كربلاء : مهند البراك
منذ ثلاثة عقود والعالم الإسلامي يشهد تحولات متسارعة في نمطية البحث الفكري والديني ولوحظ تهافت كبير من قبل العديد من المثقفين للبحث والتأصيل في التاريخ الإسلامي وتنقية الكثير من الرواسب التي علقت في ذهنية أجيال من المسلمين حملوا ارثها من عصر انقلاب الحقيقة وتنامي تيار التجهيل وإبعاد المسلمين عن مقاصد الشريعة بل عن صاحب الشريعة الأساسي وهو سيدنا رسول الله الأكرم (ص) واقصاء أهل الحق عن حقهم الشرعي بالخلافة وغصبهم ارثهم فعاش المجتمع الإسلامي ضروبا من الجهل وانتقل من الوعي والتفكير إلى اللاوعي والتكفير فأصبح الإسلام مجرد رسم أو اثبات حالة على بطاقة الهوية ، فلان مسلم ولكن هل يعلم ماهية الإسلام والأسس التي قام عليها هذا ما سنكتشفه من خلال حوارنا القادم
التقيت مصادفة أحد الشخصيات التي نفضت عنها ركام الجهل الذي وضع على تراثنا الديني والفكري والتحق بركب السائرين الى الله وهذا المسير لا يتم الا عبر بوابة واحدة الا وهو باب مدينة علم رسول الله (ص) الإمام علي بن أبي طالب (ع) معراج الهداية وقبطان سفينة النجاة ، جرى حوار مع هذه الشخصية وطرحت عليه بعض الأسئلة أرغب بأن يشاركني القارئ العزيز هذه الرحلة اللطيفة :
المحاور : بداية أتمنى من جنابكم الكريم نبذة مبسطة عن شخصيتكم
ج : الاسم : بهلول السوري
العمر : 46 عاما
الشهادة العلمية : الثانوية العامة – طالب حوزة – مرحلة المقدمات
العمل : وكيل إحدى المؤسسات الشيعية الهامة في سوريا - باحث وكاتب في مجال تفنيد شبهات الوهابية ، والدعوة للعودة للمنهج الإسلامي الصحيح المتمثل بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأبنائه لأطهار
المؤلفات المقالات :
1- رحلتي نحو الحقيقة :
2- حروب التكفير
3- مجتمعات اسلامية تحت المجهر
4- الصحابة بين النظرية والتزوير
5- من التسنن للتشيع آلام وعبرات
المحاور – لماذا لم تذكر اسمك الصريح وهل هناك دلالة معينة في اسمك المستعار على أمر تحبه ولذلك تستخدمه في أكثر من موقع ؟
ج : لاشك أنكم تعلمون أن أتباع أهل البيت (ع) على مدار التاريخ مستهدفون في كل مكان وخصوصا هذا العصر وحاليا في سوريا ويقومون بمتابعة وتصفية كل من يعرف عنه بانتمائه لأهل البيت (ع) وتحديدا المعروف عنه بالعمل التبليغي والدعوي ، ولأنني متواجد بينهم أتابع تحركاتهم وأكشف فضائحهم ومخازيهم التي يرتكبونها باسم الدين ، أفضل عدم ذكر اسمي لتزداد حيرتهم وتخبطهم فيما بينهم ، والأمر الثاني جوابا على الشق الثاني من سؤالك أعتبر نفسي طالب علم في مدرسة أهل البيت (ع) ، كما كان بهلول تلميذ للإمام جعفر الصادق (ع) وهو أيضا لم يكن اسمه الحقيقي بل عمل على اخفاء اسمه ليقوم بالدعوة والتبليغ لأهل البيت (ع) وتعرية النظام المستبد ذلك العصر وكشف فضائح خلفاء الجور وأزلامهم واتمنى أ ن أقبل لديهم من جملة طلابهم وخدامهم .
