قد تعدّدت جوانب الإعجاز القرآني، بمعنى عجز البشر عن الإتيان بشيء مثله بتعدد الزوايا، التي ينظر منها إنسان محايد إلى كتاب الله، ومن هذه الجوانب:
الإعجاز اللغوي، والأدبي، والبياني، والبلاغي، والنظمي، واللفظي، والدلالي.
الإعجاز العقدي "الاعتقادي".
الإعجاز التعبدي "العبادي".
الإعجاز التشريعي.
الإعجاز التاريخي.
الإعجاز التربوي.
الإعجاز النفسي.
الإعجاز الاقتصادي.
الإعجاز الإداري.
الإعجاز التنبؤي.
الإعجاز العلمي.
إعجاز التحدي للإنس والجن مجتمعين أن يأتوا بشيء من مثله في أسلوبه، أو مضمونه، أو محتواه دون أن يتمكن أحد من ذلك (١).
عجز جميع الخلق أن يعارضوا ما جاء به، سجّل على الخلق جميعًا العجز إلى يوم القيامة بقوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، (سورة الإسراء:الآية ١٨).
كتب العلماء البلغاء قديمًا وحديثًا حول "إعجاز القرآن" ووجوه هذا الإعجاز، وألّفت في ذلك كتب شتى، فمنهم من عُني بإخباره بالغيوب، ومنهم من عُني بالنظم والعبارة والأسلوب، أو ما يسمى "الإعجاز البياني" وقد كتب فيه القدماء؛ مثل: الباقلاني، والرماني، والخطابي، والجرجاني، والفخر الرازي، وغيرهم.
وكتب فيه المحدَثون؛ مثل: مصطفى صادق الرافعي، وسيد قطب في كتابه "التصوير الفني في القرآن" ومثله "مشاهد القيامة في القرآن" وطبّقه في تفسيره "في ظلال القرآن"، وكتاب الدكتور بدوي طبانة "بلاغة القرآن"، والدكتور محمد عبد الله دراز "النبأ العظيم"، ومنهم من عُني بالإعجاز التشريعي أو الإصلاحي الذي جاء به القرآن، كما فعل الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه "الوحي المحمدي"، حيث جدّد التحدي بالقرآن، وبين المقاصد التي جاء القرآن يلحقها الحياة، وأنه يستحيل أن يأتي بها رجل أمي في أمة أمية، وقد فاقت كل ما جاء به الفلاسفة والمصلحون، ومثل ذلك: المقالات التي كتبها العلامة محمد أبو زهرة في مجلة "المسلمون" الشهرية المصرية، تحت عنوان "شريعة القرآن دليل على أنه من الله" (٢).
وقد خاض العلماء والمتكلمون المسلمون منذ عصر التدوين وحتى وقتنا الراهن في موضوع الإعجاز القرآني فصنّفوا فيها مدونات مستقلة تارة وضمن مطاوي مصنفاتهم تارة أخرى..
ومن أبرز تلك المصنّفات في هذا المجال هي :
١-النكت في إعجاز القرآن، تأليف علي بن عيسى الرماني (د 384 ق)..
٢-البيان في إعجاز القرآن للمحدث الخراساني أبي علي حمد بن محمد الخطّابي (د388هـ ق)..
٣-إعجاز القرآن للقاضي أبي بكر الباقلاني ( د403 هـ ق أو 404هـ ق)..
٤-دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ( د471هـ ق)..
٥-الرسالة الشافية في إعجاز القرآن وهي الرسالة الثالثة من بين الرسائل المذكورة لعبد القاهر الجرجاني..
٦-نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، للمتكلم المعروف فخر الدين الرازي (د606ق)..
٧-معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي ( د911ق)..
٨-كتاب الكلام في وجوه إعجاز القرآن وجوابات أبي الحسن سبط المعافي بن زكريا في إعجاز القرآن كلاهما للمتكلم والعالم المعروف الشيخ المفيد (د413ق)..
٩-الموضح عن جهة إعجاز القرآن، أو الصرفة تأليف أبرز أعلام الإمامية السيد المرتضى ( د436هـ ق)..
١٠-إعجاز القرآن تأليف المحسن بن الحسين بن أحمد النيسابوري الخزاعي أحد أعلام الإمامية في القرن الخامس الهجري..
وقد تواصلت حركة التأليف في موضوع إعجاز القرآن في العصور اللاحقة حيث صدر أكثر من كتاب في هذا الموضوع، منها:
إعجاز القرآن، لمصطفي صادق الرافعي..
إعجاز القرآن في مذهب الشيعة الإمامية، تأليف توفيق الفكيكي، نشر ضمن رسالة الإسلام..
تأريخ فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية حتى عصرنا الحاضر، تأليف نعيم الحمصي.. إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة، تأليف منير سلطان..
ومقالة إعجاز القرآن لفون جرونه باوم ضمن دائرة المعارف الاسلامية.
• أوجه الإعجاز القرآني
إنّ معجزة القرآن الكريم مستمرة وخالدة، وذلك من عدة أوجه:
أوّلا / من حيث فصاحته وبلاغته التي أخرست البلغاء والفصحاء ، لا في عصر نزوله خاصة ، بل في جميع الأزمنة والدهور ، وأعجزتهم عن معارضته ، وتحدّتهم في معاقلهم ، وعقر دورهم.
