لو قُدّرَ لي أن أعرف اليتم، لعرفته بيقظة الطفولة..
هناك بعض أنواع من الألم يقاسيها الإنسان في معترك الحياة مثل ألم السؤال، ألم الوحدة وألم الغربة واليتم منهلها جميعها، هناك أيضا أنواع من الجراح منها ما يضمد ويشفى ومنها يكون نبع نزيف لا يعالج ولا يضمد، وجراح اليتم أقساها
هل يمكن أن ندرك حجم المأساة لطفلة فقدت الأب، قد لا يستطيع الإنسان مهما أمتلك من الفطنة أن يصل إلى أعماق هذه الطفلة اليتيمة التي لا تنتمي إلى لؤم العالم ومكره ودسائس العروش وليس لها أي ظل في صراعات تبثها سلطة آل أمية للعالم من غل وشر يلفح ضمائرهم التي أكلها الجور
سلطة حكومة وعرش وجيش يرتجز ليستعرض قوته أمام براءة طفلة بعمر الورد، وكأنهم يروون فيها وريثة ثورة لا ينضب أوارها
السلطة تقلق من طفولة رقية ويأخذهم الخوف إلى القسوة
التعامل مع شراذم باعت دينها، وأصبحت لا تملك سوى أن تعيش ذليلة تحارب الفضيلة وأهلها كي تأكل لقمة حرام، أناس وحوش لا نور إيمان بهم
عيون ذليلة لا تقدر أن تبصر الأفضل منها، وإلا طفلة بهذا العمر تجر بسفر الأزمات حتى تطفح الآهات دموعا في مقلتي البراءة، والبراءة تضيف إلى الجمال إشراقة الانتماء هي ابنة الحسين عليه السلام، تمد كفيها الصغيرتين محاولة دفع القدر، العيون هي أصدق وأبلغ لغة عند الوجع، حوارات العين مع كل ما حدث من سلب الخيام وحرقها وقساوة الشر، تمنح العين لغة الصمت الذي لا يفهمه إلا أهل العقل والوجدان، العين وجدان تحاور العطش القسري الذي يشاغب النفس ويدفعها للموت، العطش يا الهي أن تحرم الإنسان من الماء بمعنى أنك تعبث مع الله
كلما تمر رقية بنت الحسين عليهما السلام، أسأل نفسي عن جريرة من يحرم إنسانا عن الماء، جريمة من يحارب أمان إنسان، بنداوة عمرها تحمل الراس أسئلة كبيرة توزعها على الصحراء والمدن العابرة، أسئلة كبيرة
ـ ماذا يعني أن يعبد الإنسان الله سبحانه؟ وما نفع العبادة أن لم تكن رحمة للناس وسلاما للعالمين
صارت تسمع أنين الجراح، الأنين بليغ، لا شيء ينطق بالوجع، أكثر من فقد الأب، كانت تظن ببراءتها أن تشرب الماء وقلب أبيها عطشان تلك معصية لا يغفرها لها الحب والمودة ولا الحنين، أبي عطشان، أرى كل شيء في الكون عطشانا، الدنيا، والحياة، الأمل، المحبة، الرجاء، حتى الصلاة تعطش لعطش أبي، هي لغة الجراح، تختصر المسافات، وترصد الوقت بساعاته، وثوانيه، بدقائق تكوين الزمن
(إليك أكتب) ...
يامن تقدر أن تقرأ بعثرة الجراح، ألا يعني إذا تبعثر على الصفحات وجعا تصبح الحروف مدماة..
لكن من هذا الدم ممكن أن نصنع فجرا جديدا، هي تلك القضية
إن مأساة كربلاء بكل تفاصيلها الدامية قادرة على أن تصنع الحياة، محاولة مؤلمة، عطش الحسين عليه السلام الهمنا أن نكون السقاة لملايين الزائرين إلى كربلاء، وكل عام نحملها معنا لتسقي الزوار دمعتها، دمعة رقية التي أثمرت للعالم معنى ألفة الطفولة و معين الحنين، معنى الرحمة، معنى الدفء الكوني، معنى أن تمقت القسوة وسلطان الجور، وفاقدي الرحمة والانسانية، ترتجف أصابعي وهي ليست بسعة الجراح، محاولة أن تنهض نهضة المحروم بكل ذلك الألم والقهر والعذاب ـ وأنا أكتب إليك عن رقية عليها السلام، أشعر بأن الدنيا لحظتها خنقتها العبرة، بل، أروع ما في الحياة هي الطفولة، الخير، القيم، العبادة، حين يحربون براءة الطفولة يعني أن العروش تخاف من البراءة لذلك ذبحوا بالأمس أخيها الرضيع، واليوم تحمل بقايا النفس إلى وداع ،
(إليك أكتب)
فكن معي سأصحبك إلى رحلة داخل هذا الحزن الهاشمي، إلى جنائن العقيدة والإيمان إلى روح المحبة، إلى قلب الحسين عليه السلام وقرة عينه.
إنها رقية بنت الإمام الحسين عليهما سلام الله
اتفقت جميع المصادر على سيرتها المباركة ولم يكن هناك اختلاف إلا في عمرها، تفاوت في التقدير والتشخيص والتخمين قسم من الروايات اخبرتنا إنها كانت عليها السلام بعمر ثلاث سنوات، وبعض المصادر ذكرت انها ابنة سبع سنوات، لهذا سندخل ببركة الله إلى حياة قرة عين الحسين... يا الله
|