المحاور – حدثنا عن أبرز النقاط التي جعلتك تغير معتقدك وتبحث عن بديل أكثر صفاء ا؟
ج : نقاط عديدة استوقفتني على الرغم من صغر سني ذلك الوقت ذكرت قسما منها في كتابي رحلتي نحو الحقيقة وجانبا لم اتطرق اليه وبقي بين جنبات صدري ولابأس أن اذكره الآن ليضاف لتاريخ حياتي وربما يعتبر منه أحد القراء والمتابعين ويجد بعض ماكنا نعيشه ونعاصره في قبل ثلاثة عقود تقريبا ، ذلك الوقت كنت لاأزال في طور اكمال تعليمي في أحد لمعاهد المتوسطة وفي الشهور الأخيرة التي سبقت تخرجي من المعهد عندما يجن الليل وأخلد للنوم أرى في منامي أنني اهوي من جبل عال وأموت تكررت هذه الرؤيا يوميا حتى أصبحت تؤرقني فمرة أرى أنني أتعرض لحادث سير وأموت مرة أنني القي بنفسي من جبل عال وأموت صارحت والدتي (رحمها الله ) وقتها بالمنام أو الرؤيا فكانت تجيبني أن الهل سبحانه وتعالى قد كتب لك حياة جديدة ،وكنت اسأل نفسي ما هذه الحياة الجديدة أنا لا زلت في بداية حياتي عمري 16 عاما اعتبر فتيا وقتها بحثت عن مفسري للرؤى وقادني البحث لرجل مشهور بالتفسير فقال لي ان حالك يتغير من حال الى حال سبحان مغير الأحوال قلت له كيف هل أصبح غنيا مثلا أم يحدث لي أمر قال : العلم عند الله سبحانه لكن يطرأ تغير لك ، تعددت الأقوال وتقريبا كلها أجمع على تغير في حركة حياتي ، في الوقت ذاته كنت أرتاد بعض المساجد للصلاة من وقت لآخر في القرية التي أقيم فيها وكانت بعض المساجد تحمل طابع المتشدد ومنهج خطبها منهج ترهيبي لمن نكن وقتها نعرف أن نميز بين اوهابي أو السلفي أو الحنبلي وبين باقي المذاهب السنية نعم نعرف ان هناك شافعي وهناك حنفي لكن طبيعة الخلاف لا نعرفه فضلا عن أننا لا نعلم شيئا عن الشيعة ، وحينما كانوا يتطرقون للشيعة كانوا يذكرون من ضمن أهل البدع على اعتبار أنهم يتبركون بالقبور ووو، حتى ان الخطباء المتشددين يشملون بعض أهل السنة " الصوفية " من ضمن قائمة أهل البدع طبعا كثرة الخطاب المتشدد يضعك ضمن احتمالين إما تنساق وراء هذا التيار أو أنك تنفر من الإسلام والدين لم أكن أدري بأن هناك احتمالية ثالثة تنجيك من هذا الاضطراب ، فكان محظور علينا كثرة السؤال محظور علينا البحث في أمهات الكتب التاريخية فقط هم يوجهونك نحو كتب حديثية مخصصة كتبها بعض رموزهم حصروا فيها الأحاديث التي تخدمهم فقط ، كنا نرى تشديد وتغليظ وكنا نرى تصنعا في حركاتهم كنا نجهل الكثير من أمور ديننا نذهب الى مسجد فنجد أحد الخطباء يندد ويرعد ويزبد ، وفي مسجد آخر أحدهم يتناول شخصية دينية معروفة بالساحة بإستهزاء وكأن المنابر الخطابية تحولت لمنصات صواريخ وسهاام من الشتائم والتشديد والتنفير تطلق في كافة الاتجاهات إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة أو القشة التي قسمت ظهر البعير ذات يوم ذهبت لزيارة أحد أصدقائي في محل له وهو يعمل بمجال بيع أشرطة الكاسيت وأشرطة الفيديو وجدته على غير عادته المرحة وجدته عابس الوجه مقطب الجبين قلت له خيرا مابك قال : جعلونا نكره الدين والتدين !! قلت له منهم قال : جاء شخص قبل قليل عليه سمات التدين ظاهرا – مستهزءا – يلبس دشداشة قصيرة وله لحية طويلة جدا ، ثم بدأ يوعظني ببعض الكلام أنه حرام علي أن أبيع أشرطة كاسيت للمطربين وووو الأسطوانة المعروفة وقال : عندنا بالسعودية من يبيع هذه الأمور يجلد ويعزر، ثم دخل رجل آخر للمحل وتبين أنه يعرفه فأخذا يتكلمون عن السعودية ثم تهامسا بصوت خفي وتوجه لي الرجل الثاني وقال : عندك أفلام اجتماعية ؟!!