قد تكون الاديان الكبرى الثلاث هي اهم المصادر المتوفرة لدينا كمراجع بحثيه معتمده اذا اردنا دراسة التاريخ الانساني خلال الاربعة الاف سنه الماضيه , وقد تتفوق في ذلك على ملايين اللقى والرقيمات الاثريه والمسلات الحجرية المكتشفه في مراكز ومعابد ومقابر الحضارات الكبرى المعروفه
الكتب المقدسة نقلت لنا وبصورة روائية تفصيلية اخبارالطوفان والحروب والمجاعات والاوبئه والحروب والغزوات والهجرات الجماعية وكثير من الامور الاخرى , صحيح انها فسرت ما نقلته تفسيرا يدور في محور العقاب والثواب او الاختبار من قبل الرب لكننا ان وضعنا التفاسيرالدينيه جانبا وتعمقنا في الحادثه التاريخيه بحد ذاتها فسنقدر ان نكون فكرة عما كان يدور في تلك الازمان الغابره حيث اني لست من المختصين في علم اللاهوت ولا احب ان اتناول اي دين او معتقد بمدح او ذم فساعتمد على النص الديني كموضوع تاريخي دون ان اناقش في مسالة قناعتي به من عدمها
في مسألة ذكر الوقائع التاريخية خلال فترة ما قبل الكتابه لا يوجد في القران او العهد الجديد توسع في ذكر الاحداث الواقعه انذاك اكثر مما نجد في العهد القديم ولان وقت تدوينه اقدم من القران ومن الاناجيل الاربعه بما يقرب الالف عام على اقل تقدير فمن الممكن ان نعتمده كمصدر تاريخي ونسلم بصحة اغلب ماجاء فيه بعد ان يسترسل سفر التكوين في مسألة نشوء العالم وخلق الانسان الاول وتناسله وحينما يصل الى مسألة ولادة ابراهيم النبي ونشأته وعلاقته مع نمرود عصره وهجرته الى ارض كنعان فانه يجعل من هذه القصه وتشعباتها محورا للتاريخ البشري الحديث بحيث تتفرع عنها كل الحوادث الاخرى وترتبط بها بشكل او باخر
اليهود كتبوا التاريخ الاول واخذ عنهم من اخذ ممن اتى بعدهم من الامم ولهذا جاءت الاحداث التاريخية وفق قياساتهم الماديه الاستعلائيه الى حد كبير
فبعد ان يقلل اليهود من شأن الابن الاكبر لابراهيم والمسمى اسماعيل بحيث يهمشون وجوده وتاثيره في حياة ابيه وبني قومه لا لشيء سوى انه ليس ابوهم الذي اليه يرجعون يلتفتون الى اسحاق ومن بعده يعقوب فيحيطونه بهاله من القدسية المتأتية من تعظيم الاسلاف وتبجيلهم ويجعلون حياة يعقوب وسيرته وابناءه من بعده محور التاريخ الانساني في ذلك العصر الموغل في القدم وما تلاه من العصور
يعقوب هو اسرائيل ومعناها الرجل الذي صارع الله ويروون في توراتهم قصة نزول الله من علياء سماواته ولقاءه بيعقوب الذي لم يعرفه فتصارعا من اول الليل الى الصباح دون ان ينتصر احدهما على صاحبه وعند شروق الشمس احس الله بالضعف فطلب من يعقوب المهادنه فتركه ومن وقتها اكتسب اسمه هذا
ابناء يعقوب لم يكونوا محبوبين قط في اي من المجتمعات التي عاشوا فيها والمتصفح لتاريخهم يثير استغرابه كثرة المذابح التي تعرضوا لها ومدى البطش والتنكيل الذي يلاقونه اينما حلوا ومقدار الكراهية التي يواجهون بها اينما كانوا وقد يتعلق الامر بطبيعة اليهود المادية الانتهازية التي كانت مثار احتقار الامم وقد يتعلق بطبيعتهم الاستعلائيه المتكبرة التي كانت سببا للنفور منهم
