• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آيات قرآنية من كتاب مسلم بن عقيل للشيخ البغدادي (ح 3) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

آيات قرآنية من كتاب مسلم بن عقيل للشيخ البغدادي (ح 3)

جاء في کتاب مسلم بن عقيل عليه السلام للشيخ محمد البغدادي: عن أهل الكوفة قبل قدوم مسلم بن عقيل عليه السلام: فبدون ولاية علي عليه السلام لم يبلّغ النبيّ من الدين شيئاً ولا يقبل الله من الأعمال شيئاً، ومع ولاية علي تمّ الدين وكملت النعمة الربّانية ورضي الله أعمال عباده التي يعملونها في ظلّ الإسلام والقرآن وإمامة عليّ وخلافته. ومن يرفض هذا فمصيره مصير الحارث بن النعمان الفهري الذي قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد حادثة الغدير المباركة فقال له: يا محمّد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نُصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا، ثمّ لم ترضَ بهذا حتّى رفعت بضُبعَي ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه فهذا شيءٌ منك أم من الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي لا إله إلاّ هو، إنّ هذا من الله). فولّى الحارث بن النعمان يُريد راحلته وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم. فما وصل إليها حتّى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته، وخرج من دُبُره، وقتله، وأنزل الله عزّ وجلّ: "سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع" (المعارج 1). إنّ تزهيد الأشعري لأهل الكوفة عن نصرة الإمام الوصي فتح باب التقاعس والتكاسل عن نصرته، وباب نقض العهود والغدر والتراخي عن الحقّ. ولم يعرف عن الكوفة غدرٌ وتكاسل عن النصرة مع غير الإمام الوصي والإمام الحسن السبط والإمام الحسين السبط ومسلم بن عقيل، أي قضية أهل البيت عليهم السلام بالذات. 4 ــ إنّ التزام المرء نهج عليّ بن أبي طالب وخلفائه الأئمّة الأحد عشر، أيّ التزام الخطّ الإسلامي الأصيل، وبتعبير آخر، التزام الإسلام بكلّ أبعاده وحدوده العقائدية والسلوكية فيه جنبتان: الجنبة الأولى: أنّه خطّ الاستقامة والطهارة والسمو والإنسانية بأرفع معانيها ومراتبها. الجنبة الثانية: إنّ الإسلام الأصيل الحقيقي كما أمَرَ به الله سبحانه وبلّغه رسوله، يمرّ بحقبة عصيبة، وتعصف به عاصفة هوجاء تكاد أن تأتي عليه من جذوره. أقول: إنّ الصمود مع علي بن أبي طالب والأئمّة من ولده كالإمساك بالجمر والمشي على الشوك، وهم عليهم الصلاة والسلام قد صرّحوا بهذا فذكروا أن أمرهم صعب مستصعب وأنّ من يحبّهم فليعدّ للفقر جلباباً وأنّ الماسك على دينه كالقابض على الجمر وقد ورد في أحاديثهم ما سيقع على الدين كلّه وعلى جماعة شيعتهم ونحو هذا. وأهل الكوفة ملّوا المجاهدة مع الإمام وركوب الصِعاب والمصابرة معه، في الوقت الذي لم يروا منه الغِلظة والقسوة والدموية التي تعرفها البشرية من الولاة فأخلدوا إلى الكسل والإهمال، وتنصّلوا عن بيعتهم ووعودهم بالأقوال الكواذب والدعاوى التي لا ترتكز على شيء وتعوّدوا لهجة الغدر وركبتهم روح النفاق حتّى وجدوا أنفسهم فجأة في أحضان بني أميّة، ومن لا يرقب فيهم إلاّ ولا ذمةً.