- المقصود أفلام اباحية - فقلت له أنا لا أتعامل بهذه النوعيات من الأفلام ثم لمن تريدها ؟! ، فقال : أبو مجاهد هذا اليوم دعاني لحضور جلسة سمر عنده بالفيلا وتعرف لابد من تلطيف الجو وووو ، قلت له : أبو مجاهد هذا شيخ قال نعم بالسعودية هو ضمن مجموعة هيئة الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف – تحريف المعنى من صاحب الحوار – فقلت له : صار له ساعة وهو يوعظني والآن يريد أفلام اجتماعية هيا اغربا عن وجهي فقال أبو مجاهد : سأعطيك ألف ليرة على كل فيلم – هذا المبلغ ذاك الوقت يفعل فعل كبير – هذه الأفلام غير موجودة عندنا وكل عام أتي في العطلة لسوريا وأشتري كمية من هذه الأفلام وأقوم بتهريبها معي ، فطردته هو والرجل الثاني ، طبعا صيقي سمى لي أسماء هذين الشخصيتين وهم معروفين بالمنطقة عندنا من أهل البلد ، عندها صابتني حالة من الذهول وعدت أدراجي أفكر بهذه الشخصيات المتصنعة بالتدين ، وحضرت في ما بعد خطبة جمعة كانت تتحدث عن علامات ظهور الساعة والقيامة ، وبدأت أبحث عن أحاديث أشراط الساعة وكانت البداية في البحث والوصول لسفينة النجاة .
المحاور - ما هو شعورك عندما وصلت لبر الآمان وواليت الإمام علي وذريته الأطهار (ع) ؟
ج : عندما تقف أمام بحر متلاطم الأمواج وترى بعينيك من بعيد رجلا يغرق يستغيث ويرفع يديه ثم يد واحدة وهو يستنجد فيأتي أحدهم ويساعده ويخرجه من مأزقه ، ترى هذا الرجل أول ما يمسك بالمخلص يمسك عنقه يمسكه بقوة شديدة كي لا يفلت منه فالعنق هو أس الجسد ، وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وذريته الأطهار من بعده هم أس الإسلام ، بعد إذا لم يكن الأمير موجودا لا معنى للإسلام ، كما قال رسول الله (ص) عندما برز الإمام علي (ع) لمبارزة عمرو بن ود العامري يوم الخندق " برز الإيمان كله للشرك كله " ربما هذا التوصيف ينبئك عن شعوري فقد أخرجت من الظلمات الى النور ، واللبيب تكفيه الإشارة .
المحاور - هل قمت بزيارة مراقد ذرية رسول الله ( ص ) والأئمة الأطهار (ع) وما هو أول مرقد وامام زرته ؟
أولا :
إن أول مرقد أتشرف بزيارته هو مرقد العقيلة زينب (ع) بعد أن وعيت مكانتها وفضلها ووجوب زيارتها فقد كنت كغيري من المستبصرين نجهل حقيقة الحوراء زينب (ع) وربما البعض منا كان يشكك بمصداقية المرقد الطاهر، فضلا عن مصداقية الشخصية الموجودة فيه ، هذه السيدة الطاهرة العالمة غير معلمة لها فضل كبير في الدفاع عن حياض بقية ذرية رسول الله (ص) المتمثل بالإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) وعلينا فعلا الحرص على زيارتها ، وهي استحقت بالفعل لقب بطلة كربلاء لوقوفها أمام طاغية الشام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ( لعنه الله وأخزاه ) على رغم آلامها وجراحها بفقد عزيزيها الإمام الحسين (ع) وأخيها قمر بني هاشم مولانا أبا الفضل العباس ومن كان معهم في الطف ، وقفت وزلزلت عرش بني أمية ولازال صدى كلماتها يرعبهم إلى الآن ولذلك يحاولون هذه الأيام استهدافها في دمشق يريدون إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون .
