• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثقافةُ الاختلافِ، وأدبُ الحوارِ .
                          • الكاتب : ياسين يوسف اليوسف .

ثقافةُ الاختلافِ، وأدبُ الحوارِ

        قبل أن نطالب الآخرين بالاتّفاق معنا لابدَّ أن نتعلَّم ثقافة الاختلاف، وأدب الحوار، وعندما تختلف الرؤى والأفكار لابدَّ لنا أن نمتلك ثقافة تُخرجنا من دائرة الصّراع، وتبادل الاتّهام مع الآخر وأن يكون الأساس في إيصال آرائنا للآخرين هو طريق الحوار الموضوعي الهادئ الذي يمكننا أن نشرح فيه وجهات نظرنا ونبيِّن الأسس والمبادئ التي نقوم عليها وفي ذات الوقت نتحاور مع الآخرين؛ لمعرفه وجهات النظر لديهم ، ومن ثم التفاهم معهم.

إنَّ أساس الثقافة التي ينفرد بها الانسان تبتني على أن يكون لنا رأي قد يخالف رأي الاخرين ومع ذلك نستطيع مناقشتهم عن طريق الحوار دون أن نتخذهم أعداء، وقبل كل شيء فالحوار يتطلب وجود الأخر واحترام حقه في الدّفاع عن رأيه لا الغاؤه، وأنّ فهم الآخرين والتحاور معهم لا يتحقق إلا بالابتعاد عن الأنا ، وكلَّما سما الأنسان وترفَّع عن الأنا أوجد في ذاته مكاناً أرحب للآخرين واستطاع بذلك استيعابهم.

      وفي ثقافتنا الإسلامية (إنَّ رأيي صحيحٌ يحتملُ الخطأ ورأي غيري خطأٌ يحتملُ الصواب)، والإسلام يقرر الاختلاف كحقيقه إنسانية طبيعية فالله تعالى خلق الناس مختلفين اجتماعياً وثقافياً ولغوياً، ومن حيث اللون و العرق ولكنَّهم في الأساس أمة واحدة كما جاء في صريح القرآن: ((وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ۚ))[1].

      فالاختلاف لا يلغي الوحدة الإنسانية للبشر ولا يشترط في الوحدة أن تقوم على التطابق والتماثل بل إنّ الاختلاف آية من آيات روعه الخلق ومظهر من مظاهر إبداع الخالق فالاختلاف أياً كان مصدره لا يشكل قاعدة للأفضلية يدفع البعض للتفاخر والتعالي على الاخرين فهو اختلاف في إطار الإنسانية يحتم علينا احترام الانسان على الصورة التي خلقه الله عليها فاحترام آراء الآخرين وعقائدهم هو احترام لحرية الاختيار وإنَّ من مقومات الحضارة الإسلامية احترام الاخر والتكامل معه وليس تجاهله والغاؤه أو تذويبه ويشهد على ذلك تعدد الأقليات الدِّينية في العالم الإسلامي ومحافظة تلك الأقليات على خصائصها وتراثها العقائدي والدِّيني وعلى لغتها وثقافتها الخاصة، فإن اعتراف الإسلام بالأخر ومحاورته بالتي هي أحسن يعود إلى سماحته، وسموِّه، والأخلاق الفاضلة التي حثَّ عليها.

         ومع أنَّ حق الاختلاف حق للجميع لابد أن لا يكون على حساب المساس بمعتقدات الاخرين فالحرية لا تكون مطلقة وحق الاختلاف لا يكون مطلقاً بل هما مقيدان بضوابط عدم التجاوز على حقوق الاخرين فهي حرية مسؤولة محرِّرة للإنسان من عبودية الانسان الاخر، فنحن كمسلمين لا نؤمن بالفكر الغربي الحديث بشكلٍ مطلق فهو في كثير من الأحيان يبني فكره على أساس وضع الدِّين جانباً وبناء أيدولوجيات عصرية جديدة تعتبر الانسان هو الكل في معادلة الكون بل تعتبره سيد الكون وتلغي كل ارتباط له بخالقه كما يؤكد على ذلك (فريدك نيتشة) الذي لم يكن يؤمن بأخلاق الحب والتسامح والتواضع هذه الاخلاق التي استقاها من أفكار (ميكافللي) وأمثاله من فلاسفة الغرب الذين يعتبرون الاخلاق مبنية على القوة والحاجة وأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، ولذلك نرى بعض الحملات والهجمات الثقافية على الإسلام معلّلة بحرية الرأي في التعبير وهي حرية مطلقة عندهم لا نقرها نحن لأنّها مبنية

على مصادرة الآخر والغاؤه وهذا لا يندرج تحت الحرية وحق الاختلاف.

       ولكي نؤسس لثقافة الاختلاف الإيجابي ونرفض ثقافة المخالفة علينا اتباع مبدأ الحوار المنطقي والموضوعي وتأكيداً لهذا المنهج فأن الله تعالى ينهى المؤمنين عن اتباع أساليب السّفهاء ومجاراتهم في السبِّ والتسفيه لمعتقدات الاخرين وأفكارهم ويأمر بالحوار الذي لابد أن يمتلك أطرافه حرية الحركة الفكرية التي ترافقها ثقة الفرد بنفسه حتى يكون النقاش مثمراً يقوم على أسس صحيحة وموضوعية ولابد أن تكون أجواء الحوار هادئة بعيدة عن التشنجات الكلامية التي تبعد الانسان عن الوقوف مع نفسه وقفه تأمل وتفكير فحالات الغضب تبعد الانسان عن استقلاله الفكري لا شعورياً.

 

[1] - سورة يونس، الآية: 19.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=194391
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 06 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12