المُزاملةُ والمُزايلة
أولًا: المُزاملة:
وردَ في بعضِ النصوصِ أنَّ من بركاتِ الدولةِ المهدويةِ هو حصولَ المُزاملةِ بينَ المؤمنين، وحتى نعرفَ المعنى جيدًا، نذكرُ النقاطَ الآتية:
النقطة الأولى: معنى المُزاملة لُغةً.
المُزاملةُ من الفعلِ (زمل)، والزميلُ: الرديفُ... والمُزاملةُ: المُعادلةُ على البعير .
والزميلُ أيضًا: الرفيقُ في السفرِ الذي يُعينكَ على أمورك، وهو الرديفُ أيضًا .
والزَّمِيلُ: العَدِيلُ الذي حِمْلُه مع حِمْلك على البعير .
ويبدو أنَّ المعنى اللُغوي للزميلِ والمُزاملة: يعني الرفاقةَ والصداقةَ الخالصة، مأخوذٌ من قولهم: زامله: أي صارَ عديلَه على البعيرِ والمحمل فكانَ هو في جانبٍ وصاحبُه في الجانبِ الآخر، فهما سيّان عدلان لا يستقيمُ ولا يثبتُ أحدُهما إلّا بوجودِ الآخر، ولا يستقرُّ المحملُ إلّا بتوازنِهما وتساويهما في الأثقالِ والأزوادِ وغير ذلك .
النقطة الثانية: دعوةُ الإسلامِ إلى التكافُلِ الاجتماعي:
إنَّ مُطالعةً سريعةً في النصوصِ الدينية، تكشفُ بكُلِّ وضوحٍ دعوتَها المؤمنين إلى التكافُلِ الاجتماعي، وهذه الدعوةُ جاءتْ على خلفيةِ أنَّ مواردَ الدُنيا بطبيعتها أقلّ كثيرًا من الرغباتِ اللامُتناهيةِ لدى البشر، الأمرُ الذي يعني -بوجهه الآخر- أنَّ من طبيعةِ البشرِ عدمَ القناعةِ بحال، وهو ما يحكيه ما رويَ عن رسولِ الله: «لو كانَ لابنِ آدمَ وادٍ من مالٍ لابتغىٰ إليه ثانيًا، ولو كانَ له واديانِ لابتغىٰ لهما ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدمَ إلَّا الترابُ، ويتوبُ اللهُ علىٰ من تاب» .
وهذا ما قد يترتبُ عليه صعوبةٌ في تحصيلِ مُقتضياتِ الحياة، وقد رويَ أنّه قالَ: «أقلّ ما يكونُ في آخرِ الزمانِ أخٌ يوثَقُ به، أو درهمٌ من حلال» .
وفي روايةِ الإمامِ الصادق: «يأتي على الناسِ زمانٌ ليسَ فيه شيءٌ أعزُّ من أخٍ أنيسٍ وكسبِ درهمٍ حلال» .
ولذلك كانتْ دعوةُ الدينِ إلى التكافُلِ الاجتماعي مع الفقير، سواء أكانَ على نحوِ الوجوب، وهذا يتمثّلُ بالخمسِ والزكاةِ وزكاةِ الفطرة، والنفقاتِ الواجبة، كوجوبِ إنفاقِ الولدِ على أبويه إذا كانَ غنيًا وهما فقيران، وكوجوبِ إنفاقِ الأبِ على أولاده بالشرطِ نفسِه، وكوجوبِ إنفاقِ الزوجِ على زوجته مُطلقًا، إلّا إذا أسقطتْ هي حقّها.
أم على نحوِ الاستحباب، ويتمثّلُ بالكثير من المفردات من قبيل الصدقاتِ والعطاءِ وإطعامِ الطعامِ وكسوةِ المؤمنِ وتزويجِ المُحتاجِ ومنها إعارة الأشياء، وهو أيضًا ممّا دعا إليه أهلُ البيت.
وقد رويَ عن أميرِ المؤمنين: «إنَّ اللهَ (سبحانه) فرضَ في أموالِ الأغنياءِ أقواتَ الفقراء، فما جاعَ فقيرٌ إلَّا بما مُتِّعَ به غنيٌّ ، واللهُ (تعالى) سائلُهم عن ذلك» .
علمًا أنَّ هذا لا يُبرِّرُ للمؤمنِ أنْ يلجأ إلى طُرُقٍ غيرِ شرعيةٍ لتحصيلِ المالِ فيما لو فُقِدَ التكافُلُ الاجتماعي، ولا يعني أنْ يلجأ إلى أعداءِ اللهِ (تعالى) ولو على حسابِ عقيدته، بل عليه أنْ يصبر، حتى يفتحَ اللهُ (تعالى) له، وليتذكّر: ما رويَ عن مُحمّدٍ بن الحسن بن شمون، قال: كتبتُ إلىٰ أبي محمّد الإمامِ الحسنِ العسكري أشكو الفقر، ثمّ قلتُ في نفسي: أليسَ قالَ أبو عبدِ الله: «الفقرُ معنا خيرٌ من الغنىٰ مع غيرنا، والقتلُ معنا خيرٌ من الحياةِ مع غيرنا»؟ فرجعَ الجواب: «إنَّ اللهَ يُمحِّصُ أولياءنا إذا تكاثفتْ ذنوبهم بالفقر، وقد يعفو عن كثير، وهو ممَّا حدَّثَتْك نفسُك، الفقرُ معنا خيرٌ من الغنىٰ مع غيرنا، ونحنُ كهفٌ لمن التجأ إلينا، ونورٌ لمن استضاءَ بنا، وعصمةٌ لمن اعتصمَ بنا، من أحبَّنا كانَ معنا في السنامِ الأعلىٰ، ومن انحرفَ عنّا فإلىٰ النار» .