ثانيا :
ثم أكرمني الله سبحانه وتعالى وبفضل وجهود الفضلاء القائمين على مركز الأبحاث العقائدية بقم المقدسة الذين أكن لهم كل احترام وتقدير بتوجيه الدعوة لي لزيارة العتبات المقدسة في قم المقدسة ومشهد وكان أول مرقد أزوره هو مرقد السيدة فاطمة المعصومة (ع) في قم المقدسة ، ومن ثم التشرف بزيارة سيدي ومولاي غريب طوس الإمام علي بن موسى الرضا ( صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الأطهار ) هذه الرحلة لم ولن أنساها ما حييت لقد تركت شعورا وانطباع داخلي مملوء بالروحانية وزادتني ايمانا وتمسكا بالنهج العطر حقيقة أن زيارة الإمام الرضا (ع) هي راحة وأنس للنفس كما يوصف (ع) بأنه أنيس النفوس مهما قلت لك لن أعطي تلك الأيام الساعات التي تواجدت فيها بحضرته المقدسة حقها لقد عانقت شمس الشموس وأتمنى العودة لزيارته والتبرك بعتبته المقدسة بل أرجوا ذلك ،
المحاور - لا بد أن هناك نقطة هامة أثرت بك في خلال بحثك دعتك للإنتقال لمذهب أهل البيت (ع)
كنت ذكرت في كتابي الأول رحلتي نحو الحقيقة بعض النقاط الهامة التي استوقفتني ودعتني لمراجعة شاملة للمنهج الذي كنت عليه ومن ثم تبني منهج أهل البيت (ع) ، ولعل أبرز النقاط هي ملحمة وواقعة الطف التي لم يحدث التاريخ بمثلها ، حيث كنا بعيدين تماما عن معرفة ما جرى فيها أسبابها ونتائجها بل رموزها وأشخاصها ، وذلك بسبب التعتيم الذي مارسه الإعلام الأموي محاولا طمس الحقيقة وتغيير ملامح النهضة الحسينية المباركة ، بل تشويه معالم تاريخها ومن ثم تبرير المذبحة الأليمة بتبريرات ملؤها السفاهة والصفاقة ، كنت كغيري نجهل هذه الواقعة ولم نعلم عنها شيء ، ومن أول وهلة حين اطلاعي على حيثيات الواقعة ووجود أعظم الشخصيات فيها المتمثلة بشخص الإمام الحسين السبط (ع) وأبنائه وأصحابه لم تتمالكني العبرة ، وبكيت بحرقة شديدة لهول هذه المأساة ، كيف ولماذا تهافتت الأسئلة على ذهني وقتها حاولت البحث عن اجابات ولكن لم ترقى لدرجة الإقناع ، الكل حاول ابعادي عن هذا البحث والخوض في ظروف وأسباب الواقعة لكن الله سبحانه وتعالى أراد لي أن أتنبه لهذه الفاصلة المهمة في تاريخنا الإسلامي وقيض لي سبل المعرفة أكثر واتبعت سبيل الرسول (ص) " قل هذه سبيلي فاتبعونِ " ، واتبعت هدي محمد وآل محمد (ع ) ،
س 7 : ماهي أمنياتك التي أملت أن تتحقق وبالفعل تحققت لك في حياتك ؟
لاشك أن من أهم الأمنيات لي كانت زيارة سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين بن علي (ع) والتشرف بحضرته المقدسة فزيارته من أعظم الواجبات والقربات الى الله عز وجل ، كيف لا وهو ريحانة رسول الله (ص) وقرة عين مولاتنا الزهراء وشبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( صلوات ربي وسلامه عليه ) ، لم أتوانى يوما عن زيارته رغم البعد المكاني بيننا فكنت دائم التوجه لزيارته وشغفت بأمل زيارته من قرب ، وقد من الله سبحانه وتعالى على عبده الفقير بالتشرف بالوقوف أمام حضرة الإمام الحسين (ع) وهنا لابد أن أتوجه بالشكر والامتنان العميقين لكل من سماحة الشيخ الفاضل عبد المهدي الكربلائي " أعزه الله " ، وجناب سماحة السيد أحمد الصافي " أعزه الله " ، وإدارة وأمانة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية "حفظهم الله " ، وكل من ساهم معهم الذين سعوا وكانوا سببا لزيارة سيد الشهداء (ع) وأخيه قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (ع) من خلال دعوتهم لي لحضور مهرجان ربيع الشهادة الثامن فجزاهم الله خير الجزاء . |