• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مفهوم (الفاحشة، الفحشاء، الفواحش) في القرآن الكريم (ح 3) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

مفهوم (الفاحشة، الفحشاء، الفواحش) في القرآن الكريم (ح 3)

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ" ﴿العنكبوت 28﴾ وأرسلنا لوطا ويجوز أن يريد واذكر لوطا حين قال لقومه "إنكم لتأتون الفاحشة" من قرأ بلفظ الاستفهام أراد به الإنكار دون الاستعلام ومن قرأ إنكم على الخبر أراد أن لوطا قال ذلك لقومه منكرا لفعلهم لا مفيدا معلما لهم لأنهم قد علموا ما فعلوه والفاحشة هاهنا ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران. "ما سبقكم بها" أي بهذه الفاحشة "من أحد من العالمين" أي أحد من الخلائق ثم فسر الفاحشة بقوله "إنكم لتأتون الرجال" أي تنكحونهم "وتقطعون السبيل" قيل فيه وجوه (أحدها) تقطعون سبيل الولد باختياركم الرجال على النساء (وثانيها) إنكم تقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاحشة فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالحذف فأيهم أصابه كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك (وثالثها) إنهم كانوا يقطعون الطريق على الناس كما يفعل قطاع الطريق في زماننا. وتأتون في ناديكم المنكر" قيل فيه أيضا وجوه (أحدها) هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء عن ابن عباس وروي ذلك عن الرضا عليه السلام (وثانيها) إنهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا عن مجاهد (وثالثها) كانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق وحذف الأحجار على من مر بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط قال الزجاج وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير ولا أن يجتمعوا على المناهي ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا يأتونه من الفضائح قالوا له استهزاء ائتنا بعذاب الله وذلك قوله "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" وعند ذلك "قال" لوط "رب انصرني على القوم المفسدين" الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" ﴿يوسف 24﴾ وقوله:" كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ" اللام في "لنصرف" للغاية أوالتعليل والمآل واحد و "كذلك" متعلق بقوله "لنصرف" والإشارة إلى ما ذكر من رؤية برهان ربه، والسوء هو الذي يسوء صدوره من العبد بما هو عبد وهو مطلق المعصية أوالهم بها، والفحشاء هو ارتكاب الأعمال الشنيعة كالزنا، وقد تقدم أن ظاهر السياق انطباق السوء والفحشاء على الزنا والهم به. والمعنى: الغاية أوالسبب في أن رءا برهان ربه هي أن نصرف عنه الفحشاء والهم بها. ومن لطيف الإشارة في الآية ما في قوله: "لنصرف عنه السوء والفحشاء" حيث أخذ السوء والفحشاء مصروفين عنه لا هو مصروفا عنهما، لما في الثاني من الدلالة على أنه كان فيه ما يقتضي اقترافهما المحوج إلى صرفه عن ذلك، وهو ينافي شهادته تعالى بأنه من عباده المخلصين وهم الذين أخلصهم الله لنفسه فلا يشاركه فيهم شيء فلا يطيعون غيره من تسويل شيطان أوتزيين نفس أوأي داع يدعومن دون الله سبحانه. وقوله: "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ" في مقام التعليل لقوله:"كذلك لنصرف" والمعنى: عاملنا يوسف كذلك لأنه من عبادنا المخلصين، وهم يعاملون هذه المعاملة. ويظهر من الآية أن من شأن المخلصين من عباد الله أن يروا برهان ربهم، وإن الله سبحانه يصرف كل سوء وفحشاء عنهم فلا يقترفون معصية ولا يهمون بها بما يريهم الله من برهانه، وهذه هي العصمة الإلهية. ويظهر أيضا أن هذا البرهان سبب علمي يقيني لكن لا من العلوم المتعارفة المعهودة لنا.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: "فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ" ﴿النساء 25﴾ "مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ". أي عفيفات غير زانيات بصورة علنية، كالمومس، "ولا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ" أي ولا بصورة سرية، كالتي تختص بصديق في الخفاء. "فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ". المراد من الإحصان في (أحصن) الزواج، وفي (المحصنات) الحرائر، والمعنى ان الأمة إذا زنت فعليها من العقاب نصف ما على الحرة، وهذا العقاب هو ما بيّنه سبحانه بقوله: "الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ" (النور 2). "ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ". ان اللَّه سبحانه لا يريد أن يشق على عباده، ولا أن يقعوا في الفتنة، فمن مالت نفسه إلى المرأة فليتزوج حرة، فإن لم يجد المال تزوج بأمة مؤمنة، وان استطاع الصبر عن زواجها، وكان آمنا على دينه وصحته فالصبر خير وأفضل "وأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ". وهذه الآية على طولها تعرضت لحكم زواج الحر بأمة، ولعقوبتها إذا زنت، وأوجزنا في التفسير، لأن الحديث عن الإماء وأحكامهن أصبح بلا جدوى بعد إلغاء الرق. قوله تعالى "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ" ﴿النجم 32﴾ كبائر الإثم عظائم الذنوب كالكفر والشرك والظلم، وكل ما تجاوز الحد في القبح فهو فحش كالزنا واللواط، وذنب كبير أيضا، أما اللمم فهي صغار الذنوب التي لا يكاد يخلو منها إنسان إلا من عصم اللَّه كالنظرة ومجرد الجلوس إلى مائدة الخمر. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 31 من سورة النساء ج 2 ص 306 "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا" (النساء 31) ومعنى الآية ان من أقلع عن الكبائر فإن اللَّه سبحانه يشمله بعفوه وإحسانه، وان اقترف بعض الصغائر. وليس معنى هذا ان للإنسان أن يقترف الصغائر. كلا، وإلا كانت من المباحات، وانما المراد ان من اجتنب الكبائر فله أن يأمل العفو والصفح من ربه وان ارتكب بعض الهنات، وإلا كانت الجنة وقفا على أهل العصمة دون غيرهم. وفي نهج البلاغة: أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. وان يستعظم الإنسان من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقر من طاعة غيره.

جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" (النساء 148) وفيه أولا: انه ليس في الاية ما يدل على أن الغيبة من الجهر بالسوء الا بالقرائن الخارجية. وثانيا: لا يستفاد منها التحريم، فان عدم المحبوبية أعم منه ومن الكراهة المصطلحة. ومنها: قوله تعالى: "ويل لكل همزة لمزة" (الهمزة 1). وفيه: ان الهمزة واللمزة بمعنى كثير الطعن على غيره بغير حق، سواء كان في الغياب ام في الحضور، وسواء كان باللسان ام بغيره، وسيأتي ان الغيبة عبارة عن اظهار ما ستره الله، وبين العنوانين عموم من وجه. ومنها: قوله تعالى: "ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم" (النور 18). وفيه: ان الاية تدل على أن حب شيوع الفاحشة من المحرمات، وقد أوعد الله عليه النار، والغيبة اخبار عن الفاحشة والعيب المستور، وهما متبائنان، الا أن يكون الاخبار عن العيوب المستورة بنفسه من الفواحش، كما هو مقتضى الروايات الدالة على حرمة الغيبة، بل في بعض الروايات عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه فهو من الذين قال الله عزوجل: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ" (النور 19). ويرد عليه أولا: انه خروج عن الاستدلال بالاية الى الرواية.

في حديث عن النّبي الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله ورد أنّه قال: (من لم تنهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاّ بُعداً). وفي حديث عنه صلى الله عليه وآله أيضاً: (لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر). عن شبكة المعارف الاسلامية الثقافية: الهجرة إلى الحبشة ثانية: ولما زادت مضايقات قريش للنبي وأتباعه، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأذن لبعض أتباعه بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، وظلوا هناك ثلاثة أشهر، عادوا بعدها إلى مكة، ولكن المشركين كانوا لهم بالمرصاد، فعاودوا ملاحقتهم وآذوهم أشد الإيذاء، فأمرهم بالهجرة مجدداً إلى الحبشة، وكانوا هذه المرة ثمانين رجلاً يتقدمهم جعفر بن أبي طالب، وثماني عشرة امرأة تتقدمهن أسماء زوج جعفر، فلما وصلوا إلى الحبشة، استقبلهم ملكها النجاشي النصراني وأحسن معاملتهم. وحاول القرشيون استرجاع المهاجرين، إمعاناً في التضييق عليهم فأرسلوا إلى النجاشي مبعوثين هما عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وحمّلوهما الهدايا، فاستدعى النجاشي المهاجرين فجاؤوا وجاء معهم جعفر بن أبي طالب، فقال للنجاشي: أيها الملك، كنا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار فبعث الله فينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام وحسن الجوار فصدقناه وآمنا به، فعدا علينا قومنا، ليردونا إلى عبادة الأصنام، واستحلال الخبائث فلما قهرونا وظلمونا، خرجنا إلى بلادك ورجونا ألاّ نظلم عندك. فلما سمع النجاشي قول جعفر هذا، التفت إلى عمرو وعمارة وقال لهما: هذا والذي جاء به عيسى ابن مريم يخرج من مشكاة واحدة. وشعر عمرو وعمارة بالخيبة والهزيمة، فحاولا إثارة فتنة طائفية بين المسلمين والنجاشي، فقالا: إنّ هؤلاء يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد لإلههم.. فسأل النجاشي المسلمين عن هذا الأمر، فأجابه جعفر بن أبي طالب: (مانقول فيه إلا الذي جاء به نبينا، من أنه عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول). فما كان من النجاشي إلا أن طرد عمراً وعمارة وأبقى المسلمين في بلاده.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=193459
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 05 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12