هذه الكراهية التي ربما كانت نتيجة لنمط سلوكهم وتصرفاتهم كانت ايضا سببا في امرين اخرين اولهما العزلة التامة التي فرضوها على انفسهم وعدم اختلاطهم مع المجتمعات التي عاشوا معها وثانيهما حرصهم الدائم على الظهور بمظهر المضطهدين واستجداء العطف او ابتزازه لهذا السبب حتى في اوج فترات قوتهم وتمكنهم
اليهود اليوم كما كانوا بالامس يعتبرون اليهودية دينا وقومية في ان معا أو كما يقولون دين يعقوب افضل الاديان لبني يعقوب افضل الابناء,وربما كانت هذه الاستعلائيه المقيتة هي العقدة التي تحكم علاقاتهم بمن حولهم , وربما كانت هذه العقدة هي سبب بلاءهم وبلاء من ابتلي بهم
عقدة التفوق النوعي هذه باعتبارهم ابناء الرجل الذي صارع الله وانتصر عليه جعلته يؤمنون ولو لفترة ما ان اليهودي انسان لايقهر وانه خلق ليسود ويستعبد من حوله و كانت سببا في كونهم ومنذ فجر التاريخ نسيجا شاذا مختلفا عما يجاوره او يحيط به
لايمكن ان نتصور من اسرائيل الحالية غير الخروج على الاراده الدوليه ومخالفة الاجماع الدولي وعدم احترام قرارات الشرعيه الدولية فمتى كان اليهود يعيشون في سلام مع اي من جيرانهم؟ومتى كانوا يحترمون تعهداتهم اذا تعارضت مع مصالحهم القومية؟ومتى كانوا يعتبرون انفسهم جزءا من المجتمع الدولي؟ بل متى كان لهم شرعية يحتكمون اليها غير شرعية القوة في وقت قوتهم وشرعية الاستكانه والمراوغه في وقت ضعفهم وانكسارهم؟ وبامكان المشكك في هذا ان يتابع وقائع حروبهم وخصوماتهم ونزاعاتهم فيما بينهم وكذلك بينهم وبين جيرانهم وبامكانه ايضا ان يعتمد التوراة اليهودية مصدرا تاريخيا في بحثه هذا
وبامكان المشكك ايضا ان يلاحظ الكم الهائل من القرارات التي اصدرتها الامم المتحدة بشأن النزاع العربي الاسرائيلي والتي ضربت بها اسرائيل عرض الجدار
اسرائيل الان دولة خارجة على القانون وكذلك كانت على مدى التاريخ الذي كان فيه لليهود دوله تسمى يهوذا
كما اسلفت لست مختصا في الاديان ولا احب الخوض في متاهاتها لكني وربما كغيري ان كنت اجد المبررلهم سابقا في طبيعة موروثهم الثقافي الاستعلائي الذي يعطيهم شعورا بالافضلية والتفوق والتميزفلا استطيع ان اتقبل او افهم هذه الفكرة الان
لم يعد الله ينزل الى الارض ليبحث عمن يصارعه ,ولم يعد يوسف يتحكم في مخازن الغذاء العالمي, ولم تعد عصا موسى اكثر من عصا, ولم يعد بمقدور احد ان يعبر البحر الاحمر الا بوسيلة نقل بحري حديثه ومعه جواز سفره وتأشيرة دخوله, ولم يعد بمقدور يوشع ان يبيد الامم المجاورة وقتما يريد دون ان يكل او يتعب ,ولم يعد هنالك سليمان في ملكه المترامي الاطراف الذي تحرسه الجن والشياطين , ولم يعد بامكان شاؤول ان يتنبأ مع المتنبئين متى ما يحب ,لم يعد لله شعب مختار ومفضل تسمح له افضليته ان يخرج على الاجماع الدولي والارادة الدوليه,والاهم من هذا لم يعد ممكنا الان المراهنة على بقاء الدعم الامريكي واستمراره في الوقت الذي تنزف فيه امريكا وتترنح تحت وطأة ازماتها الاقتصادية المتلاحقة وحربها اللانهائية ضد الارهاب
فمتى يدرك ابناء يعقوب هذا؟
|