منذ أن مَهّدَ الإمام الحسين (عليه السلام) للقيام المقدس والنهضة الخالدة شرع ببيان أهدافها الرئيسية منذ اللحظة الأولى، ويُعد الهدف المحوري لهذه النهضة هو الحفاظ على دين الله وإصلاح ماافسده بنو أمية ومن سبقهم من خلفاء الجور الظلمة داخل الأمة ، فقد بثوا الانحرافات والمفاسد في مختلف مفاصل الحياة ناهيك عن تحريفهم لمقاصد كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبر تزييف الحقائق من جهة وذلك عن طريق بث الأكاذيب والأحاديث المختلقة التي وضعها فقهاء البلاط الأموي ومن جهة أخرى استخدام الإرهاب الفكري لطمس الحقائق وتغييبها ، كما أنهم اسرفوا في قتل واضطهاد الصالحين وفي طليعتهم خلفاء الله في أرضه آل محمد (عليهم السلام) وصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العدول كابي ذر وعمار والمقداد وغيرهم
فالاحداث بدأت تأخذ منحى آخر وهو الأخطر فقد أشترى بنو اميه الولاءات عبر الأموال أيضا والترغيب بالإمارات وقد استجاب جمهرة كبيرة لهذه العروض حتى أنهم شهدوا الزور واصطفوا مع معسكر الباطل طلبا للدنيا وزينتها الزائلة الفانية ، فبدأ دين الله غربته مع هذه العصابة الفاجرة المسرفة الغارقة بالملذات والنزوات حيث تقودها إلى الطغيان والعصيان ، وهنا تأتي الكلمة والموقف الصادق والانتماء الخالص لهذا الدين كما أن الإمام (عليه السلام) قائد الدين الحق الذي لاليل فيه ولابدعة معه فهو يرى ببصيرة تامة لذا فقد اتُخذ القرار الذي غَيّر مسار التاريخ ومجاري الأمور
اعتادت البشرية على أن الغلبة يحددها ميدان المعركة وهذه معلومة معروفة إلا أن ماحدث في كربلاء غير المتعارف المعهود والعادة التي سار عليها الناس منذ وجود الخليقة ، هذه المرة انتصر الدم على السيف انتصرت هذه الدماء الزكية على أضخم ترسانة عسكرية في ذلك الحين ، انتصرت هذه العائلة التي تجرعت اقسى أنواع العذاب وبقيت مرابطة في سبيل الحق حتى رفع الله رايتها وجعلها عبرة وقدوة للأجيال
وهنا لنتأمل في حال هذه الفاجعة التي تحولت إلى نصرا مبينا فهي مراد الهي غَيّر وجهة الأحداث وهذا كان معلوما لدى سيد الشهداء (عليه السلام) وماورد في كتابه لمحمد بن علي الذي جاء فيه [بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام ](١)
فالفتح الذي كان يقصده الإمام الحسين (عليه السلام)هو الفتح الذي جعل من دماءه الطاهرة سورا ذاد فيه عن دين جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظه من ايدي المبطلين والكافرين الذين عقدوا مع الشيطان حلفا لهدمه فحق بعد ذلك أن يقال إن الدين محمدي الوجود حسيني البقاء ، وقد أكرمه الله فجعل له من الذكر والخلود مايجدده كل عام ، حتى الحزن عليه جعل فيه من الثواب والجزاء مالم يجعله لغيره وهذه الحقيقة جاءت في بيانات المعصومين (عليهم السلام)حول الفاجعة فهي كثيرة ومتواترة فوق حد الاحصاء لأهمية هذه النهضة
وأيضا حث المؤمنين على زيارته فإن من البركات التي خصها الله تعالى لسيد الشهداء (عليه السلام) بأن جعل الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته والبكاء عليه وزيارته من المستحبات الاكيده التي أصبحت علامة المؤمن البارزة
فلولاه لما بقي لهذا الدين من أثر فإن الطغاة عزموا على طمسه بغضا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقدا على ماحققه من عدالة اجتماعية واجلس كلا في مكانه واوقف الظلم والطغيان الجاهلي بحق الناس فلم يرق للطلقاء وأبنائهم أن تُكسر شوكتهم وتذل دولتهم فعمدوا على محو آثار النبوة المتمثلة بثقل الإمامة الباقية في آل محمد (عليهم السلام) فالاذان الذي يرفع والصلاة التي تقام والأحكام التي يُعمل بها كلها ببركات هذه الدماء الزكية فالحسين عليه السلام أول من أعطى دماءه الطاهرة في سبيل الحفاظ على الهوية الدينية والقيم الإلهية في الأرض ومن هنا تعرف عظمة هذه النهضة وأهم أهدافها
فهذا البكاء وهذه الشعائر هي تبكي ثقل الإمامة الذي هتك وكيان الدين الحق الذي نُصب من السماء فالذي سالت دماءه بين ظهرانينا كان جبرائيل يهز مهده وميكائيل يناغيه والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يحمله ويغذيه ، وموكب السبي الذي سار من كربلاء إلى الكوفة ومن ثم إلى الشام كان رهط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمثل مدى استهانة هؤلاء القوم برمزية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد فضحوا أنفسهم بعد أن بانت نواياهم الخبيثة وسرائرهم الحاقدة
وهنا ننقل خبرا عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يوضح خلود هذه النهضة وكأنه يتحدث عن أيامنا [عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين (عليه السلام) وكأني بالأسواق قد حفت حول قبره فلا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الأفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان](٢)
وأيضا من حديث جرى بين فخر المخدرات زينب (عليها السلام) والإمام زين العابدين (عليه السلام)
إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام و ليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا. (٣)
وهذه العهود المقطوعة تدل على أن ماجرى كان تخطيطا الهيا محضا وهناك أخبار تدل على إخبار النبي (صلى اللّه عليه وآله) على الفاجعة وأبعادها وثمراتها في أيامه وهذا مما يجعل الحجة قائمة بجميع أطرافها على الأمة التي شايعت وبايعت وتابعت على قتله
السلام عليك سيدي يااباعبد الله وعلى الارواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك
_______
(١) بحار الانوار نقلا عن كامل الزيارات
(٢) بحار الانوار نقلاً عن صحيفة الرضا (عليه السلام)
(٣) بحار الانوار
|