• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفاف الانتظار(108) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفاف الانتظار(108)

الظهورُ والنفخُ في الصور
هناك بعضُ الرواياتِ تُعبِّرُ عن يومِ الظهورِ بأنّه اليوم الذي ينفخُ في الصور، فقد رويَ عن أبي الحسنِ موسى أنّه قال: إنَّ اللهَ (تبارك و(تعالى)) خلقَ الأرواحَ قبلَ الأبدانِ بألفي عام، ثم خلقَ الأبدانَ بعدَ ذلك، فما تعارفَ منها في السماءِ تعارفَ في الأرض، وما تناكرَ منها في السماءِ تناكرَ في الأرض، فإذا قامَ القائمُ ورّثَ الأخَ في الدين، ولم يورّثِ الأخَ في الولادة، وذلك قول الله في كتابه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ ﴾ ، ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ . 
ورويَ عن أبي عبدِ الله  أنّه سُئلَ عن الرجعةِ، أحقٌّ هي؟ قال: نعم. فقيلَ له: مَن أولُ من يخرج؟ قال: الحُسينُ، يخرجُ على إثرِ القائم. فقيل له: ومعه الناسُ كُلُّهم؟ قال: لا، بل كما ذكرَ اللهُ (تعالى) في كتابه: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ ، قوم بعد قوم. 
فكيفَ نوفِّقُ بينَ كونِ النفخِ في الصورِ يقع في يومِ القيامةِ وبينَ وصفِ يومِ الظهورِ بذلك؟
وما وجهُ المُناسبة بينهما؟
لا بُدَّ أنْ نُلاحظَ أولًا:
أنَّ أصلَ الإشكالِ أو التساؤلات جاء من فهمِ أنَّ النفخَ في الصورِ هو خاصٌّ بيومِ القيامةِ، كما هو الظاهر، ولذلك يستغربُ بعضٌ من تسميةِ يومِ الظهورِ بيومِ النفخِ في الصور.
ولكن نحنُ نعلمُ بأنَّ القرآنَ له عِدْلٌ يُفسّره ويوضّحُ معانيه ويوضّحُ خفاياه، وهي الرواياتُ الشريفةُ الواردةُ عن المعصومين، وهذا يعني أنَّ للقرآنِ تأويلاتٍ وردتْ في الرواياتِ الشريفةِ تُبيّنُ أنَّ المقصودَ هو غيرُ الظاهر، أو قُلْ: إنَّ المقصودَ هو عدّةُ معاني أحدها المعنى الظاهر، أو قل: إن المعنى الظاهر للفظ القرآن له عدة مراتب، منها ما يكون فهمه متاحاً للجميع، ومنها ما يحتاج فهمه إلى توضيح وبيان من المعصوم.
وفي مقامنا توجدُ عِدّةُ أمثلةٍ على ذلك، نذكرُ منها الآتي:
المثال الأول: الظاهرُ من (اليوم المعلوم) هو يومُ القيامة، ولكنّ بعضَ الرواياتِ أوّلته بيومِ ظهورِ الإمامِ المهدي حيثُ سيتمُّ قتلُ إبليس، فعن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمّار، قال: سألتُ أبا عبدِ الله عن قولِ إبليس: ﴿ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ . إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ المَعْلُومِ ﴾، قال له وهب: جُعِلتُ فداك، أيُّ يومٍ هو؟ قال: «يا وهب، أتحسبُ أنَّه يوم يبعثُ اللهُ فيه الناس؟ إنَّ اللهَ أنظرَه إلى يوم يبعَثُ فيه قائمَنا، فإذا بعثَ اللهُ قائمَنا كانَ في مسجدِ الكوفة، وجاءَ إبليسُ حتَّى يجثو بين يديه على رُكبتيه، فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يومُ الوقتِ المعلوم». 
المثال الثاني: في قوله (تعالى): ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ﴾  يتبادرُ إلى الذهنِ أنَّ هذا يحصلُ في يومِ القيامة، ولكن وردتْ بعضُ الرواياتِ تُبيّنُ أنَّ هذا الأمرَ يحصلُ أيضًا عند ظهورِ الإمامِ المهدي.
فقد رويَ عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبدِ الله يقول: إنَّ سُنَنَ الأنبياءِبما وقعَ بهم من الغيباتِ حادثة في القائمِ منّا أهلِ البيت، حذو النعلِ بالنعلِ والقذّةِ بالقذة.
قال أبو بصير: فقُلتُ: يا ابنَ رسولِ اللهِ ومن القائمُ منكم أهلِ البيت؟
فقال: يا أبا بصير، هو الخامسُ من ولد ابني موسى، ذلك ابنُ سيدةِ الإماء، يغيبُ غيبةً يرتابُ فيها المُبطلون، ثم يُظهِرُه اللهُ فيفتحُ اللهُ على يده مشارقَ الأرضِ ومغاربها، وينزلُ روحُ اللهِ عيسى بن مريم فيُصلّي خلفه، وتشرقُ الأرضُ بنورِ ربّها، ولا تبقى في الأرضِ بقعةٌ عُبِدَ فيها غيرُ الله إلا عُبِدَ اللهُ فيها، ويكونُ الدينُ كُلّه للهِ ولو كرِهَ المُشركون. 
