أكد الروائي والكاتب أمجد توفيق أن المبدع الحقيقي هو من يحرث في أرض بكر هي أرضه الخاصة والتي تحمل بصمته الخاصة.
وقال خلال دعوة وجهها له تجمع شباب السرد الروائي أقيم مؤخرا إن محاولة الانفتاح والقراءة ووجود الموهبة لوحدها ليست كافية مثلما أن القراءة لوحدها ليست كافية.
وأوضح الروائي أمجد توفيق أنه دون وجود فكر يعظد ما هو موجود نابع أصلا من موهبة وقراءة لن يكون بمقدوره أن يحمل لقب أديب دون محتوى حقيقي يطرز انتاجنا دون ان نضيف شيئا جديدا الى تجربتنا في الكتابة الإبداعية مشددا على أهمية الفكر والقيم الجمالية في أي عمل إبداعي.
ولفت الى أن هناك رواية كبيرة وعظيمة لايختلف عليها لا الشرق ولا الغرب الا وهي رواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي، مشيرا الى أن هناك إجماعا دوليا على إنها الرواية المهمة جدا على الصعيد العالمي كإنتاج إنساني إبداعي حاز على تقدير عال وليس في هذا أي شك.
وإستطرد قائلا .. لو ندخل في قرائتنا لجوهر هذه الرواية فهي قائمة على حكاية تتعلق ببطل الرواية نازكوف الذي يقوم بقتل مرابية عجوز والسيطرة على أموالها وسرقتها.
القيم الجمالية هي الأغلى والأثمن
وبشأن أهمية القيم الجمالية في أي عمل أدبي قال الكاتب أمجد توفيق إن كل قصة أو رواية أو قطعة أدبية بلا قيم جمالية لاتعني شيئا والقيم الجمالية هي الأثمن والأغلى وكل ما يقربنا من هذه القيم وكأننا نمنح مساحة جديدة لهذا العالم الذي يضيق بنا نمنحها قيمة جمالية اعلى.
عظمة رواية دستوفسكي قدرته الخارقة على إعطاء تحليل نفسي
وعن تكوين فكرة الرواية وتسلسل أحداثها قال أن الرواية في تقديري ليس أن نستمتع في قصة أو حدوته ..مهمتنا في إعادة تفكير بعالمنا..لافتا الى "أن عظمة الرواية تكمن في القدرة الخارقة لدستوفسكي على إعطاء تحليل نفسي ومناقشة أفكار ونظريات تلك التي جعلت من هذه الرواية أنها أجبرت قيصر روسيا على اعادة النظر في عقوبة الاعدام".
وهنا أوضح الروائي أمجد توفيق "أنه ينبغي ان يكون عندنا نوع من الرسالة تتمركز على قيم جمالية والادب كله بمجموعه سواء اكان شعرا او قصة او رواية او لوحة او قطعة موسيقية او اغنية بلا قيم جمالية لايعني شيئا".
وكان الروائي أمجد توفيق قد عبر عن سعادته بلقاء مجموعة من شباب السرد ، لافتا الى "أنه كان إنتمائه الاول والأخير لهذه الروح الشابة ..فأنا كما يقول أذكر كل من يسمعني الان أني كنت رئيسا لتحرير مجلة الطليعة الادبية وهي مجلة تعنى بأدب الشباب وكان عمري حينها 24 عاما ..وتجربتي في هذه المجلة أنها ليست مجلة تجمع أدب شباب في القصة والشعر والنقد ويشارك بها أدباء من العراق أو من ابلدان العربية بشكل عام وهي ترجمات شابة من الادباء من العالم ولكن كانت ايضا تنظم نشاطات وأمسيات وتصدر كتبا وقد نظمت ملتقى الشعر الاول الذي ضم مجموعة من الادباء الشباب في حينها.
يرفض مصطلح أدب الشباب
الشباب في تقديري كمصطلح أدبي أنا ليس أرفضه فقط فهناك أحيانا ربما تجد اديبا كبيرا في العمر يكتب نصا شابا وهناك أديب صغير في العمر يكتب نصا كلاسيكيا مورقا في القدم.. الشباب كما أعتقد هو طاقة خلاقة تأتي بما هو جديد وتستفيد مما هو قديم وتعتني بما هو جديد.. وأهم شيء هي هذه الجذوة المتقدة التي يحملها الشاب..وفي تقديري أن هناك الكثير في هذه الفترة الكثير من المنشورات في الشعر والرواية والقصة وبشكل خاص الرواية كمية كبيرة ولكن حجم ماهو جيد في هذا الضخ الكبير لاتزال نسبته قليلة وهذا شيء مؤسف.
