أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة، وهي في طريقها إلى تغيير العديد من المفاهيم ونماذج العمل، بما في ذلك التعليم.
ولأن التطور لا يتحرك بشكل خطي، بل يخضع لعلاقات متشابكة ويسير بشكل متعرج، فإن لبلدان الشرق الأوسط والدول الناشئة في العالم الثالث ومنها العراق، فرصة فريدة لسد فجوة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي ملأها في الوقت الحالي. تتمثل هذه الفجوة في المهارات المرتبطة بفهم السياق التاريخي والخصوصيات الثقافية الدقيقة التي تميز الثقافة المحلية، مقارنة بالمعايير والمعارف الدولية التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في بناء معلوماته. ومن هنا تأتي الدعوة إلى استحداث أقسام علمية متخصصة تعمل على تكييف هذه المعارف ومواءمتها مع السياقات المحلية.
بمعنى، أن البحث باستخدام الذكاء الإصطناعي يكاد يكون متاح للجميع، وأن المشورة التي يقدمها مبنية
على معارف دولية. أما ما يجعل تلك المعارف قابلة للتطبيق فهو موائمتها حسب الخصوصية المحلية والثقافية لمؤسساتنا. وهذه الموائمة لا يجيدها إلا من كان على دراية بدقائق البيئة المحلية وخصوصياتها في مختلف المجالات.
المجال المقترح سيكون تداخلياً بين العلوم والمعارف الإنسانية (Cross-Disciplinary)، حيث يربط بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ويهدف هذا النهج إلى تمكين الباحثين من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، مع ما يوفره من سهولة ايجاد المعلومة واسس العمل الصحيح مع الحفاظ على السياقات الثقافية والاجتماعية.
وتبقى مهارات التفكير النقدي والتحليل والتركيب والتقييم، وهي مهارات عقلية عليا، الأساس في إنتاج المعرفة وإثراءها. إن تطوير هذه المهارات يمثل الركيزة الأساسية للتميّز في هذا المجال الجديد، مما يجعله لا يقل أهمية عن المجالات التقنية الأخرى.
وعلى عكس الاتجاه الحالي لاستحداث أقسام الذكاء الاصطناعي، الذي قد لا يتجاوز كونه تكراراً لأقسام
الحاسوب وأنظمة المعلومات وإستهلاكاً لتقنيات مستوردة، فإن هذا المجال الجديد سيؤسس نهجاً مبتكراً سيكون له أهمية بالغة في المستقبل القريب. وسيتيح، إذا بُني على أسس صحيحة، لمن يعمل فيه مكانة تعادل، إن لم تتفوق على، أهمية أولئك الذين يمتلكون زمام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
|