ورويَ عن أبي عبدِ الله أنّه قال: إنَّ قائمَنا إذا قامَ أشرقتِ الأرضُ بنورِ ربّها، واستغنى العبادُ عن ضوءِ الشمس، وصارَ الليلُ والنهارُ واحدًا، وذهبتِ الظلمة، وعاشَ الرجلُ في زمانِه ألفَ سنة، يولَدُ له في كُلِّ سنةٍ غلام، لا يولَدُ له جارية، يكسوه الثوب فيطولُ عليه كُلّما طال، ويتلوّنُ عليه أيَّ لونٍ شاء. 
المثال الثالث: (يوم الخروج) يتبادرُ منه أنّه يومُ الخروجِ في يومِ القيامة، ولكن وردَ تأويلُه أيضًا بيومِ الرجعة.
فقد رويَ عن أبي عبدِ الله في قوله: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾  قال: يُنادي المُنادي باسمِ القائم واسمِ أبيه، وفي قوله: ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ﴾ قال: صيحةُ القائمِ من السماء، ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾  قال: هي الرجعة. 
المثال الرابع: في قوله (تعالى): ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ ، أيضًا وردَ تأويلُ الساعةِ بيومِ الظهورِ المهدوي.
فعن زرارة بن أعين، قال: سألتُ أبا جعفر عن قولِ الله: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ﴾، قال: «هي ساعةُ القائم تأتيهم بغتة». 
وعن الإمامِ الباقرِ وقد سأله الكميتُ الأسدي: فمتى يخرجُ يا ابنَ رسولِ الله؟ قال: «لقد سُئِلَ رسولُ الله عن ذلك فقال: إنَّما مثله كمثلِ الساعةِ لا تأتيكم إلَّا بغتة». 
ومعه فيُمكِنُ القول:
إنَّ التعبيرَ عن يومِ الظهورِ بأنّه يومُ النفخِ في الصورِ -رغمَ أنَّ المُتبادرَ منه هو يومُ القيامةِ- كانَ لأجلِ وجودِ بعضِ أوجُهِ التشابُه بينهما، ومن أوجهِ التشابُه تلك هي الآتي –مع حفظِ الاختلافِ فيما بينهما من حيث السعةِ والضيقِ في تلك المُفردات- علمًا أنَّ أكثرَ هذه الأوجهِ قد ذكرتها الرواياتُ المُتقدّمةُ والتي أوّلتْ يوم الظهورِ بشأنٍ من شؤونِ يومِ القيامة:
أولًا: إنَّ القيامةَ تُعبِّرُ عن محكمةٍ عادلةٍ بتمامِ معنى الكلمةِ من حيث إماتةِ الباطلِ وإقامةِ الحقّ، ويومُ الظهورِ كذلك تمامًا.
ثانيًا: إنَّ يومَ القيامةِ لا يُمكِنُ إخفاءُ الحقائقِ فيه؛ لأنَّ التعامُلَ حينَها سيكونُ مع الواقع، وكذا في يومِ الظهور، حيثُ وردَ أنَّ الإمامَ سيتعاملُ وفقَ الواقع، الأمرُ الذي عبّرتْ عنه الرواياتُ الشريفةُ بأنّه يحكمُ بحكمِ آلِ داود. 
ثالثًا: إنَّ القيامةَ تُمثِّلُ السعادةَ الحقيقيةَ للمؤمنين، ويومَ الظهور كذلك.
رابعًا: سيحدثُ في يومِ القيامةِ بعثُ الأمواتِ من قبورهم، وكذلك يومُ الظهورِ حيثُ تقعُ الرجعة، مع حفظ الفارق الكمي والنوعي بين القيامة والرجعة.
خامسًا: إنَّ علمَ يومِ القيامةِ هو بيدِ اللهِ (تعالى) لا يعلمُه أحدٌ ولا يُمكِنُ التوقيتُ له، وكذلك يومُ الظهور، وهو مفادُ الرواياتِ الكثيرةِ الواردةِ في النهي عن التوقيت.
سادسًا: كما أنَّ ليومِ القيامةِ علامات ، كذلك ليومِ الظهورِ 
علامات. 
وعلى كُلِّ حال، فينبغي أنْ لا يُمثِّلَ هذا إشكالًا معرفيًا ما دامتِ القضيةُ تأويلية، أو قُل: ما دامَ المقصودُ هي الكنايةَ عن بعضِ المعاني التي أشيرَ إلى بعضِها هنا.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=194410
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 06 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13