ما كان مجرّد قول صدر من سيد شهداء المقاومة - وهو يقينا صدق نعرفه نحن قبل أن يقرّ به الإسرائيلي - عن الرّدّ المتوقع من المقاومة (الردّ هو ما سترون وليس ما تسمعون)(1)، أصبح اليوم مشاهد حقيقية، يراها العالم ماثلة أمام أعين مشاهديه، بلا تزييف إعلامي طارئ عليها، وقد عوّدتنا وسائل الإعلام الغربية، ومن ورائها المتصهينة العربية ملتقطة فتات بهتانها، كتم الحقائق وتوهينها وتصغيرها -– لكي لا ترى بحجمها - بمنتهى الخسّة والنذالة، فمن سقطت عنهم أقنعة التمثيل وتعرّت عورتهم، لم يعد يُرتابُ في كونهم صهاينة عرب، أكثر صهينة من إسرائيل نفسها.
أمريكا التي لا ترى في هذا العالم حاكما غيرها، قال رئيسها المختلّ (بايدن) منذ أيّام: (لا أحد يستطيع الوقوف بوجه أمريكا)(2) فجاءته من الله عقوبة أولى إعصار ميلتون، سوف تعقبها عقوبات أخرى من عباده الصالحين، الذين سينتقمون من كل جرائمها المرتكبة بحق شعوب العالم، على مدى تاريخها الإجرامي الطويل الذي لم يتوقف يوما، وقد امتلأ سجلّها بجرائم لو أُحصيت جميعها، لذهل العالم من حصيلتها، وهي ليست حصيلة نهائية باعتبار طبعها الاجرامي الدموي، ونزعة التسلط التي عُرِفت بها، جعلها لا تقيم وزنا للإنسان وقيمه، متعالية على الجميع على حدّ سواء دولا ضعيفة أو قويّة، عنصرية في سلوكها، مستكبرة في مواقفها الظالمة، ولو اعتبرنا فقط مساندتها المطلقة لكيان إسرائيل الجاثم على أرض فلسطين، وما قدّمته له من دعم عسكري ومالي لا محدود، وما أبدته له من تأييد في المحافل الدولية، رغم جرائمه التي بلغت حدّ الإبادة الجماعية، لكفا أمريكا إدانة وتورّطا.
إسرائيل وحدها ليس بإمكانها العيش بأسلوبها الاستعماري، وعدوانها المتكرر على الجميع، فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وعراقيين ويمنيين وايرانيين، لولا التأييد والدعم والمساندة التي تتلقاها من أمريكا، على اخلاف أجنحة حكمها (جمهوريين وديمقراطيين)، فقد جعلت منها ثورا نطاحا في المنطقة، يرغي ويزبد كما يحلو له، ويرتكب ما يشاء من عدوان تحت أنظارها وحمايتها، ويقول القائل: ما هي مصلحة أمريكا في وجود كيان مثله على أرض فلسطين، مع ما يرتكبه من جرائم؟ بالتأكيد لأمريكا مصلحة السيطرة على منطقة غنيّة بالطاقة (نفط وغاز ومعادن أخرى) وسوقا تجارية لصناعاتها المدنية والعسكرية، وإسرائيل بعد أن استلمت عُهْدتها أمريكا ومن بريطانيا، تُعْتَبر محميّة وقاعدة مُمَيّزة لأمريكا، على سائر قواعدها المنتشرة في العالم.
