نستطيع من خلال قراءة سيرة عالم مجاهد أن نتعرف على طريقة تفكيره ووجهات النظر في الكثير من الأمور الحياتية والعلمية والانسانية، نستدل منها على إنسانية هذا العالم
وعند حياة السيد محمد بن علي الطباطبائي، المعروف بالسيد محمد المجاهد وصاحب المناهل من فقهاء الشيعة، أقف عند معنى الهجرة من كربلاء إلى أصفهان في زمن والده والعودة الى كربلاء بعد وفاة والده سنة 1231هـ
تولى فيها منصب الإفتاء والقضاء والزعامة وكان مرجعا للشيعة.
السؤال الذي دفعني للبحث عن الهجرة، وعلماء العالم كله يتمنون المجيء إلى كربلاء للتبرك والدرس لما تمتلك كربلاء من العلم والمعرفة، هاجس يوقظني لا بدمن وجود سبب لهذه الهجرة، وعرفت بعد جهد أن سبب الرحلة سببا إنسانيا ومنهلا تربويا لا بد أن ينهل منه كل عاقل
المعروف أن السيد محمد المجاهد درس عند أبيه صاحب الرياض والعلامة بحر العلوم، فترقى في علمي الفقه والأصول حتى عده والده أعلم منه، ويبدو أن هذه القضية لم تمر بخير على هذا العالم الجليل، أن يشعر الأب أن ابنه أفضل منه علما، حتى أن السيد علي صار لا يفتي وابنه في كربلاء، كان يصرح للعلماء هذا الامر:
ـ انا لا أفتي وابني موجود في كربلاء لأنه أعلم مني، وحين علم السيد محمد المجاهد بالأمر قرر أن يهاجر إلى أصفهان (كتاب أعيان الشيعة للأميني ج9 ص443) وخلال سنوات الهجرة انشغل بالتدريس والتأليف وصنف كتابه (مفاتيح الاصول) ورجع إلى كربلاء بعد وفاة أبيه وكان مرجعا للشيعة
يعني هناك سؤال مهم لمن يقرأ سيرة العالم السيد محمد بن علي الطباطبائي عن سبب تسميته بالسيد محمد المجاهد؟
ومن أين جاء لقب المجاهد؟
انتقل السيد فترة إلى الكاظمية بسبب هجوم الوهابيين على كربلاء، وخلال إقامته في الكاظمية كانت تدور مراسلات بينه وبين الشاه فتح علي شاه، كان الشاه يحترمه، وكان السيد يكتب له بعض التعليمات، وأخيرا تأزمت الأمور في إيران بسبب الاحتلال الروسي، طلب فتح علي شاه من السيد أن يتخذ موقفا فتوجه إلى إيران مع جماعة من العلماء والطلاب، وأهل الصلاح لنصرة المقاتلين المسلمين الذين يحاربون الروس، وأصدر فتوى الجهاد ضد الروس وتوجه بنفسه إلى ساحات القتال، لذا لقب بالمجاهد، فصار له دور بارز في إيران حتى أن المندوب السامي الروسي، كان يحاول بكل جهده أن يلتقي به، ولكنه رفض رفضا قاطعا، دعا أبناء الشعب والعلماء وأغلب المسؤولين إلى إعلان الحرب ضد الحكومة الروسية، وأصدروا فتوى من يتقاعس عن جهاد الروس يعد كمن عصى الله وأتبع الشيطان
بعد فتوى السيد المجاهد هب الجميع للدفاع عن إيران، واستثمرت الحرب لمدة عشر سنوات، وحققت الفتوى انتصارات ملحوظة وصدت التغلغل الروسي في الأراضي الإيرانية وكاد تحقيق النصر لولا خيانة بعض القادة القاجاريين
والتقى الإيرانيون بالروس في تفليس وكان انكسار الإيرانيين وضياع عدة ولايات من إيران استولى عليها الروس ودفع غرامة حربية أثقلت كاهل دولة يران.
لماذا خسرت إيران الحرب؟
يقال أن هناك خيانة حصلت من القائد عباس ميرزا، حيث تعهد له الروس أن تكون ولاية عهد السلطة الإيرانية له ولبعض قادة الحرب معه، وهذا التعليل مرفوض عند المؤرخين الإيرانيين، يوعزون الخسارة إلى قوة الجيش الروسي أمام جيش إيران الغير مدرب وغير مستعد للحرب، وبعد رجوع السيد من الحرب وصل إلى أردبيل قيل هو لم يتكلم لمدة سبعة أيام ولما وصل إلى قزوين توفى إلى رحمة ربه، وقد ترك وصيته بأن تنقل جثته إلى مسقط راسه كربلاء، ودفن بجوار سيد الشهداء الحسين عليه السلام
بعض النواب في العهد الملكي قرروا أن يسمى شارعان في بغداد واحد باسم السيد هبة الدين الشهرستاني، والآخر باسم السيد محمد المجاهد، ونتأمل يوما أن يتحقق ما عجز الأمس عن تحقيقه.
|