة على مصالح الآخرين وأهمّ منها، بل على العكس من ذلك، فهو يؤثّر ويقدّم مصالح الاُمّة على مصالحه دائماً عند تعارض المصلحتين. إنّ هذه الأولوية فرع من أولوية المشيئة الإلهيّة، لأنّ كلّ ما لدينا من الله سبحانه. إضافة إلى أنّ الإنسان لا يصل إلى أوج الإيمان إلاّ عند ما يضحّي بأقوى العلائق والدوافع فيه، وهو عشقه لذاته في طريق عشقه لذات الله وخلفائه، ولذلك نقرأ في حديث: (لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعاً لما جئت به). وجاء في حديث آخر: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين). وكذلك روي عنه صلى الله عليه وآله: (ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة). ويقول القرآن الكريم في الآية (36) من سورة الأحزاب هذه: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " (الأحزاب 36). ونؤكّد مرّة اُخرى على أنّ هذا الكلام لا يعني أنّ الله قد جعل أمر الناس تبعاً لأهواء ورغبات شخص ما، بل من جهة أنّ للنبي صلى الله عليه وآله مقام العصمة، وبمصداق: "لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى" فإنّ كلّ ما يقوله هو كلام الله ومن الله، وهو أحرص وأرحم حتّى من الأب بهذه الاُمّة. إنّ هذه الأولوية في الحقيقة تقع في مسير منافع الناس في جوانب الحكومة وتدبير المجتمع الإسلامي، وكذلك في المسائل الشخصية والفردية. ويتبيّن من هذه الأدلّة أنّ هذه الأولوية تضع على عاتق النّبي صلى الله عليه وآله مسؤوليات ثقيلة ضخمة، ولذلك نقرأ في الرواية المشهورة الواردة في مصادر الشيعة والسنّة، أنّ النّبي صلى الله عليه وآله قال: (أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، ومن ترك مالا فللوارث، ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ). ينبغي الإلتفات إلى أنّ (الضياع) هنا بمعنى الأولاد أو العيال الذين بقوا بدون معيل، والتعبير بـ (الدَّين) قبلها قرينة واضحة على هذا المعنى، لأنّ المراد بقاء الدَّين بدون مال يسدّد به.
ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل عن الآية الأحزاب 6: 2 ـ الحكم الثّاني في هذا الباب يتعلّق بأزواج النّبي حيث يُعتبرن كاُمّهات لكلّ المؤمنين، وهي طبعاً اُمومة معنوية وروحية، كما أنّ النّبي صلى الله عليه وآله أب روحي ومعنوي للاُمّة. إنّ تأثير هذا الإرتباط المعنوي كان منحصراً في مسألة حفظ إحترام أزواج النّبي وحرمة الزواج منهنّ، كما جاء الحكم الصريح بتحريم الزواج منهنّ بعد وفاة النّبي صلى الله عليه وآله في آيات هذه السورة، وإلاّ فليس لهذه العلاقة أدنى أثر من ناحية الإرث وسائر المحرّمات النسبية والسببية، أي إنّ المسلمين كان من حقّهم أن يتزوّجوا بنات النّبي، في حين أنّ أيّ أحد لا يستطيع الزواج من إبنة اُمّه. وكذلك مسألة كونهنّ أجنبيات، وعدم جواز النظر إليهن إلاّ للمحارم. في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ امرأة قالت لعائشة: يا اُمّه فقالت: لست لك باُمّ إنّما أنا اُمّ رجالكم) وهو إشارة إلى أنّ الهدف من هذا التعبير هو حرمة التزويج، وهذا صادق في رجال الاُمّة فقط. وثمّة مسألة مطروحة، وهي إحترامهنّ وتعظيمهنّ ـ كما قلنا ـ إضافةً إلى قضيّة عدم الزواج، ولذلك فإنّ نساء المسلمين كنّ قادرات على مخاطبة نساء النّبي بالاُمّ بعنوان إحترامهنّ. والشاهد لهذا القول، أنّ القرآن الكريم يقول: "النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" وهذا يعني أولوية النّبي بكلّ النساء والرجال، وضمير الجملة التالية يعود إلى هذا العنوان الواسع المعنى، ولذلك نقرأ في العبارة التي نقلت عن (اُمّ سلمة) ـ وهي من أزواج النّبي صلى الله عليه وآله ـ أنّها قالت: أنا اُمّ الرجال منكم والنساء). وهنا يطرح سؤال، وهو: هل أنّ تعبير "وأزواجه اُمّهاتهم" يتناقض مع ما ورد في الآية (2) من سورة المجادلة: "الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا" (المجادلة 2). فكيف تعتبر نساء النّبي والحال هذه ـ اُمّهات المسلمين ولم يولدوا منهنّ؟ وينبغي في الإجابة على هذا السؤال الإلتفات إلى أنّ مخاطبة امرأة ما بالاُمّ إمّا أن تكون من الناحية الجسمية أو الروحية. فأمّا من الناحية الجسمية: فإنّ هذه المخاطبة تكون واقعية في حالة كون الإنسان مولوداً منها فقط، وهذا هو الذي جاء في الآيات السابقة بأنّ الاُمّ الجسمية للإنسان هي التي تلده فقط. وأمّا الأب أو الاُمّ الروحيين، فهو الذي له حقّ معنويّ على الإنسان كالنّبي صلى الله عليه وآلهالذي يعتبر الأب الروحي للاُمّة، ولأجله إكتسبت أزواجه منزلة وإحترام الاُمّ. والإشكال الذي كان يوجّه إلى عرب الجاهلية في مورد (الظهار) أنّهم عندما كانوا يخاطبون أزواجهم بخطاب الاُمّ فمن المسلّم أنّ مرادهم ليس الاُمّ المعنوية، بل المقصود أنّهنّ كالاُمّ الجسمية، ولذلك كانوا يعدّونه نوعاً من الطلاق، ونعلم أنّ الاُمّ الجسمية لا تتحقّق بمجرّد الألفاظ، بل إنّ شرط ذلك الولادة الجسمية، وبناءً على هذا فإنّ كلامهم كان منكراً وزوراً. أمّا في مورد أزواج النّبي صلى الله عليه وآله، فبالرغم من أنّهنّ لسن اُمّهات جسمياً، إلاّ أنّهنّ اُمّهات روحيات إكتساباً من مقام وإحترام النّبي صلى الله عليه وآله ولهنّ وجوب الإحترام كاُمّهات. وإذا رأينا القرآن قد حرّم الزواج من أزواج النّبي صلى الله عليه وآله في الآيات القادمة، فإنّ ذلك شأن آخر من شؤون إحترامهنّ وإحترام النّبي صلى الله عليه وآله كما سيأتي توضيح ذلك بصورة مفصّلة إن شاء الله تعالى. وهناك نوع ثالث من الاُمّهات في الإسلام وهي الاُمّ المرضعة، والتي اُشير إليها في الآية (23) من سورة النساء: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ" (النساء 23) إلاّ أنّها في الحقيقة فرع من فروع الاُمّ الجسمية.