ثانياً / من حيث احتوائه على أفضل القوانين والنظم ، وأرقى التشريعات في جميع المجالات الحيوية ، وإتيانه بما عجز عن الإتيان به أرقى الحضارات البشرية حتى يومنا هذا.
ثالثاً / من حيث إخباره بالاُمور المستقبلية واحتوائه على الاُمور الغيبية ، إذ أخبر
عن وقائع وحوادث مستقبلية تحقّقت بعده حرفاً بحرف.
رابعاً / من حيث سلامته عن التناقض والاختلاف في النظم والاُسلوب ، وفي المعنى والمضمون رغم تدرّجه في النزول على النبي "ص" وتنزّله في ظروف مختلفة متباينة كيفاً وحالاً ، وخلال ثلاث وعشرين سنة محفوفة بالمشاكل الجسيمة ، والتطورات العنيفة.
خامساً / من حيث تناوله الدقيق للوقائع التاريخية الماضية ، حيث قصّها على نحو خال عن شائبة الأساطير والخرافات ، وهو أمر يمكن معرفته بمقارنة القرآن الكريم مع التوراة والإنجيل.
سادساً / من حيث اشتماله على إشارات رائعة عميقة إلى حقائق كثيرة من العلوم الطبيعية التي توصّل إليها العلم الحديث ـ في هذا العصر ـ بفضل الجهود الطويلة المضنية ، وبواسطة المختبرات ، والوسائل العلمية والتجارب والاختبارات العديدة.
سابعاً / من حيث قوّة احتجاجه على خصومه ومعارضيه ، وما جاء به من حجج لم يسبق لها نظير في علم المناظرة والاحتجاج وكانت ـ ولا تزال ـ أنجح الحجج في إفحام الخصوم وإسكات المجادلين ، والمشكّكين ، بل وهدايتهم في أغلب الأحيان.
ثامناً / من جهة ما جاء به في مجال الأخلاق والتربية الأخلاقية للفرد والمجتمع حيث استقصى الأخلاق الفاضلة وحثّ على التزيّن بها بما توجبه الحكمة من البعث والترغيب ، وأحصى الأخلاق الرذيلة وزجر عن التلوّث بها بما توجبه الحكمة ، ويقتضيه الاصلاح من التخويف والتنفير وسلك في ذلك كلّه طريقة فريدة لها أبلغ الأثر حتى في أشد القلوب قساوة.
تاسعاً / من حيث روحانيته البالغة التي تنفذ إلى الأعماق ، وتأخذ بمجامع القلوب ، وتستميل المشاعر ، فإذا بآياته روح تحيا بها نفوس الخلق ، ونور يضيء الوجود الإنساني كما تضيء الشمس الآفاق ، فتنشط الأحياء ، وتتحرك الطبيعة..
عاشراً / من حيث تناوله لأدق المعارف العقلية ، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لا تصل إليها أفكار البشر ، ولا تبلغها علومهم ، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله ، وما أخبر به من عوالم غيبية في الملأ الأعلى ، والنشأة الاُخرى إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي يقصر البيان عن الإحاطة بها، وإحصائها في هذا المختصر (٣).
من وجوه الإعجاز العلمي كالآتي :
١/ الإعجاز العلمي في الجبال كالأوتاد قال -تعالى-: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)، (سورة النبأ:الآية ٧). والوتد هو ما يُغرس في الرّمال لتثبيت الخيام، والجبال يصل امتدادها إلى الطّبقة الموجودة أسفل الطّبقة الصّخرية التي تُكوّن القارّات، فأصبحت الجبال تُثبِّت القارّات كما هو الوتد بالنّسبة للخيمة، حيث تقوم الجبال بِحمل الطّبقة الصّخرية المُكوِّنة للقارّات، وعليه فإنَّ الجبال هي التي تحمل الأرض، ولولاها لكانت الأرض في حالة اضطراب دائم،(٤) ويعدّ هذا من أبرز صور الإعجاز العلميّ في القرآن الكريم والذي اكتشفه العلم مؤخراً، وفيه دلالة على صدق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وما جاء به من كلام الله -تعالى- في القرآن الكريم (٥).
٢/ الإعجاز العلمي في الرياح والتلقيح أقرّ العلم الحديث أنّ من أهمّ وسائل تلقيح النباتات من العضو الذكريّ إلى الأنثوي في النبات هي الرِّياح، حيث تقوم بحمل المُلقّحات ونقلها إليها، وهذا ما ذُكر في القرآن الكريم في قول الله -تبارك وتعالى-: (وَأَرسَلنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) (سورة الحجر:الآية ٢٢).(٦).
ويكفينا في كل ذلك أقوى واعظم تحدي
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (سورة الإسراء:الآية ١٨).
ــــ
المراجع
(١) (من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن، زغلول النجار، ص: ١٢ ـ ١٣).
(٢) (الإيمان بالقرآن والكتب السماوية، الصلابي، ص ٤٢).
(٣) من كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني.
(٤) عبد الكريم الحميد (2002)، الفرقان في بيان إعجاز القرآن (الطبعة الأولى)، الرياض: فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة ٢١٥. بتصرّف.
(٥) محمد جبريل، عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة ٦٥. بتصرّف.
(٦) عبد الرحيم المغذوي، الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلم، صفحة ٥٥. بتصرّف.
|