من وصايا النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام):
"يَا عَلِيُّ مَنْ خَافَ النَّاسُ لِسَانَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".
مكارم الأخلاق – ص ٤٣٣.
من معصوم كامل يمثل السماء إلى أخيه وخليفته ووصيّه وأمير المؤمنين يمثلها كذلك ، لا يمكن أن تحمل كلماته روحي فداه على أنّها وصية لمن يخطأ أو يتوقع من الخطأ ، لا أبداً ولا يصح أن تقال، والقول بها إنحراف عن الحقّ، وجهل بمقام من رتبهم الله تعالى بالمراتب التي أرادها، بل هي كلمة لمن يخطأ ويطلب العفو ويريد العود للصواب، ولو تأملنا جيداً بهذه الكلمة الكبيرة ، لوجنا فيها عمقا كبيرا لا يمكن لغيرهم أن ينطقها فهي تكشف عن علم لا يصل إليه أحد، نجد أنّها مع قلّة الألفاظ عدداً، إلّا أنّ عمق معناها يكشف عن جمعها لكلمات عديدة.
الجوارح نعم ولكن أصحابها يصيرونها باباً من أبواب النار، وطريقاً من الطرق التي تؤدي إلى النار، لكلّ جارحة حسنة وكذلك يصدر منها الذنب، وكلّ حاسة بحسبها، فذنب الأذن غير ذنب العين.
ومن النعم هو اللسان اللِّسان من النّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان، ليستعين به على أمور دينه ودنياه.
وقد بلغ هذا اللِّسان من الخطورة، بحيث نسبت إليه أعظم الشَّرور الدُّنيوية والأخرويَّة، وفي الكافي، ج 2: أنّه سأل سائل رسول الله، قال يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وآله: "احفظ لسانك، وَيْحكَ وهل يَكُبُّ النّاس على مناخرهم في النّار إلّا حَصائِدُ ألسنتهم"
يحصل صاحبه على الحسنة كما في الكلمة الطيبة وأمثالها، ويقترف السيئة -نستجير بالله-.
يخاف الناس لسانه فهو من ينهش أعراضهم بكلب عقور، لا يهاب آت ولا يسلم منه هارب بين غيبة وطعن وظن وتهمة وبهتان، لا يقبل عذر نعتذر ولا يحمل أحداً على محمل حسن أبداً.
ومن ذنوب الإنسان التي يقترفها الإنسان من لسانه هي الخوض في الباطل: يقول المولى الكريم حكاية عن بعض أهل النَّار قولهم ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾، والمراد منه الدُّخول في أيّ حديث وأيّ كلام، بلا حساب ولا تدبر ولا وعي. وقد ورد في كنز العمال: عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله): "أعظم الناس خطايا يوم القيامة هم أكثرهم خوضاً في الباطل"
ومنها كذلك السُّخرية والاستهزاء: السُّخرية من آفات اللِّسان، وقد نهى عنها ديننا، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾سورة الحجرات.
وكذلك الغيبة والنميمة وغيرها من الذنوب نستجير بالله منها.
الأفضل قبل الكلام هو التَّفَكُّر قبل الكلام: وهذا العلاج لكلِّ آفات اللِّسان، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "وإنَّ لسان المؤمن وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه، لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام تدبَّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، وإن المنافق يتكلَّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه" نهج البلاغة.
فالوصية لنا نتعلّم منها ونعمل بها لنصل إلى برّ الأمان من الوقوع في مشاكل آثار تلك الذنوب.
|