3 ـ الحكم الثالث: مسألة أولوية اُولي الأرحام في الإرث بالنسبة إلى الآخرين، لأنّ قانون الإرث في بداية الإسلام ـ حيث قطع المسلمون علاقتهم بأقوامهم وأقاربهم على أثر الهجرة ـ نظّم على أساس الهجرة والمؤاخاة، أي أنّ المهاجرين كانوا يرثون بعضهم من بعض أو مع الأنصار الذين تآخوا معهم ولكن لم تكن هناك ضرورة للإستمرار عليه بعد توسّع الإسلام وإعادة كثير من العلاقات القومية والرحمية السابقة نتيجة إسلام أقوامهم ـ (وينبغي الإلتفات إلى أنّ سورة الأحزاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة، وهي سنة (حرب الأحزاب)) لذلك ثبّتت أولوية اُولي الأرحام بالنسبة إلى الآخرين. وهناك قرائن على أنّ المراد من الأولوية هنا هي الأولوية الإلزامية لا الإستحبابية، لأنّ إجماع علماء الإسلام على هذا المعنى، إضافة إلى الروايات الكثيرة الواردة في المصادر الإسلامية، والتي تثبت هذا الموضوع. ويجب هنا الإلتفات إلى هذه المسألة بدقّة، وهي: أنّ هذه الآية بصدد بيان أولوية اُولي الأرحام في مقابل الأجانب، لا بيان أولوية طبقات الإرث الثلاث بالنسبة إلى بعضها البعض، وبتعبير آخر، فإنّ المفضّل عليهم هنا هم المؤمنون والمهاجرون الذين ورد ذكرهم في متن القرآن: "من المؤمنين والمهاجرين". بناءً على هذا فإنّ مفهوم الآية يصبح: إنّ اُولي الأرحام أولى من الأجانب من ناحية الإرث، أمّا كيف يرث هؤلاء الأرحام؟ وعلى أي أساس ومعيار؟ فإنّ القرآن سكت عن ذلك في هذا الموضع، مع أنّه بحث الموضوع مفصّلا في آيات سورة النساء. 4 ـ الحكم الرّابع الذي ورد في الآية أعلاه كإستثناء، هو إستفادة وإنتفاع الأصدقاء والأفراد المعينين الذين يخصّهم الأمر من الأموال التي يتركها الإنسان كذكرى، والذي بُيّن بجملة: "إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا" ومصداقه الواضح هو حكم الوصيّة، حيث يستطيع الإنسان أن يتصرّف في ثلث أمواله ويضعه حيث يشاء، أو يوصي به لمن يشاء. وبهذا فإنّ الإسلام عندما وضع أساس الإرث على دعامة القرابة والرحم بدل الروابط والعلاقات السابقة، لم يقطع وشائج الصلة بين الإنسان ورفقائه الذين يعزّهم وباقي إخوته المسلمين تماماً، فالإنسان حرّ في التصرّف في ماله من ناحية الكميّة والكيفية، إلاّ أنّ هذه الحرية مشروطة بأن لا تزيد على الثلث، ومن الطبيعي أنّ الإنسان إذا لم يوص بشيء فإنّ كلّ أمواله تقسّم بين أقاربه وذوي رحمه طبقاً لقانون الإرث، ولا يترك له ثلث في هذه الحالة.
عن کتاب البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني: قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هٰاجَرُوا وَ جٰاهَدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ" (الأنفال 72) علي بن إبراهيم، قال: الحكم في أول النبوّة أن المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة،فلما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة آخى بين المهاجرين و الأنصار،فكان إذا مات الرجل يرثه أخوه في الدين،و يأخذ المال،و كان ما ترك له دون ورثته.فلما كان بعد ذلك أنزل اللّه "اَلنَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ إِلاّٰ أَنْ تَفْعَلُوا إِلىٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفا" (الأحزاب 6) فنسخت آية الأخوة بقوله: "وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ" (الأحزاب 6).
|