الماء الذي أحمله يختلف كثيرا عن ماء القراب الأخرى، مني يشرب العباس عليه السلام ورائحته الهاشمية عبق الورد، شعرت بشيء يوخز الفؤاد، إن كل ماء يقبع في داخلي أشم فيه رائحة الفرات، وكل مياه الله عندي فرات، هذا ما كنت أسمعه من سيدي أمير المؤمنين عليه السلام.
من أكبر سعادة مولاي أبي الفضل العباس عليه السلام حين يرفعني بين يديه ويقدمني إلى أخويه ا الحسن والحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدي شباب أهل الجنة، هو سعيد حين يقدمني إلى أخته زينب وإلى أمه وأبيه كأنه يقول لهم اطمئنوا أنا الساقي يوم الطفوف، والقربة الدليل، سعادتي حين يتحدث عني بهذه الصورة الجميلة وصورة الغد، يقدمني بفرح لسيدي الحسين ليشرب:
ـ سيدي مولاي هذه قربتي وكأنه يريد أن يجمع شهادة أهل البيت لحضوري المستقبلي هناك، أين هناك؟ مع مرور الأيام بدأت أفهم هناك وأعرف من تعني هناك تعني الطف، وماذا يعني الطف؟ أدركت أيضا أنها كربلاء، أرى تشابها سلوكيا يجمع سجايا الحسن ومولاي الحسين ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام امتزجت كلها في سلوك العباس سلام الله عليه، ترى هل أنا على حق حين أقدم نفسي شاهدة على أمور بيت أهل البيت عليهم السلام، أم ليس من حقي؟
وعشرة العباس عليه السلام امتدت طيلة هذه السنوات، مولاي الحسين سلام الله عليه يدرك تماما إخلاص أبي الفضل منذ نعومة عشقه الذي يحتويه يناديهم مولاي الحسين سلام الله عليه، كان يعرف أنه منبع الإخلاص، قدمه على كل أهل بيته، سأحدثكم عن شيء ولا تدهشكم بلاغتي فأنا ربيبة هذا البيت المزدان بالعلم والمعرفة.
- (شهادتي الأولى) أن المكون التربوي لمولاي العباس رفعه إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيروا مجريات تاريخ البشرية بما قدموه لها من التضحيات الهائلة في سبيل قضاياها المصيرية وإنقاذها من ظلمات الذل والعبودية، هذه الكلمات طالما كنت أسمعها من مولاي الحسن والحسين حين يقيمان مزايا أبي الفضل العباس
- (الشهادة الثانية)
تأثر أبي الفضل العباس عليه السلام في العلم بالقيم العظيمة غرست دروس هذا البيت العظيم في أعماق نفسه، ما أخشاه أنا القربة أن يفكر يوما ويستبدلني أو يراني أصغر من أن يقتحم بي الطف لكني أنا أقرب قربة لذاته ومحتواه.
كنت أتمنى أن يسالني أهم يوما صفي لي العباس عليه السلام.. (الله) يا
لسعادتي
كان مولاي يحب الإثرة، شجاعا يحلم دائما بأن يفتدي أخيه الحسين عليه السلام بنفسه، كنت أجلس ساعات أفكر في نفسي ما معنى أن يصفه مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بصاحب الجناحين.
سأصفه لكم، كان سيدي العباس نافذ البصيرة، ذكيا يستوعب كل دروس الدين والحياة، ويعرف كل كلمة تقال، ويعرف كل كلمة ستقال، شديد الراي مولاي العباس وله أصالة فكر تعلمها من إخوته وإمامه، كان صافي النوايا، ما أطيب سريرته، كان متواضعا سعيدا حين يحملني أمام الناس ليقدمني للعطاشى في كل سبيل وأن لم يطلبوا الماء يعرف العطشان والجوعان من عينه ويعرف صاحب الحاجة دون أن ينطق، يكفي أنه ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، صلب الإيمان، ألطف الأشياء في سيدي لم يفكر يوما أن يقدم عملا بدوافع مادية.
كان في غاية معاني الإجلال والتعظيم أنا أدرك كوني قربة خلقت للماء لأروي العطاشى لكن مع وجودي في بيت تباركه السماء أصبحت أدرك الكثير من الأمور، مولاي العباس سلام الله عليه وفي لأخيه الحسين في جميع أموره، وتابعه في جميع قضاياه لعلمه بأمانته، وصدق العباس أخاه ريحانه رسول الله صل الله عليه وآله وسلم في جميع اتجاهاته، كان مولاي العباس قمة من الوفاء شجاعا مقداما تضرب بشجاعته الأمثال، كنت أعجب من مولاي عند كل ظهيرة يعلقني ويتحدث معي ويوصيني بالصحو واليقظة في الطف، حتى صرت أشعر أنه يعدني مثلما يعد نفسه للشهداء.
الله.. كم جميل أن أستشهد مع العباس عليه السلام، ويهمس في أذني أشياء لا أفهمها كونها أكبر من تكويني، مرت الظروف المأزومة على أهل البيت وأنا شاهدة على كل ما يجري، أسوء ما تركته حكومة عثمان أنها ألقت الفتنة بين المسلمين، حصلت الثروة عند الأمويين وآل أبي معيط وعملائهم من القرشيين الحاقدين على العدل الاجتماعي، استطاعوا القيام بعصيان مسلح ضد حكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، الذي كان امتدادا ذاتيا لحكومة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، منح الإمام علي عليه السلام الحريات للخصوم بشرط أن لا يحدث إفساد، بويع الإمام عليه السلام وكنت أنظر إلى مولاي العباس عليه السلام وهو يكشف لي معدنه الأصيل لم يفرق في البيت شيئا عن ما قبل استلام السلطة وبعد استلام السلطة لم يضاف شيء إلى البيت ولقد تبنى الإمام العدل الاقتصادي والسياسي أنا لا أريد أن أتحدث في شؤون السياسة والانقلابات المزاجية التي يضرها وجود الإمام علي عليه السلام على السلطة، بدأت المؤامرات وأجمع المتآمرون وأعلن عن احتلال البصرة، والتحقت بهم بهائم البشر من ليس له فكر ولا راي استطاعوا احتلال البصرة، بعد
مقاومة عنيفة بينهم وبين الحكومة المركزية، القى القبض على حاكمها سهيل بن حنيف وجيء به مغفورا إلى عائشة، فامرت بنصف لحيته، وعاد شابا أمرا السعداء كل ثائر من أبطال الوعي الإسلامي أمثال عمار بن ياسر، مالك الأشتر، حجر بن عدي الكندي وابن التيهان، كل حمل قربته وكان العباس عليه السلام يرى هذه الأحداث، أعود لأتذكر موقف العباس في صفين يحملني على فرسه وسيفه يصرخ في الأعداء هل من مبارز كنت أشعر بما يدور في قلب مولاي أمير المؤمنين مع كل هذه الشجاعة التي أبدعها مولاي أبو الفضل، هو اذخره ليوم عاشوراء، ها أنا بدأت أعرف ماذا يعني الطف كربلائي، يوم عاشوراء، بدأت تلوح لي في سماء الإسلام حربا أخرى وإذا بي أسمع مولاي ينادي، فزت رب الكعبة.
|