النقطة الثالثة: المُزاملةُ زمنَ الظهور:
إلّا أنَّ الواقعَ يشهد، على أنَّ المؤمنين مهما علا شأنهم، وكثُرَ التزامُهم بالدين، وبتعليماتِ أهلِ البيت التربوية، إلّا أنّهم لم يصلوا إلى القِمّةِ في ذلك، وإنّما يحصلُ ذلك زمنَ الظهور، وهو ما أطلقتْ عليه بعضُ النصوصِ بالمُزاملة.
فقد رويَ عَنْ بُرَيْدٍ العِجْلِيَّ، قَالَ: قِيلَ لأبِي جَعْفَرٍ: إِنَّ أصْحَابَنَا بِالكُوفَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَوْ أمَرْتَهُمْ لأطَاعُوكَ وَاتَّبَعُوكَ، فَقَالَ: «يَجِيءُ أحَدُهُمْ إِلَى كِيس أخِيهِ فَيَأخُذُ مِنْهُ حَاجَتَهُ»؟، فَقَالَ: لا، قَالَ: «فَهُمْ بِدِمَائِهِمْ أبْخَلُ».
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ فِي هُدْنَةٍ، نُنَاكِحُهُمْ وَنُوَارثُهُمْ، وَنُقِيمُ عَلَيْهِمُ الحُدُودَ، وَنُؤَدَّي أمَانَاتِهِمْ، حَتَّى إِذْ قَامَ القَائِمُ جَاءَتِ المُزَامَلَةُ، وَيَأتِي الرَّجُلُ إِلَى كِيس أخِيهِ فَيَأخُذُ حَاجَتَهُ لاَ يَمْنَعُهُ» .
ولعله يُستفادُ منه أنَّ واحداً من أسبابِ الغِنى زمنَ الظهور هو هذا التكافُلُ الاجتماعي على أعلى مُستوياته، فينبغي للمؤمنِ أنْ يعملَ على هذا المعنى زمنَ الغيبةِ مع إخوته المؤمنين، خصوصًا المحوجين منهم.
ثانيًا: المُزايلة.
جاءَ في المصدرِ الأصلي لهذه الروايةِ كلمةُ (المزايلة) بدل (المزاملة)، وللمُزايلة معنيان في رواياتِ الظهور:
المعنى الأول: المُفارقةُ والتفريق.
وهو ما تقدّم في الروايةِ السابقة، إذ وردَ في الاختصاص: ... «حَتَّى إِذْ قَامَ القَائِمُ جَاءَتِ المُزَايلَةُ، وَيَأتِي الرَّجُلُ إِلَى كِيس أخِيهِ فَيَأخُذُ حَاجَتَهُ لاَ يَمْنَعُهُ» .
والمزايلة بمعنى المفارقة، فالمعنى: أنّه في زمنِ الظهور سيحصلُ تفريقٌ بين المؤمنين وبين غيرهم، فبعدَ أنْ كانوا مُختلطين، بحيث يقعُ التوارُثُ بينهم، والتزاوجُ، وما شابه، يقعُ التزايُلُ بينهم والتفريقُ بينهم، وبهذا يكونُ يومُ الظهور كيومِ القيامةِ في كونه (يوم الفصل).
المعنى الثاني:
ما وردَ في روايةٍ عن أبي عبدِ الله يبدو منها أنَّ المقصودَ بالمزايلة في قوله (تعالى): ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ هو خروجُ المؤمنين من أصلابِ الكافرين، حتى إذا ما قامَ المهديُّ قتلَ الكافرين فقط، ولم يقتلْ من يكونُ في ظهرِه مؤمن، لأنّهم خرجوا جميعًا.
فقد رويَ عن أبِي عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ أميرِ الْمُؤْمِنينَ لَمْ يُقَاتِلْ مُخَالِفِيهِ فِي الأوَّل؟ قَالَ: لآيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابًا أَلِيمًا﴾ ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا يَعْنِي بِتَزَايُلِهِمْ؟ قَالَ: وَدَائِعُ مُؤْمِنُونَ-وَدَائِعَ مُؤْمِنينَ- فِي أصْلاَبِ قَوْم كَافِرينَ، فَكَذَلِكَ الْقَائِمُ، لَنْ يَظْهَرَ أبَدًا حَتَّى تَخْرُجَ وَدَائِعُ اللهِ، فَإذَا خَرَجَتْ، ظَهَرَ عَلَى مَنْ ظَهَرَ مِنْ أعْدَاءِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ جَلاَلُهُ)، فَقَتَلَهُمْ.
|