يحمل النص الديني قداسة اعتبارية من الشارع المقدس في قلوب أتباعه، لصدوره الوحياني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لعصمته ودلالاته الربانية من أجل وصول الإنسان المعتقد به للكمال الروحي وتقويم اعوجاجه في توحيد الخالق، وتوابعه من أصول الدين وفروعه، وربطه بخاتمة سعيدة إن هو التزم بذلك النص المقدس التزاما حرفيا من دون إضافة، أو حذف، أو اتباع هوىً في تفسيره أو تأويله من منطلقات لوثاته العقلية. ولكن يوجد اليوم بيننا كما هو معهود في غابر الأزمان مَن تاجر بالنص الديني من أجل غايات وأهداف دنيوية بالرغم مِن معرفته بقداسته وخطورة اللعب به في ميدان الأهواء النفسية البدعية ولواحقها من الزعامة وجباية الأموال وتكوين فرق ضالة مضلة انشطارية تتخذ من سذاجة الناس وفطرتهم وفراغ الساحة من المتصدي البارع في أماكن الجهل وأخيه الفقر، حينئذ يسهُل على أصحاب البدع ومَن لف لفهم اللعب على أوتار تطويع النص الديني وحرف حقيقته المقدسة نحو بوصلة مشاريعهم الربحية التي تنخر كما السوسة في جذور الأصالة الدينية وتهجين مجتمع ضحل لا يميز بين الغث والسمين، ولا مَن هم رعاة الدين وحماته الحقيقيون، ولا يفرق بين المعتاشين على قوارع ضحالة العقول وبين مَن نذر نفسه من أجل هدايتهم وسعادتهم في الدارين.
فما هو المقصود بتطويع النص الديني؟
يمكننا استنطاق كتاب الله في ذمه لليهود في الآية المباركة من سورة البقرة "ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"، فهو يغنيننا عن تشعبات الجذر اللغوي للمفردة محل البحث أعني بها (تطويع) وذلك لإن حقيقة التحريف تعني تطويعا للنص بحسب إرادة المحرّف المنحرف تبعا لهواه وخصوصا إذا تأملنا في ذيل الآية الكريمة "من بعد ما عقلوه" أي عقلوه عن معرفة وعلم.
أقول:يمكننا أن نعدّي الآية المباركة إلى ما نحن فيه على قاعدة الأصولية" المورد لا يخصص الوارد" وأن الآية تشمل كل من يطوع النص الديني طبقا على هواه، أو عندياته، أو مآربه، أو غاياته حتى وإن كان مسلما بل ولو كان معتقدا بقداسته، بلا فرق في ذلك كله وذلك لإن الخطاب القرآني عامٌ في غالبه، إلا أن يدل دليل على التخصيص وما يجري من كلام حول التطويع القرآني يمكن جره إلى التطويع الروائي ولنسمّه بليّ عنق النص الروائي فإنه أدق في التوصيف.
٠ خفاء التطويع أو الليّ على العامة.
تحت هذا المحور يكمن الخطر إذ يُعتبر حرفة وبضاعة أناس متخصصون مع بالغ الأسف في الشأن الديني قد استهوتهم شهوة التشوف لمجد الزعامة وخفق النعال وأولادها من ملازمات بسبب ضعف المقدمات الإيمانية المهزوزة والإنحراف الضامر منذ نعومة الأظفار والغرور العلمي المبكر كل أولئك كان مشهودا عند استقراء الشخصيات التي اتخذت من تطويع النص الديني حرفة لمشاريعها المستقبلية ولم يتم اكتشافها إلا بعد بدو ظاهرة انحرافها للعيان واضحا حين تخرج على الثوابت والأصول فتقع في مصيدة أولي الأبصار من رعاة الدين والأساطين من العلماء المحققين.
أما العامة من الناس فيغريهم كل بريق يلمع من العنوانات كالحداثة أي قراءة النص قراءة جديدة مغايرة لفهم الفقيه المجتهد المتخصص الذي أفنى زهرة شبابه في ملاحقة التراث والعرض على الكتاب وفك التعارض وتنقيح الإسناد وهضم المتون والبراعة في إتقان الآليات وانحناء الظهر في تحقيق الفقه والاصول وعلم الرجال وسبر الكتب فيغيب عن أفهامهم القاصرة بالتأكيد من هم أولئك المطوعون الذين يلوون عنق النص.
بل الأدهى والأمر أن ساستنا اليوم باتوا من أولئك الذين استفادوا من حرفة تطويع النص الديني والإستشهاد به في محافلهم الإنتخابية.
٠الفرق بين تطويع النص الديني والإجتهاد.
هناك فرق بالتأكيد عند التأمل
التطويع فيه شمّة تسخير النص للمراد الدنيوي.
أما الإجتهاد فيعني إعمال ملكة الإستنباط عبر آليات ما يقع في طريقه من علوم شتى من أجل غاية سامية وهي ربط أيتام آل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمدرسة أهل بيت العصمة والطهارة بالفقيه الجامع لشرائط الفتيا في زمن الغيبة الكبرى لمولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه لإخراجهم من الظلمات إلى النور في شئون دنياهم وآخرتهم ما لكم كيف تحكمون يا حداثويون يا من تتلاعبون على حبل المصطلحات أمام هواة مشاريعكم والمصفقون لكم على جهل مريع؟!
وحتى العلماني و(الليبرالي) أصبح اليوم يحرث في الكافي الشريف وبحار الأنوار من أجل تطويع نصوصه لمآربه وغاياته بالرغم من وضوح تخندقه وقد استعمل الشيوعيون من قبل أسلوب تطويع النص الشريف في جر شباب العراق لزريبة حزبهم ويمكنكم استقراء أدبيات أيامهم السالفة.
ويا لها من مصيبة تدمي القلوب قبل العقول أن يكون النص الديني ألعوبة في متناول من هب ودب من أصحاب الغايات والمآرب الدنيوية سواء كانوا من الدينين أو السياسيين وأصحاب الدكاكين من المبتدعين الضالين المضلين.
|