ويستطرد الشيخ محمد البغدادي عن أهل الكوفة في وقتها قائلا: 5 ــ إنّ أكثر أهل الكوفة لم يكونوا شيعة لعلي عليه السلام وإنّما نمت شجرة التشيّع فيها ببركة وجوده فهم لم يكونوا يرون فيه غير خليفة الوقت ولم يعتقدوا فيه أنّه الإمام المنصوب من الله سبحانه وأنّه معصوم وأنّه الثاني في الإسلام بعد النبيّ بلا فصل وهكذا غيرها من عقائد الإسلام الصحيحة التي تمسّك بها الإمامية بأدلّة موجودة في كتبهم وكتب مخالفيهم. فلمّا كان مستوى اعتقادهم هكذا لم يك من العسير عليهم مخالفته والتمرّد عليه. 6 ــ إنّ الغدر ونقض العهد والميثاق سلوك عامّ عند النوع البشري كلّه ولا يمنعه منه إلاّ الدين وخوف العقاب والاعتقاد باطلاع الله سبحانه عليه في سرّه وعلانيّته وإنّه محاسب على كلّ صغيرة وكبيرة. فشريحة واسعة ممّن كاتبوا الإمام لم يكونوا من الشيعة لكنّهم كانوا على ظاهر الإسلام استضعفهم بنو أميّة وساموهم الذلّ والقهر وقد استنجدوا بالإمام سنين طوالاً فامتنع منهم لجبروت معاوية ولوجود معاهدة معه فلمّا مات وتواصلت كتبهم وعهودهم نهض الإمام لإنقاذهم طبقاً للآية الكريمة: "وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفين‌" (النساء 75). غير أنهم سرعان ما جبنوا وخذلوا وانقلبوا على أعقابهم، وأعادوا نفس ما حصل بعد استشهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ارتداد أغلب الناس عن دينهم وقد نطق القرآن بهذا: "أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‌ أَعْقابِكُم‌" (ال عمران 144). فالانقلاب على الأعقاب ليس بجديد في الأمّة وهذه إحدى مصاديقها. إنّ منطق معظم الأمّة من بعد النبي إلى اليوم هو نفس منطق الذين قالوا لموسى عليه السلام: "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" (المائدة 24) فما كان جواب موسى اعتذاراً لربّه الجليل: "قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسي‌ وَ أَخي‌ فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقين‌" (المائدة 25). فحَكَمَ المولى سبحانه كأثر وضعي عقابي لجريمتهم: "قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعينَ سَنَةً يَتيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقين‌" (المائدة 26).

وعن توجيهات ائمة أهل البيت عليهم السلام يقول الشيخ البغدادي في كتابه مسلم بن عقيل عليه السلام: كما بيّن الإمام الحسن وجه صلحه مع معاوية لمن اعترض عليه وأساء القول له. وبيّن سيِّد الشهداء وجه حركته المقدّسة لجمع اعترضوا عليه وحاولوا ثنيه عن مسيرته بدعوى غدر أهل الكوفة وهو أدرى منهم بهذا وأشدّ معاناة لها حين كان بصحبة أبيه الوصيّ وأخيه المجتبى حتّى بلغ الأمر أن سلّم أخوه السبط مقاليد الخلافة لابن آكلة الأكباد مؤسّس الملك العضوض. وهكذا كان دأب الأئمّة عليهم الصلاة والسلام في بيان ظروفهم ووجه ما يصدر عنهم لشيعتهم وغيرهم، مع موقعهم في الإسلام وخلافتهم لله ورسوله في الأرض ووجوب طاعتهم على الأمّة كلّها بلا استثناء بنصّ الكتاب والسنّة. وقد صدر عن مهدي آل محمّد من بيان وجه غيبته ممّا يجري في نفس سياق دأب الأئمّة عليهم السلام في توضيح بعض أوجه حركتهم وأحكامهم للأمّة بما يقطع دابر الشبهة والفتنة ويُعين المؤمنين في تثبيت عقائدهم الدينية. فعنه روحي له الفداء: وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم‌" (المائدة 101). إنّه لم يكن أحدٌ من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عُنقي. إنّ الفرق بين الإنسان المؤمن بالإسلام والمؤمن بالآخرة وبالحساب والعقاب وبين غيره هو عين ما صنعه مسلم، وما يصنعه ابن زياد. فمسلم يُلاحظ في حركته مراعاة الضوابط الشرعية والتحرّك على وفق الأمر الإلهي والانتهاء عند نهيه، والالتزام بالقواعد والمبادئ والمُثل الشرعية، ونتائج العمل إنّما تتحدّد بحسب حصول تمام العلل التي لها مدخلية بالعمل، فإذا اختلّت علّة امتنعت النتيجة، ومسلم قام بما ينبغي منه، والخلل في غيره، وليست نهاية الدرب هنا بل هناك موت وعذاب قبر وقيامة، وعذاب الأبد جهنّم إضافة إلى ما لا يُحصى من أنواع العقوبات والعذابات التي يلاقيها العاصي في مسيرته الوجودية، ولم يُطلب من مسلم إنجاح القضيّة على كلّ حال وكيف اتّفق بل العمل بالميزان الشرعي بحسب متطلّبات الحالة، والباقي أمره بيد الله سبحانه وكلّ من يدّعي غير هذا فليتجنّب الآثار السيّئة لسلوكه الحياتي. "وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ" (الاعراف 188). مسلم يعمل ضمن قوانين الدين وموازينه، وكلّ من على نهج محمّدٍ وآل محمّد حقيقة فهم على خطّ مسلم وطريق مسلم ومنهاج مسلم يسيّرون دفّة حياتهم ويبنون لآخرتهم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=194155
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 06 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12