يتسائل البعض إذا كان الإمام الحسين عليه السلام أقدم على السفر من مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى أرض العراق والمسافة كانت جداً طويلة، أشد الرجال في وقتها كانت ترى الويلات حتى تصل الى المكان المطلوب، فلماذا أقدم هذا الإمام المعصوم على أخذ النساء معه؟! رغم عناء السفر وطول الطريق، ياترى هل كان الإمام الحسين (عليه السلام) لا يعلم بمشقات الطريق وحرارة الصحراء القاحلة التي كانت تغطي أغلب المناطق في ذاك الوقت؟ بل بأبي وأمي يعلم علم ما كان وما يكون، لكن هنالك حتماً غاية لدى الإمام لا تدركها كل العقول.
شد رحاله، وجمع عياله، فأخذ بيد النساء والأطفال، وأكمل مسيرته، قاطعاً هذه المسافة الشاسعة بحرارتها وقيضها وتعبها وحر هجيرها حتى حط رحاله في كربلاء، ليبدأ برسم الماضي والمستقبل ويسطر أروع الملاحم في صبيحة يوم عاشوراء، وهو يقدم الولد بعد الصاحب، والأخ بعد الولد، حتى قدم كل ما يملك، الى أن وصل أن قدم جسده الشريف بكل جوارحه قربان الى الله تعالى، ليتقبل الله القربان ويضع دمه بين الأرض والسماء الى يوم القيامة!
انتهت ظهيرة الملحمة وقدم الحسين نفسه والبنون، ولم يقصر قيد أنمله، ولكن لم تنتهي رسالة الحسين (عليه السلام) الى هذا الحد فقد أودعها بيد أمينه، كأنها شريط ينقل ملحمة انتصار الدم على السيف، كان بيد كل نسائه شريط يستعرضن به أين ما حلت إحداهن وأين ما حطت ترحالها! كانت تحدث القاصي والداني عن هذه الثورة التي لولاها لما بقي الإسلام الى يومنا هذا، لتصبح كل واحدةً منهن إعلامية تروي الحدث بأدق التفاصيل وبأوضح وأكمل صورة.
ضمن هذه النساء الثائرات كانت بنت للإمام الحسين اسمها (سكينة) كانت صغيرة العمر جليلة القدر عظيمة المنزلة، ولكنها أثبتت للعالم بأكمله بأن العمر لم يكن مقياساً لثورة الحق على الباطل، أفجعت القوم وأزاحت الستار عن وجوههم، وبدأ جهادها الإعلامي يتحدث بلسان صريح ويقول أن المرأة مجاهدة ولديها ساحتها وجبهتها الخاصة، وان الدور المناط إليها من أجل الدفاع عن الدين والمذهب لا يقل عن دور الرجل.
السيدة سكينة كانت إعلامية حذقة ذكية وقفت بجانب إمام زمانها وناصرته ولم تخذله، لأنها عرفت بأن المرأة دورها في الجهاد والتأثير في المجتمع بالغ الأهمية وقد لا نبالغ إذ قلنا بأنه دورها أكبر من دور الرجل، لأن المرأة تخرج من تحت عبائتها المجاهدين، وهي من تهيئ المجاهد وتعده للأمر الجهادي بكافة مستلزماته المعنوية والتعبوية، ومن تحت يديها يخرج العلماء والفقهاء والمراجع، فالسيدة سكينة رغم صغر سنها الا انها كانت ناضجة العقل، بدأت مسيرتها الإعلامية من يوم واقعة الطف الى نهاية عمرها الشريف، وسطرت أروع ملاحم الجهاد الإعلامي والديني والثقافي.
نستلهم من سيرة السيدة سكينة (عليها السلام) كل معاني السمو والرفعة في مجال جهاد التبيين، حتى صارت قدوة النساء الثائرات في وقتنا الحالي، فإذا ما أرادت المرأة أن تأخذ العِبر والمآثر ونصرة إمام زمانها، فلتضع نساء الحسين (عليه السلام) نصب عينيها، ومنهم السيدة سكينة، لأنها المثال الأروع والأكمل لتتخذها النساء قدوة لهن للمضي قدماً في طريق نصرة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)
ركب الإمام المهدي (عليه السلام) بحاجة للمرأة المؤمنة المضحية المجاهدة والمثابرة، والتي اتخذت من السيدة سكينة أسوة حسنة لها، والروايات الشريفة أخبرتنا بأنه سيكون هناك مع الإمام (عجل الله فرجه) نسوة مصطفيات عددهن خمسون امرأة، داعيات مناصرات لإمام زمانهن، هيأن أنفسهن ليكُن خادمات للدين والمذهب الحنيف، جلُ همهن هو نصرة إمام زمانهن في غيبته وفي عصر ظهوره، فلم تخدعهن الدنيا ومغرياتها، وكيف لم يكن ذلك وقدوتهن السيدة الجليلة سكينة بنت الحسين (عليه السلام) فسلامٌ عليها وعلى أبيها وعلى تلكم النسوة اللاتي اتخذهن صاحب الزمان (عليه السلام) ذخيرة لنصرته.
|