الاهتمام باللغة شيء أساسي
وأوضح أن أهم شيء يتمتع به الاديب الشاب في البداية هو الاهتمام بلغته، فاللغة ليست مجرد للتعبير والتعامل بها فحسب بل هي طريقة تفكير.. واللغة كائن حي يتطور ..نحن جميعا نكتب عبر 28 حرفا ولكن كل انسان في استخدامه لهذه الـ (28) حرفا يستخدمها بطريقة مختلفة عبر إسلوبه وعبر طريقته الخاصة ..وأشير الى نقطة إعتبرها في تقديري الشخصي أنها مهمة جدا أن وظيفة كل الإنتاج الإبداعي أن الشيء الاساسي والمهم فيه هو أن يتمتع ويقود الى قيم جمالية.. وبغير القيم الجمالية لامعنى لكل ما نكتب..فنحن نستمع الى قصيدة ليس الى مضمون أو قدرة الكاتب بل الى قدرة هذه القصيدة ان تمتعنا بصيغها وقيمها الجمالية" .
والمهم في هذا الأمر من وجهة نظر الروائي أمجد توفيق هو " عندما يكون تركيزنا على الجمال هو ما يمنحها ان ترتبط بقيمة أخرى هي المتعة التي تجعل من أي قاريء لنتاجننا يتواصل معنا..فأنا كما أذكر دائما أقول بأن الكتاب جسم ميت تبدأ فيه الحياة في لحظة القراءة وأي مؤلف ليس له سلطة على القاريء لكي يجعل من القاريء يقلب صفحات الكتاب صفحة بعد أخرى الا اذا توفرت لديه القدرة لقراءة ما هو مكتوب في هذا الكتاب.. وان أفرق بالمتعة التي فهمناها بطريقة خاطئة على أنها مرادفة للتسلية وبين الفهم الحقيقي المتعارف عليه لاثارة حافز لخوض تجربة".
وأشار الى أن "كل إنجازات نقدية ونظريات نطلع عليها منذ القرن الماضي ومع التطورات البنيوية والتركيبية والحداثة وما بعد الحداثة ..كل هذه الدراسات والنظريات قائمة على قراءة نصوص سابقة والاستناجات التي رافقتها.. فهناك من يتبنى النتائج النهائية دون ان يعرف مقدماتها وأبوابها وهو أمر خطير لأن المبدع الحقيقي ليس مهمته ان يجمع النظريات وكأنه يؤدي إمتحانا تحريريا أو مدرسيا بهذه النظريات.
وزاد.. المبدع الحقيقي ينبغي أن يهتم بابداعه ومن الممكن كما يقول أحد الكتاب ما على المبدع الحقيقي الا أن يكتب ويبدع ويحطم كل النظريات التي قراها واطلع عليها هي في كل الاحوال.. فالابداع هو السابق وهم من يوفر النقد الحقيقي الذي يقف خلف الابداع بإعتباره نوعا من السلطة المعنوية بطريقة أو بأخرى.
ولفت الى انه لا يمكن كتابة نص على وفق قاعدة نقدية أو إشتراطات نقدية.. فالابداع أولا والانفتاح على هذه النظرية من الممكن أن توسع دائرة الرؤيا لتزيد مساحة الرؤيا عند المبدع الحقيقي ولكن الإبداع يبقى هو الفصل.
وجرت في ختام الندوة نقاشات أجاب عليها الروائي بكل أريحية ، وقد عبر الحضور عن إعجابهم وتثمينهم لما قدمه هذا المبدع الكبير من أفكار أو أطر معرفية أو رؤى فلسفية عن موضوعة السرد أغنت موضوع السرد الروائي ووضعت له أطرا وقوانين ونظريات ليكون بمقدور من يسلك طريق الإبداع أن يجد فيها مبتغاه للوصول الى المنازل الرفيعة لأي عمل أدبي أو فني إبداعي ينال التقدير والإحترام، أساسه هو الجمال وقيمه الجمالية التي تحتل لديه المقام الأول .
|