مبالغة أمريكا في إطلاق يد القوات الإسرائيلية تعربد كيف تشاء في المنطقة، جعلها بنظر أحرار العالم تبدو شريكة في كل ما يجري هناك، فما سخّرته من تجهيزات وذخائر وتقنيات ودعم لوجستي، خلال عدوانها على غزّة وجنوب لبنان، يُثبتان تورّطا كاملا، لا يمكنها أن تتنصّل منه بأيّ حال من الأحوال، وهي حماقة أمريكية في تقويتها هذا العجل الذي اعجبته قوّته فلم يعد يبصر من خلالها ما حوله، وظهور أمريكا في هذه العلاقة الحميمة كالسامري الذي دعا قومه إلى اتخاذ عجل، فأطاعوه بحليّهم التي قدّموها، وانقادوا له في فكرته الشيطانية بلا أدنى احتراز ولا تساؤل، إلى أين يأخذهم في غيّه، وفي عهدهم ذلك نبيّان ( موسى وهارون)، قد اقدموا على جرم فظيع وعصوا أنبياءهم في ذلك الزمن فكيف بهم في هذا الزمن ولا ناصح لهم؟
وكيف ينتصح من ركبوا رؤوسهم، وقد ركبتهم عقيدة التفوّق؟ إلّا أن يصطدموا بحقيقة أنهم لم يعودوا كما شاءت لهم مؤامراتهم، الجيش الذي لا يقهر، فإذا هو اليوم مجرّد عساكر جبانة مرتعبة من المواجهة والموت، فارّة من الخدمة ورافضة الالتحاق بثكناتها وجبهاتها، سواء في غزة أو شمال فلسطين المحتلة، وقد أفادت مصادر إسرائيلية أن هناك ما يزيد عن ألفي جندي معدودين في حالة فرار من الخدمة منذ 7/10/2023 (3)، ومستوطنون كانوا في رغد عيش لم يدم لهم طويلا، وتحوّل منذ طوفان الأقصى والوعد الصادق، إلى كوابيس يعيشونها يوما بيوم داخل الملاجئ، ومع احتساب من فروا على مناطق يعتبرونها آمنة أصبحت غير آمنة.
النجاح الذي حققته فصائل محور المقاومة يعود أوّلا إلى التوفيقات الإلهية، التي تؤيّد دائما أصحاب الحقوق المهضومة، ويعود ثانيا إلى إيران، التي لم تبخل يوما بتقديم ما في وسعها من أعتدة وأموال واستشارات عسكرية، حوّل هذه الفصائل من مجموعات غير متجانسة، إلى وحدة متناسقة فيما بينها، تعمل كرجل واحد على تحقيق هدف منشود هو تحرير فلسطين، وتخليص أرضها وشعبها من معتدين فاسدين، لم يتوقفوا يوما عن ارتكاب جرائمهم، في ظل حماية أمريكية غربيّة.
مع هذا الصمود الأسطوري لحماس والجهاد في غزة، ووقوف حزب الله في وجه الاجتياح الإسرائيلي على جنوب لبنان، وقوفا جديرا بأن يبرهن على قوة وصلابة عناصره في المعارك الدائرة على طول الخط الأزرق الفاصل بين شمال فلسطين وجنوب لبنان، وقد أظهر هؤلاء الابطال شجاعة في المعارك المباشرة والالتحام الجسدي، بثت الرعب في قلوب المهاجمين الصهاينة، هذا فضلا عن صليات الصواريخ المتنوعة، والطائرات الإنقضاضية، التي اثخنت من عمق جراح هذا الجيش المكوّن في قسم منه من المرتزقة، والذي لن يصمد طويلا في صورة تحوّل المواجهة إلى حرب استنزاف.
وبناء على هذه المعطيات الهامة بالإمكان القول: بأن ساعة النصر لاحت بجهود أبطال المقاومة، وسوف يشهد هذا الجيل نهاية غدة سرطانية زرعها الغرب على ارضنا ليتحكم في شعوبنا، ويستغل مواردنا رغما عن أنوفنا، وهذه سياسة رعناء لا يقبلها شعب حر، أمامنا الميدان وساحات القتال تنادي شرفاء هذه الأمّة، فقد ازفت ساعة إثبات الحقوق بالقوّة، ولا أشدّ على العدوّ من قهره وإرغامه على قبول الهزيمة، مهما فعلت له أمريكا من مساندة ودعم، قريبا يُذْبَحُ عجل السامري على تخوم جنوب لبنان، وسكون إصبع الجليل شاهدا على ذلك اليوم العظيم.
المراجع
1 – نصر الله: الخبر ما ترون لا ما تسمعون
https://www.al-watan.com/article/141220/
2 – بايدن قال لا أحد يقف بوجه أمريكا فجاءه إعصار ميلتون .. فيديو
https://www.assawsana.com/article/647452#google_vignette
3 – إعلام إسرائيلي: تهرّب الجنود من الخدمة العسكرية يدفع "الجيش" إلى تشديد العقوبة ضدهم https://www.almayadeen.net/news/politics/
|